صمت الشاشات المعروف عن الناقد السينمائي أنه مشاهد مختلف، له إدراك و قدرة كبيرة على تلقي العمل الفني وبعمق نظرته الفنية الذي تمكنه من تحليل محتواه وقراءة مضمونه وإبراز الجديد والجيّد فيه، فيما يتعامل الصحفي مع المخرج والنجوم والمنتج بحثا عن الخبر، غير أن ما يحدث في حقل النقد السينمائي ببلادنا من تداخل و فوضى و خلط في المفاهيم، أثر سلبا على هذا المجال الفني المهم لدرجة إصابته بعقم عكسه غياب المجلات المتخصصة. عن واقع الناقد و النقد السينمائي ببلادنا يتحدث نقاد ومهتمون النصر. استطلاع/ مريم بحشاشي السينمائي جمال الدين حازورلي نقص العرض لا يبرر غياب المتابعة و النقد السينمائي لا يمكن لنا أن نتحدث عن وجود نقد سينمائي متواصل و متابع للحياة السينمائية لعدة عوامل أهمها غياب العرض السينمائي علي الشاشة الكبيرة و عدم اهتمام الأركان الثقافية بالصحف الوطنية بالفيلم السينمائي هذا إذا ما توفر هذا الفيلم و حين توفره تكون الكتابة عنه بعيدة عن التحليل و النقد الذي من أدواره الأساسية تحبيب الفيلم و تقريبه من الجمهور، و لا يكون ذلك إلا بتفكيك الرموز و الدلالات و الإفصاح عن اللامرئي في الفيلم و القيام بعملية البحث عن مواطن القوة و الضعف في المنتوج الفيلمي هذه العناصر إن غيبت سيفسح المجال للانطباعية و ربما للانتقاد الذي يبتعد كثيرا عن النقد و لذا يمكننا القول أن واقع النقد السينمائي عندنا بعيد عن ما يجب أن يكون عليه . و أعتقد أن غياب العرض السينمائي لا يبرر غياب المتابعة و النقد السينمائي رغم أن الاثنين مرتبطين ارتباطا وثيقا ، لكن توفر الأقراص المضغوطة و القنوات التلفزيونية المختصة تمثل فضاء مفتوحا ينهل منه الناقد المحب للسينما كي يوصل هذه الأعمال إلى القارئ. و من جهة أخرى يعمل على عدم زوال هذا التخصص و يبقي على هذه العلاقة بين الجمهور و السينما حتى في غياب العرض لذلك أقول إن المجلة السينمائية المختصة و البرنامج التلفزيوني أو الإذاعي السينمائي ليسوا مرتبطين بالإنتاج السينمائي المحلي. و عن عدم نجاح و استمرار صدور المجلات المختصة في السينما في الزمن الراهن ببلادنا فيعود لسبب واحد في نظري و هو أنها تأسست بمبادرات شخصية. و بالإضافة إلى ما تتطلبه هذه المجلات من أموال تفوق في أغلب الأحيان إمكانيات أصحابها وولعهم بالسينما فإن غياب سوق لمثل هذا المنتوج الذي بإمكانه أن يتحقق بعد مدة من الاستثمار و لكن يجب على السلطات العمومية مساعدة من يريد بعث مثل هذه المبادرات لما تحمله من قيمة و خدمة ثقافية. الإعلامي و الناقد السينمائي نبيل حاجي صفة الناقد السينمائي كبيرة جدا و لا يصح إطلاقها على الصحفي المهتم بحقل الفن السابع لا أريد ن أكون متشائما، ولكن واقع النقد السينمائي في الجزائر غائب عن الساحة لأسباب متصلة بوضعية القطاع الكارثية ( غياب فاعلية إنتاجية وحراك سينمائي) ، بالإضافة إلى غياب أرضية متينة مرتبطة بالثقافة السينمائية ونشرها جماهيريا ونخبويا ( غياب نقاش صحي حول المنتوج الفيلمي سواء تعلق الأمر بالجديد منه أو التراث) ناهيك عن تقلص مساحة النشر وتراجع الأقلام المؤسسة للنقد السينمائي في الجزائر عن الكاتبة..