* حريّة التعبير، قضية نسبية وأخلاقية * حريّة التعبير بالجزائر، ليست متدنية بالشكل الذي جاء به تقرير مراسلون بلا حدود * اليوم الوطني للصحافة، هو فرصة للحديث عن مشاكل الصحفيين * قطاع السمعي البصري يحتاج الى تنظيم محكم من البداية * هناك تراجع في مهمّة الإعلام التنموي والتوعوي لصالح الإعلام التجاري * الصحافي الجزائري تنقصه الاحترافية والمهنية والتكوين * الاعلام الجزائري العمومي يحتاج الى إلتفاتة قوية وسريعة من قبل الدولة * على الإعلام الخاص أن يوازن بين ماهو تجاري وماهو غير تجاري مكاسب مميّزة، حقّقها قطاع الإعلام، بمناسبة الإحتفالات المخلّدة لليوم العالمي لحريّة التعبير، وفي مقدّمتها ترسيم رئيس الجمهورية ل 22 أكتوبر، يوما وطنيا للصحافة، ووضع نصب تذكاري لضحايا الفيتنام، الى جانب عدد من التكريمات والمحاضرات والملتقيات التي تعرضت بالشرح والتوضيح لواقع حريّة التعبير بالجزائر والى الظروف التي يؤدي فيها الصحافي الجزائري مهامه والدور الإعلامي للقطاعين العمومي والخاص، وعدد من المحاور التي تهمّ الصحافة والإعلام بالجزائر، وقد إرتأت الجمهورية إثراء هذا النقاش برأي الاخصائي الإعلامي والمحلل السياسي الدكتور محمّد لعقاب، أستاذ في الإعلام بجامعة الجزائر، يملك عدد من المؤلفات القيمة في هذا المجال الواسع. الجمهورية: احتفلنا قبل أيام باليوم العالمي لحرية التعبير، أيّ مستوى بلغته الجزائر من هذه الحرية؟ الدكتور محمد لعڤاب: من الطبيعي أنّ الحرية، قضية نسبية، سواء في الجزائر أو في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي كل دول العالم، وهي قضية أخلاقية، من وجهة نظر الفلاسفة، وبذلك يكون قياسها نسبيا، حتّى في الولاياتالمتحدةالأمريكية، هناك صحافيين يشتكون من التضييقات التي تفرضها الحكومات، على بعض المواضيع والقضايا، وكذلك نحن في الجزائر، صحافيون يشتكون من كثير من التضييقات القانونية أو السياسية، وهذه الحالة موجودة في كل الدول كمصر، الأردن، بريطانيا.. ومؤخرا إستمعت لصحافية إيطالية ألقت محاضرة بالمدرسة العليا للصحافة بالعاصمة، تشتكي وتتهم الإعلام الإيطالي بأنّه عسكري، وتتحدّث عن عسكرة الإعلام في حوض البحر الأبيض المتوسط. في الجزائر لم تبلغ الحرية مستويات متطورة جدّا، ولكنّها في نفس الوقت ليست متدنية بالشكل الذي جاء في تقرير مراسلون بلا حدود، أي هناك هامش محترم من الحرية. وحقيقة وبدون مبالغة هناك هامش كبير من حرية التعبير بالجزائر، ولكن لا ننسى ان حرية الصحافة، هي جزء فقط من حرية المجتمع بمعنى لا نتوقع أن تكون صحافة حرّة، في بلد يضيّق على العمل السياسي ولا يمكن أن تكون صحافة حرة، في بلد فيه مناخ الأعمال والمال والبزنس مقيد وليس حرّا، وعندما لا يكون الإمام حرّا، لا يمكن أن يكون الصحافي حرّا، لأن الحريّة هي كلّ متكامل. * كيف تقيّمون ترسيم 22 أكتوبر يوما وطنيا للصحافة؟ - في الواقع وزارة الاتصال الحالية وعلى رأسها الوزير محمد السعيد، تقوم بعمل جبّار، لابّد علينا كصحافيين وأساتذة ومهتمين، أن نثمّن هذه المجهودات، وفي مقدّمتها اقتراح اليوم الوطني للصحافي، حتى يكون اليوم فرصة للحديث عن مشاكل الصحافي بالدرجة الأولى، لأن الصحافي هو الرجل الوحيد الذي يتكلم عن مشاكل الناس وينسى مشاكله، رغم أنّ الكثير من الصحافيين، كانوا يعيشون في وضعية إجتماعية هشة، ويتلقون راتبا هزيلا، ويعاملون من قبل المؤسسات الخاصة كالعبيد، وكثير منهم لا يتمتعون حتى بالتغطية الإجتماعية، اذن اليوم الوطني للصحافة، هو فرصة للحديث عن مشاكل الصحفيين، كما هو الحال بالنسبة لليوم الوطني للفنانين، اليوم الوطني للمعلم واليوم الوطني للعجزة واليوم الوطني للفلاح، اذن كلّ الفئات الإجتماعية لها يوم وطني ماعدا الصحافي. ومن جهة ثانية، لابد أن نحيّي مجهودات وزارة الاتصال، التي نصّبت تذكارا للصحافيين 15 الذين سقطت طائرتهم بالفيتنام في 1974 عمل جبّار جدّا، يحمل دلالة كبيرة، في جانب الاعتراف بجميل الصحافيين، لأن الصحافي لا يعمل عمل شخص، بل يعمل عملا لصالح دولته، وكذلك لا ننسى العديد من القوانين التي