إحتجّ هذه الأيام الموالون لأحزاب اليمين الفرنسية والحركى والأقدام السوداء على إحياء ذكرى «حرب الجزائر» بسبب مصادفتها لتاريخ 19 مارس، عيد النصر بالجزائر، وقد حاول هؤلاء إسماع أصواتهم المندّرة بهذه الإحتفالات الى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بكل من مدينتي مونبوليي ونيس. وكان الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، قد سنّ في آخر شهر ديسمبر من عهدته الرئاسية، تحضيرا للحملة الإنتخابية، قانونا يعتمد تاريخ 19 مارس كذكرى لحرب الجزائر، إستجابة لمطالب الحركى والأقدام السوداء، وقد حظي آنذاك هذا التصرّف برضى هذه الفئات التي ما تزال تنادي بسن قانون يدين «مجازر ضد الحركى» يزعمون أنّ الجزائريين ارتكبوها في حقّ هذه الفئة بعد 19 مارس 1962 أي بعد اتفاقيات إيفيان التي أقرّت وقف إطلاق النّار. وليس غريبا أن تنبش الأحزاب اليمينية الفرنسية والمحاربون القدامى والأقدام السوداء والحركى، في ملف الذّاكرة المطروح بحدّة بين الجزائر وفرنسا، مع كلّ مناسبة ثورية وتاريخية، هي بمثابة أيّام العزّة والكرامة والفخر للجزائر والجزائريين، لكن يبدو أنّ هناك جهات وجمعيات متخصصة تعمل لتشويه الحقيقة وتبرئة الحركى من أعمال الخيانة التي مارسوها ضدّ الثورة والوطن، وإلاّ كيف يسعون جاهدين لإثبات أنّهم ضحايا وفق المزاعم التي تدّعي أنّ هناك زهاء 150 ألف حركي سقطوا في مجازر بعد 19 مارس 1962 ويتجمّع هؤلاء في أزيد من 200 جمعية للحركى، هدفهم الأسمى هو إثبات أنّهم من ضحايا حرب الجزائر يدافعون بشراسة عن تاريخ 5 ديسمبر الذي اعتمده الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك كيوم للإحتفال بذكرى ضحايا حرب الجزائر، ويطالبون أيضا بمطالب واهية جدّا وهي استرجاع ممتلكات بالجزائر أغلبها عقارات يقولون أنّها ملك لهم، بحكم الإقامة والإكتساب (بل الإغتصاب) والحمد لله فقد أبدى وزير المجاهدين بعد زيارة فرانسوا هولاند رأيه في هذا الملفّ بالقول «أنّ الأقدام السوداء، خرجوا من الجزائر بلباسهم، كما دخلوا بلباسهم» واذ نسعد نحن الجزائريون بعيد النصر، فنحن مطالبون أكثر من أيّ وقت مضى أن نكون جدّ حرصين على حماية ملف الذّاكرة من خلال سرد الحقائق التاريخية التي ما تزال حبيسة صدور رجال صنعوا تاريخ الجزائر، ومنهم من أفلوا دون أن يكتبوا هذا التاريخ، كان آخرهم المناضل الكبير أحمد محساس رحمه الله الذي كشف عن وقائع وأدلة ساعات قبل وفاته، تخصّ التحضيرات السرية المتعلقة بإندلاع الثورة الجزائرية التي حضّر لها رفقة المرحوم المجاهد والرئيس أحمد بن بلّة. إنّ الفرنسيين لا يتركون حادثة أو ذكرى تمجّد إنتصارات الثورة الجزائرية إلاّ ويربطونها بقانون أو ذكرى تعاكس تماما هذه الإحتفالات بدليل أنّهم سبقونا لسنّ قانون يمجّد الفترة الإستعمارية للجزائر، وآخر يمجّد الحركى في الوقت الذي تظل فيه الجزائر الرسمية صامتة ازاء المشروع الذي طرحه نواب البرلمان للدراسة والاعتماد الذي يطالب من خلاله المجتمع المدني بسنّ قانون لتجريم الاستعمار والاعتراف بالجرائم الفرنسية المرتكبة بالجزائر والاعتذار وهو ما لم يتحقّق أيضا في زيارة فرانسوا هولاند للجزائر في ديسمبر المنصرم.