ويكفي فقط أن نلقي نظرة على ما ينشر من مواد في الصحف حول السينما لنكتشف الحجم الهزيل ماديا ومعرفيا سواء تعلق بالعمل المحلي أو الأجنبي ناهيك عن غياب كلي لصفحات متخصصة حول الموضوع. و دون شك الحراك النقدي متصل أساسا بالإنتاج السينمائي ، فلقد ولد النقد السينمائي في الجزائر بعد الاستقلال كامتداد طبيعي للحياة السينمائية التي نشأت خلال الفترة الاستعمارية وبمساهمة نقاد من أصول فرنسية في الصحافة الجزائرية آنذاك، وأعتقد أن غياب مجلة سينمائية اليوم هو متصل بالوضع العام ثقافيا وسينمائيا في البلاد، وإصدار مجلة تعنى بالسينما في الجزائر هو جهد فكري ومادي كبير و استثمار مهم لكن في ظل واقع إنتاجي هزيل وغياب الثقافة السينمائية وتراجع دور فضاءات العرض( القاعات) وهوية ومرامي التظاهرات القليلة التي تهتم بالسينما يجعل في اعتقادي إصدارها أمر صعب للغاية ..و يكفي أن نطرح سؤالا عاما هنا: كم فيلما صور خلال عام 2010-2011 ؟ والإجابة ستكون قاسية على راهننا السينمائي، ثم هناك سؤال متعلق بجمهور المجلة السينمائية في الجزائر؟ نحن نعرف أن الجزائر منذ الاستقلال عرفت إصدار مجلتين اثنين يعنيان بعالم السينما والتلفزيون وهما مجلة "الشاشتان" التي أصدرتها مؤسسة الإذاعة و التلفزة نهاية السبعينات وصدر منها ما يقرب ال100 عدد وتوقفت عام 1983،والمجلة الثانية التي ظهرت مع الانفتاح السياسي أطلق عليها "ميديا سود " Media sud والتي صدر منها عشرة أعداد ثم توقفت رغم أهميتها وثرائها ، هاته العناوين فشلت لأنها مرتبطة بخيارات مؤسسيها من جهة ولها صلة بالواقع السينمائي من جهة ثانية، لكن الأكيد أنه في غياب إطار تنظيمي لمهنة النقد مثلما هو موجود في المغرب وتونس ومصر..وأيضا حراك سينمائي ووعي بأهمية السينما في شقها الواسع (إنتاج، توزيع، استغلال، مهرجانات، ونوادي للسينما ودور الجامعة في إثراء نقاش علمي وفكري حول الفن السابع ...) يجعل من هذه الفضاءات مغيبة في الوقت الذي لم تعد اهتمامات الجماهير بعالم السينما حاضرة نظرا لتفشي القرصنة وغيرها. أما بالنسبة لصفة الناقد السينمائي فأعتقد أنها كبيرة جدا،ولا يمكن بالضرورة أن تطلق على من هو إعلامي أو صحفي مهتم بالحقل السينمائي أو التلفزيوني فقط، "الناقد السينمائي"في اعتقادي شخص متفرغ ومتخصص بعوالم السينما العالمية (كمرجعية ثقافية) والمحلية ، وقد يكون المرء صحفي لكن له إلمام معرفي – جمالي ،فكري وتقني- بالفن السابع وأن تستثمر الوقت والجهد في قراءة الأفلام ومتابعة صانعيها بعيدا عن المادة الإعلامية ذات الاستهلاك العام .."