تعكف الوزارة على إعدادها منها قانون السمعي البصري، قانون سبر الآراء، قانون الإشهار، وهذه كلّها، لها علاقة مكمّلة لتدعيم حرية التعبير. ولا ننسى أيضا أنّ الوزارة قامت بعمل جبّار آخر، لكنّه غير مرئي، كما أنّ الصحافة لم تركّز عليه كثيرا، وهو إعادة تنظيم البث الإذاعي، فأحيانا الصوت الرسمي لم يكن يصل الى الجنوب الجزائري، في وقت حساس، تميّز بأحداث مالي وغيرها، هكذا نلاحظ أنّ الوزارة تقوم بعمل جبّار يستحقّ التقدير والثناء. * شُرع قبل سنتين في إعادة تنظيم قطاع الإعلام، والحديث شديد حول فتح السمعي البصري، لما يلعبه هذا القطاع من دور كبير في توجيه الرأي العام، هل سنكون في مستوى التحديات التي يشهدها العالم في هذا المجال؟ - القضية ليست قضية تحديات، ولكن الدولة لابد أن تنظم قطاع السمعي البصري، منذ البداية تنظيما محكما، حتى لا نعيد كلّ مرّة النظر في القوانين المنظمة للقطاع، لأن قطاع السمعي البصري، قطاع حساس، ليس كالصحافة المكتوبة، فمثلا قضية الاحتكار، اذا كان مسموح لأيّ كان ان يمتلك عدة صحف، فإن تمكينه من امتلاك عدة قنوات تلفزيونية، أمر خطير للغاية، لأننا بذلك نكون قد سلّمنا له الشعب كلّه، وهذه الوضعية تشتكي منها عدة دول كبريطانيا التي احتجّت من قنوات «مردوخ روبرت» اذن عندما يكون لدينا قانونا واضحا فإنّه من السهل جدّا رفع التحديات. * الإعلام سلطة رابعة، ووسيلة من وسائل تنمية الثقافة الديمقراطية، هل بلغ الإعلام الجزائري بشقيه العمومي والخاص هذه الدرجة؟ - يظهر في الآونة الأخيرة أنّ هناك تراجعا في مهمة الإعلام التوعوي أو الإعلام التنموي، لقد أصبح الإعلام تجاريا، وأصبحت الصحيفة عبارة عن «سوبرماركت» سوق كبيرة، وبالتالي هذا النوع من الصحافة لا يمكن أن يساهم في البناء الديمقراطي أو التنمية البشرية لأنّ همّه الأول والأخير هو الربح والخسارة. * ما ينقص في نظركم النصوص التطبيقية الخاصة بقانون الإعلام 2012 التي هي قيد التحضير حسب التصريحات الأخيرة لوزير الإعلام محمد السعيد؟ - مادام القانون العضوي يؤكّد على حق الصحافي في الوصول الى مصدر الخبر، على السلطات العمومية أن تلزم قانونا المسؤولين بتقديم المعلومة للصحافي، وهذا الإلزام كان موجودا في قانون 1982 لكن بعد 30 سنة تراجعنا عنه، اذن على النصوص التنظيمية أن تُلزم المسؤولين والإدارات والمؤسسات والوزارات والشركات بتقديم المعلومة للصحافي. واذا كان قانون الإعلام يفرض عقوبات مالية على الصحافي عندنا في حالة القذف، فإنّه يتعيّن أيضا على القانون أن يعاقب المسؤول عندما يعطي معلومات خاطئة أو ناقصة أو كاذبة للصحافي. * عدد من الهيئات والمهام، ينص عليها قانون الإعلام 2012 كسلطة ضبط الصحافة، الى أي مدى ستفيد في نظركم هذه المهام الجديدة؟ - القانون حدّد مهام سلطة الضبط بوضوح، وهي منح التراخيص للصحف، المشكلة الان، هو أنّ هذه السلطة تأخّر تشكيلها، وهذا التأخر يعود الى ان قطاع الصحافة في الجزائر ليس منظما، لأن 7 صحافيين يجب أن ينتخبوا من قبل الصحافيين وفي غياب بطاقة الصحافي، من الذي يترشحّ ومن الذي سينتخب وفي حدود علمي أن الوزارة حاليا عاكفة على إعداد بطاقة الصحفي. * ألا ترون أنّ الصحفيين الجزائريين، الشباب خاصة، تنقصهم الإحترافية والمهنية بشكل كبير؟ - نعم تنقص الاحترافية والمهنية بشكل كبير وينقص التكوين أيضا. * ماذا ينقص الاعلام الجزائري العمومي الإعلام الجزائري العمومي يحتاج الى إلتفاتة كبيرة وقوية وسريعة من قبل الدولة، لأن الإعلام العمومي ليس إعلاما تجاريا مثل الإعلام الخاص، وهو الذي ينتظر منه أن يقوم بعمل جبّار في التنمية البشرية وتأسيس الوعي والبناء الديمقراطي. * ماذا ينقص الإعلام الجزائري الخاص؟ - الإعلام الجزائري الخاص عليه أن يوازن على الأقل بين ما هو تجاري وما هو غير تجاري، مثلا نلاحظ أنّ الإعلام الخاص، من المستحيل أن نجد فيه كلمة خير تجاه الحكومة، وهذا غير معقول وغير صحيح فالحكومة ليست كلّها سيئة، وهناك كثير من الوزارات حققت نتائج كبيرة تستحق الإشادة، بينما الإعلام الخاص يتجاهل الإيجابيات ويركّز على السلبيات.