من قال بأن المطلوب اختراع العجلة من جديد و من ذا الذي ينادي باسم حرية التعبير نقد الرموز و من هذا الذي يقبل نشر أخبار بدافع العشق للسبق الصحفي تكون وبالا على البلد أمنيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا و كيف ينام قرير العين مرتاح البال من يعجل توقيت انفجار قنبلة مذهبية أو جهوية بداعي إعلام المواطن عن كل صغيرة و كبيرة ؟ لا تحتاج هذه الأسئلة إلى ندوات و لا ملتقيات و لا حتى إلى محاضرات بكليات الإعلام فالإجابة تكمن في كلمتين فقط "استفت وطنيتك" و لكن هل باسم الوطنية و الانتماء نلغي انتماءنا إلى ما يدور حولنا و نطيل عمر سياسة إعلامية كانت نافعة و داعمة لظروف تاريخية سابقة، و كان لزاما على التلفزة باعتبارها الأهم و الأثقل أن ترفع التحدي فكانت النتائج... فأفأة في الإلقاء تفتت القلب و فخفخة في التحليل تجلب الشيب و فرفرة في التقديم تنزع الهيبة و فرقعة خبر تافه تثقب الطبلة و تكلف فصاحة تفصح عن هوان و مفردات هذرة وخشب سكنهما الدود و الفئران . إن لسان الحال يقول لسنا من هواة ممارسة النقد اللاذع على منتجاتنا التلفزيونية و لسنا من رواد مدرسة الهجاء على كل لقاء كما أننا لا ننتمي إلى مدرسة التفزيع و التهويل و لكن نرفض أيضا أن نكون" كومبارسيين" في مسرحية الأمر الواقع تحت مظلة التهوين ، لسنا "مازوشييين" لنقبل فاه مدفع إعلامي بحاجة إلى زاوية داخل متحف عسكري ليستريح إلى الأبد من ويلات الصراعات و الحروب. إن أكبر أكذوبة استشرت وسط المواطنين هي تسمية التلفزة الوطنية باليتيمة ، هل سمعتم بيتيمة يقتطع لها كل سنة من موارد الدولة المالية أرقام فلكية لشراء الألبسة و التجميل ... هل شاهدتم يتيمة يخطب ودها يوميا مئات الشباب من حاملي الشهادات العليا و الموهوبين حد الإدمان بالتقديم و التعليق و التنشيط و هي تقطع حبل طموحهم بسيف المحاباة و المحسوبية .... هل صادفتم يتيمة يناديها الشعب بأكمله أن تنزل إليه كي يتعرف عليها و يحدثها ويفتح معها حوارا بلائحة اهتمامات و انشغالات محددة و بلغة واضحة جلية مباشرة لكنها ترفض و تفضل أن تمكث في قصرها العاجي و تفتح أبوابها فقط لمن يريقون ماء وجوههم على عتبات المسؤولين. ما كان للقلم أن يخلع صمته و يسطر كلمات بحبر الألم لولا أهمية هذه المؤسسة التي تعد أحد الرموز السيادية و أحد الحصون الدفاعية عن أمننا القومي و أحد المكونات الأساسية لمناعتنا الوطنية و التي لابد أن تكون في مستوى التحديات الداخلية و الإقليمية وكفانا تبعية إعلامية و صناعة رأي عام يستورد من الخارج يسيطر على الرؤوس و النفوس و يبرمج و يوجه الصراع وهميا كان أو واقعيا على الهواء المباشر بلا تشفير و لا بطاقات ذكية مادام الأمر لا يتعلق بأطباق كروية بتوابل مدريدية أو كتالونية و إنما بمأدبة موت كبيرة تعرض بالمجان مأكولات تقسيم و تقتيل للأوطان. إن حل معادلة رداءة الإنتاج أو إنتاج الرداءة بمؤسسة التلفزة لن يكون بمنطق البيضة و الدجاجة و إنما في إعادة قراءة المشهد الإعلامي بعمق و منهجية علمية من خلال الاستجابة لمتطلبات الوضع الراهن و فتح قنوات حوار جادة مع الفاعلين الحقيقيين و الرفع بمستوى الأداء بمنح الفرصة للموهوبين فقد مللنا سياسة التوريث في كل شيء و غلق الأبواب في وجه أي شيء و الخطابات المستهلكة و المفردات البالية و العبارات المرتجلة بل إن دعائم الأمن الإعلامي الحقيقية تكمن في مصداقية الخبر ،موضوعية الطرح و عمق التحليل ، و من هذا الكذاب الأفاك الذي يدعي أن حرائر الجزائر عقمن عن ولادة إعلاميين بقامة و كفاءة الأسلاف.