سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تركتُ التفاعل الثقافي والأدبي مؤجلا في الجزائر•• فهل تغيّر الوضع؟ الشاعر المصري والمدير السابق لوكالة أنباء الشرق الأوسط بالجزائر، رفعت سلام ل''الفجر''
صاحب ''وردة الفوضى الجميلة''، ''إنها تُومئ لي''، ''هكذا قُلتُ للهاوية''،•''إلى النَّهار الماضي''،''كأنَّها نهاية الأرض''،''حجرٌ يطفو على الماء''، وغيرها من الكتب التي تزيد عن العشرين كتابا بين مسرح وترجمة ونقد• يتحدث أيضا عن علاقته بالجزائر التي غادرها منذ أربع سنوات• وكان قد عمل بها كمدير لوكالة أنباء الشرق الأوسط لمدة أربع سنوات2005 2001- وما تشكل لديه من آراء عن راهن الشعر الجزائري، وأهم القضايا التي كانت تشغل الساحة الثقافية الجزائرية• باعتباركم واحدا من رموز الحركة الشعرية في مصر، ما الذي تحقق بين ديوانكم الأول ''وردة الفوضى الجميلة'' وديوانكم الأخير ''حجرٌ يطفو على الماء''؟ لا أدري•• فلا يمكن لي النظر بعين نقدية محايدة - أو شبه محايدة - إلى أعمالي، وما حققته• إنها مهمة بحاجة - ربما - إلى ناقد• لكني أعي أنني منشغلٌ - منذ البداية - بإشكالية ''تعدد الأصوات'' في النص الشعري، أي- بمعنًى آخر- كيف يمكن تجاوز ''أحادية الصوت'' المهيمنة على النص الشعري العربي، منذ القديم إلى الآن؛ حيث يبدأ النص وينتهي بهيمنة ''الأنا'' الشعرية، المعبرة عن الذات، دون أن يسمح النص ب''أنا'' أخرى، أو''أنوات'' أخرى بالتدخل في النص، والتعبير عن أصوات أخرى• هكذا، بدأت الفكرة تطرح نفسها عليَّ بقوة في الثمانينيات من القرن الماضي، وكتبتُ عدة دراسات نقدية لاختبارها (وخاصةً دراسة بعنوان ''العُرس الذي لا ينتهي''، عن الشعر الفلسطيني المعاصر)• وفي الديوان الأول، بدأت الفكرة في التحقق شعريًّا، مستفيدًا من الإمكانيات الطباعية التي تسمح بتوزيع السطور والمقاطع على الصفحة كما أريد، وبالتحكم في ''سُمك'' الخطوط• ومع تتالي الدواوين، وتزايد الخبرة والوعي، كان كل عمل شعري يمثل خطوةً مختلفةً في هذا السياق، لاستكشاف الاحتمالات المختلفة للنص الشعري، لفتحه على جميع مصاريعه• فكل عمل شعري احتمالٌ ما، مغامرةٌ ما، في طريق لا ينتهي، وصولاً إلى ''حَجَر يطفو على الماء''، الذي يمثل بنيةً أكثر تركيبًا من كل ما سبق، مفتوحةً- للمرة الأولى - على ''التشكيلي''، الذي لا يمكن فصله- داخل العمل- عن ''اللغوي''• رحلةٌ ما، لا أنظر فيها إلى الوراء، بل إلى المجهول القادم الذي أسعى لفك طلاسمه، واكتشافه في عمل قادم، لا أدري متى يأتي• في ديوانك الأخير ''حجرٌ يطفو على الماء'' نزوع نحو الاستفادة من التشكيل والمراهنة على الإمكانات البصرية للنص• هل ضاق التعبير الشعري إلى هذا الحد؟ وبم تفسرون هذا المنحى؟ في جميع أعمالي الشعرية - منذ الديوان الأول ''وردة الفوضى الجميلة''- يتبدَّى انشغالٌ أساسي: كيف يمكن ''توسيع'' أفق النص الشعري؟ كيف يمكن التصدي للنزوع إلى السكونية الذي يهيمن على الكتابة الشعرية العربية؟ كيف يمكن فتح النص على مصراعيه لكل الاحتمالات؟ فمن حقك - كشاعر- أن تنطلق من المنجز الأخير في الشعر، لكن عليك ألا تتوقف عنده، تستهلكه، تدور في فلكه، بلا إضافة خاصة، بلا منجز خاص• وإلاَّ لتحولت الكتابة الشعرية - وكثيرًا ما تتحول لدينا - إلى كتابة ''بيروقراطية''، سكونية، تقليدية، رغم تمسحها بالحداثة• هكذا، كان فضاء الصفحة - بالنسبة لي، منذ البداية - ساحةً مباحة لتحولات الأشكال الكتابية، وتجليها على الصفحة، دون أن أُلزم نفسي بالتقاليد السابقة في الكتابة، من أجل ''توسيع'' أفق العمل الشعري• وفي العمل الأخير، وجدتُ نفسي- خلال كتابة النص اللغوي- أُدخلُ فيه وحوله رسومًا مختلفة، فبدت لي الفكرة مدهشة، فرفعتُها إلى مستوى الوعي، وإدراجها في البنية العامة للعمل، بحيث لا يمكن التعامل معها باعتبارها زينةً منفصلة، أو مجرد حلية• إنها نص تشكيلي يقدم مستويين من العناصر: مستوى أقرب إلى الرمزي، الإيحائي، الذي قد ينتمي إلى الوعي والحساسية الراهنة، وله حضوره المهيمن في قلب الصفحة أساسًا وبالخطوط السميكة والحجم الكبير، ومستوًى مستمد- بالأساس- من عناصر اللغة الهيروغليفية (تلك الأبجدية التي تقوم على رسم الكائنات الأولية المتعايشة مع الإنسان)، فضلاً عن بعض الكائنات الدنيا، التي تتحرك- غالبًا - في حدود الهامش البصري للصفحة• وإذا كانت رسوم المستوى الرمزي، الإيحائي، ليست موحدةً أو ثابتة (هي متغيرة، متبدلة، متداخلة العناصر غالبًا)، فإن رسوم الهامش ثابتة في الشكل، لكنها ليست ثابتة الموقع: إذ تتحرك وتمشي بلا ضابط أو رابط، وفق ما يحلو لها• وأحيانًا ما تحاول أن تقحم نفسها في المتن بين الحين والحين، متخليةً عن موقعها الهامشي• كائناتٌ بريةٌ، بعضها أليف وديع، وبعضها قاتل أو- في الحد الأدنى- كريه• رؤية للعالم الراهن، وإيقاعاته المتخبطة المتلاطمة• أصواتٌ ووجوهٌ صارخةٌ من ألم وعذاب، أو صارخة في وعيد وتهديد• وجوه عادية راهنة من الحياة اليومية للمدينة القاهرة، ووجوه أسطورية أو تاريخية تحمل ظلالها وأصداءها وأصواتها العابرة للزمان والمكان• وديناصور غابر- قادم من عصور ميتة - لا يريد أن يترك المشهد لأصحابه الأحياء، وامرأة تحلق في سماء المشهد تبحث عن عاشقها لتمنحه ما لم تمنحه امرأة، ورجل يهيم على وجهه في الأزمنة والتواريخ، لا يدري تمامًا ما يبحث عنه•• وكائنات أو رموز تشكيلية تجوس وتتخلل المشهد المتغير، متغيرةً بدورها، مومئةً أو مندسةً أو مقتحمة للعالم المتضارب• أنت أيضًا واحد من رموز قصيدة النثر• فكيف تقييم راهنها في العالم العربي؟ لابد أن نعترف بأن ''قصيدة النثر'' قد ظُلمت في الثقافة العربية المعاصرة، ولم تَنمُ نموًّا طبيعيًّا• فقد هوجمت وحوصرت منذ البداية• بل إن الموجة الأولى- في ستينيات القرن الماضي- قد قُمعت ثقافيًّا بشكل غير مسبوق، وتم حصارها ووأدها في مكان ولادتها (بيروت)، فلم يُسمح لها بالانتشار• ولم تسلَم الموجة الجديدة من التهجمات الغوغائية، والتشهير، والتعرض للعنف المعنوي مختلف الأشكال، حيث يكتب شعراؤها قصيدتهم تحت القصف المباشر اليومي• وهو الوضع الذي ربما لم يسمح لهم بتأمل ما يكتبون، ولا تأمل تراث قصيدة النثر الهائل في الثقافات الأخرى، وخاصةً الفرنسية التي أنجبت القصيدة، وأنجز شعراؤها فيها روائع لا تُنكَر، من قبيل ''فصل في الجحيم'' و''إشراقات'' رامبو، و''سأم باريس'' لبودلير، و''أناشيد مالدرور'' للوتريامون، و''إيجيتور'' لمالارميه، في القرن التاسع عشر•• وغيرهم في القرن العشرين• وفي مواجهة الحصار، انحصرت القصيدة - في تحققها الشعري- خلال العشرين عامًا الماضية، في ''نمط'' يتكرر من هذا الشاعر إلى ذاك، بلا فوارق كبرى، ممايزة• ''نمط'' يعتمد البساطة اللغوية، والسرد، واستبطان الذات (باعتبار ''الذات'' محور العالم الشعري)، والتقاط الإيماءات اليومية• إنها قصيدة الهموم الذاتية الصغيرة، بعد أن هَزم العالمُ الخارجي شاعرَ ''التفعيلة''، وكسر أحلامه بتغيير العالم، بل سخر منها (يمكننا أن نتأمل رحلة محمود درويش الشعرية، على سبيل المثال)•• ولنعترف بأن سعدي يوسف هو من اكتشف هذا ''النمط'' لدى يانيس ريتسوس، حينما كان يترجم له مختارات شعرية صدرت بالعربية بعنوان ''إيماءات''؛ وسرعان ما أصدر أصداء تأثره الشعري بالشاعر اليوناني الشهير، في ديوانيه ''مريم تأتي'' و''الينبوع'' (في الثمانينيات من القرن الماضي)• وانساق الشعراء ''الجدد'' - في ذلك الحين- وراء سعدي، في بحثهم عن الاختلاف مع القصيدة السائدة في ذلك الحين• ومع الترجمات العربية الجديدة لريتسوس ودواوين سعدي التالية، ازدهر النمط ''السهل''، وانغلقت قصيدة النثر العربية داخله على نفسها، بلا أفق مفتوح• فبدلاً من أن تفتح قصيدة النثر آفاقًا بلا حدود أمام الشاعر (على نحو ما حدث في الشعر الفرنسي، لدى مؤسسيها العظام)، حولها شاعرنا على مدى عشرين عامًا إلى نمط أصبح - مع الوقت- جاهزًا، له مواصفاته المسبقة تقريبًا• وأصبح كل ديوان جديد ''إعادة إنتاج'' للنمط، لا خروجًا عليه بحثًا عن أفق آخر• نمط سكوني، وأفق مغلق، وشاعر مطمئن داخله، وسعيد بالأمان الذي يستمتع به، بلا مغامرة، قد تكون أكبر منه• كأن الشاعر قد هرب من سجن النمط السابق إلى سجن من صنع يديه هو• لكن السجن - في الحالين- سجن، ومصادرة للحرية والأفق الأزرق المفتوح• منذ سنوات عملت بالجزائر كمدير لمكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط• فكيف وجدتها إعلاميا وأدبيا وثقافيا في تلك الفترة؟ نعم، عملت في الفترة 2001-2005، بلا انقطاع يُذكر• قبلها، لم أكن قد دخلتُ الجزائر إلا لمدة أسبوع في مهمة صحفية عابرة• إعلاميًّا، فوجئت بمساحة الحرية الصحفية المتاحة، رغم وجود ''تابوهات'' معينة لا يقترب منها أحد• لكن تلك الحرية أدهشتني، وفرضت عليَّ - كصحفي- استخدام الصحف كمصدر للأخبار• لكني قابلت - في بعض المناسبات- صحفيين كبارًا وموهوبين لا تتسع لهم الحياة الصحفية المحلية• كما أنني لمستُ حساسيةً جزائريةً مبالغًا فيها أحيانًا تجاه بعض انتقادات الصحافة الأجنبية• لكني أعترف أني - طوال السنوات الأربع- قد عملتُ تمامًا كما أريد، وأرسلتُ إلى القاهرة ما يمليه عليَّ ضميري وضرورات المهنة الاحترافية فحسب، بلا أي منغصات من أي نوع، بل بتعاون جميع الأجهزة الرسمية التي يتعامل معها المراسلون الأجانب• وقد سهل لي الأصدقاء في وكالة الأنباء الجزائرية مشكلات كثيرة، تقنية بشكل خاص، في بداية العمل، وتعاون معي الباقون برحابة صدر تستحق العرفان• أما الحياة الثقافية والأدبية، فقد فوجئت بذلك الانقسام الحاد فيها بين من يكتبون بالعربية ومن يكتبون بالفرنسية، إلى حد انعدام التفاعل، كأن كل طرف يعيش في جزيرته الخاصة• أحسستُ بعداء ما مُضمَر لدى كل طرف تجاه الآخر، والنزوع المستشري إلى النفي والإقصاء المعنويين• لا تواصل، ولا تفاعل• فإذا ما دخلت دائرةً، فلن تجد أبناء الدائرة الأخرى فيها• وبدلاً من أن تتحول ''الازدواجية'' الثقافية إلى أداة ثراء ثقافي، تحولت إلى سلاح مسموم• وإلى جانب ذلك، لا مجلات أدبية، لا صفحات أدبية قوية، ولا مبادرات من جانب الأدباء لخلق منابرهم الثقافية المعبرة عنهم، كما يحدث أحيانًا لدينا• ولا منتديات ثقافية أو ندوات منتظمة لمناقشة أحدث الإصدارات• وفقر كبير في أدوات النشر، وخاصة دور النشر المعنية بالإنتاج الأدبي والثقافي العام• أزمةٌ مستحكمةٌ، متعددة الأبعاد، تحكم الواقع الثقافي والأدبي• وهو ما يعني- بالنسبة لي- أن ''الحياة'' الثقافية مؤجلة، قياسًا على بلدان عربية كثيرة، في المشرق أو المغرب العربي• ربما كانت مرحلة تحول أو انتقال، بفعل ظروف كثيرة، ستفضي إلى عافية قادمة• وثمة مؤشرات حاليًّا على تغير الأحوال إلى الأفضل• من خلال معايشتكم للحراك الثقافي والمشهد الأدبي في الجزائر لسنوات، شكلت بالتأكيد رأيًا حول الوضع الراهن للشعر في الجزائر• فهل لنا أن نتعرف عليه؟ بدا لي أن المشهد الشعري الجزائري يتوزع على ثلاثة تيارات متجاورة: تيار القصيدة العمودية، التي تجاوزتها الشعرية العربية منذ الخمسينيات، ولم يعد لها حضور راهن في الشعر العربي، وآخر شعرائها المرموقين المعترف بهم هو الراحل البردوني• إنه الانتماء إلى الماضي الشعري البعيد• وهناك تيار القصيدة التفعيلية، لكن الصوت الغالب عليه هو صوت التقاليد الشعرية، لا صوت الإبداع والمغايرة والفرادة (هناك استثناءات نادرة، لكنها لا تغير من جوهر المشهد العام)• إنه الانتماء إلى القيم الفنية الشائعة في قصيدة الستينيات العربية (رغم أن الستينيات العربية قد أنجبت أصواتًا شعرية فريدةً، من قبيل حسب الشيخ جعفر وسعدي يوسف ومحمود درويش وعفيفي مطر، وغيرهم)• لكنه الانتماء إلى الماضي الشعري القريب نسبيًّا• والتيار الأخير، هو تيار قصيدة النثر، الذي كان يبدأ لتوه في تلمس خطواته الأولى، واكتشاف مجاهلها وسط مناخ معاد تمامًا• ذلك ما بدا لي منذ خمس سنوات• فهل تغير المشهد الشعري الجزائري كثيرًا الآن؟ وكنتُ أقول لنفسي: إنها ربما حقبة التسعينيات الجهنمية بالجزائر، التي أسفرت - ضمن نتائجها العديدة- عن قطع التواصل والتفاعل الشعريين مع حركة الشعر العربي خارج الجزائر• ورغم أنها خلفت في الروح جروحًا عميقة، إلا أنها - على قسوتها- حقبة عابرة• وها هو التواصل والتفاعل مع المحيط العربي يبدأ في استعادة عافيته، مع الوفود المتبادلة مع بعض البلدان العربية• ورغم أن تشكيل الوفود المختلفة قد لا يعكس الواقع الإبداعي الحقيقي هنا أو هناك، بحكم اعتمادها على الاختيارات ''الحكومية'' أو ''العلاقات العامة''، إلا أنها - على أية حال- بدايةٌ طيبة يمكن تصحيح أخطائها في مرات تالية، لتصبح اللقاءات المتبادلة مثمرةً لتفاعل حقيقي بين المبدعين• ما هي برأيكم نقاط القوة في الأدب والثقافة الجزائريين، ومدى ما يمكن أن تساهم به في إثراء الثقافة العربية والإنسانية؟ إنها تلك الازدواجية الثقافية واللغوية الحالية، التي يمكن توظيفها لصالح الثقافة الجزائرية والعربية• فلا وجود لأدباء عرب يمتلكون اللغتين - العربية والفرنسية - بمثل هذه النصاعة إلا في الجزائر•• يمكن توظيفها ابتداءً بإعادة ترجمة الأعمال الإبداعية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية (محمد ديب، كاتب ياسين، مالك حداد، آسيا جبار، إلخ)، أو على الأقل مراجعتها من قبل أدباء جزائريين• فرغم أن الترجمات المشرقية معقولة، إلا أن مفردات الحياة الجزائرية - في تلك الترجمات - ليست بالدقة المطلوبة• كما أن هذه الازدواجية (عربية- فرنسية) يمكن أن تكون حلقة وصل بيننا وبين الثقافة الفرنسية، التي تعتبر مركز الثقافة الأوروبية• أما أهم نقاط القوة فتكمن في أدباء ومثقفي الجزائر أنفسهم• فما أكثر الأسماء التي استطاعت - رغم أنف الظروف المعاكسة - أن تفرض نفسها على الثقافة العربية• وما أكثر الأسماء التي يمكن أن تفرض إبداعها الآن، بقليل من الظروف المواتية، الذاتية والموضوعية• كيف تستعيد الجزائر الآن؟ وما هو الشيء يمكن أن تكون التجربة الجزائرية قد أضافته إليك شاعرا وإنسانا؟ لا أستعيدها، لأنها كامنةٌ بداخلي• لقد أقمتُ بالجزائر أربع سنوات، فأقامت فيَّ أبدًا• سكنتُها، فسكنتني؛ أهلها وطرقاتها وتضاريسها، صباحها ومساؤها وسهرات العاصمة حتى مطلع الفجر• شوارعها وحاراتها، صحراؤها وبحرها• حتى ''الزلزال'' الشهير كان لحظةً نادرة من الحياة• حتى السيول التي اجتاحت العاصمة ذات شتاء، كانت لحظةً أخرى غريبة، تطرح أسئلة الوجود الأساسية• حياةٌ بكاملها عشتها، بكل حذافيرها؛ ليست حياةً عابرة، كما جرى مع العواصم والمدن والبلدان الأخرى، العربية والأوروبية؛ بل عشت بكل كياني، كما ينبغي أن تكون الحياة•