الناقد السينمائي" هو أيضا شخص مواكب للحدث السينمائي في المهرجانات الدولية والمحلية ... و عليه لا بد من التفريق بين الصحفي المتابع للشأن السينمائي من الناحية الخبرية والناقد الذي يوظف الأسس الإعلامية في قراءة وتحليل والمتابعة لتقديم مادة –إعلامية – حول العمل السينمائي، تحبب القارئ والجمهور بعالم الفن السابع. السيناريست عيسى يوسف شريط النقد السينمائي شبه منعدم واقع النقد السينمائي الجزائري يكاد يكون منعدما بسبب غياب النقد في هذا الفضاء تماما باستثناء بعض المحاولات الصحفية التي لا تتعدى في اعتقادي خانة العرض ولا ترتقي إطلاقا إلى خانة النقد.. فعل النقد مرتبط بفعل الإبداع، وفي غياب هذا الأخير لا وجود للأول. وغياب الفعل النقدي السينمائي في بلادنا يعكس جليا غياب صناعة سينمائية حقيقية. و غياب الانتاج السينمائي ينجر عنه حتما غياب النقد السينمائي وبالتالي المجلات والصحافة المتخصصة..لأن هذه الأخيرة تزدهر في ظل ثراء واقع تخصصها من حيث وفرة المواضيع وحركية الانتاج و الإبداع وفي بلادنا، وفي ظل القوانين الراهنة المسيرة للقطاع السمعي البصري لا يمكن قطعا إحداث أية نهضة في هذا الفضاء..توفر الوسائط الإعلامية المتخصصة مرتبط بوجود إنتاج سينمائي وسمعي بصري حقيقي يسمح ببروز المواهب وبالتالي انتعاش الفعل الإبداعي في هذا المجال، عبر توفر الفرص الإنتاجية التي لا يمكن توفرها إلا من خلال سياسة تفتح الفضاء السمعي البصري على مصراعيه ليرتقي إلى صناعة حقيقية تنعكس على كل المجالات الحياتية. و قد توفرت عدة مجلات متخصصة أذكر تحديدا مجلة ّالشاشتان" التي استمرت باستمرار العملية الإنتاجية المقبولة آنذاك على الرغم من أن السينما كانت تعتمد كلية على إعانة ودعم الدولة في ظل الإيديولوجية الاشتراكية الذي كان يعتبر السينما كوسيلة للترويج والبروز بأجندا فقط، وبانتهاء القطب الاشتراكي انتهى دور السينما وبالتالي لا طائل من دعمها مما ادخل الانتاج السينمائي الجزائري في دوامة مميتة..و مع زوال هذا الزخم الانتاجي السينمائي لم يعد للمجلة سببا للديمومة واختفت أوتوماتيكيا.. و في ظل غياب المنابر المتخصصة، فإن القراءات الصحفية للأعمال الفنية قد تسد فراغا كبيرا في هذا المجال ، لكن لابد من تخصيص ركن للمقالة النقدية الحقيقية بعيدا عن مجرد العرض كما هو معمول الآن في أغلب الصحف، لأن العرض لا يتعدى كونه يعرف القارئ بعنوان الفيلم واسم المخرج والممثلين وتلخيص أحداث الفيلم. وغرضه نقل المعلومة للقارئ المهتم، في حين يمتد النقد إلى أعمق من ذلك عبر قراءة متمحصة للفيلم عبر تفكيك رموزه ورسائله المدسوسة ضمنه، فضلا على الوقوف على القيم الفكرية والجمالية لرواية الفيلم.. الناقد الحبيب بوخليفة خلط المفاهيم وراء فوضى النقد السينمائي ببلادنا لابد من تحديد معنى النقد السينمائي أولا، لأن ثمة خلطا في المفاهيم خصوصا في حقل الممارسة. فالنقد عملية فكرية و جمالية نقيس بها مدى استقبال هذه الثقافة للرأي المخالف، و الاعتراف بالأسئلة الجوهرية. و عملية التقييم والتذوق الفني للعمل السينمائي من جميع جوانبه من حيث القصة والإخراج والموسيقى التصويرية والتمثيل والإضاءة، إلى آخر مفرداته الفنية المختلفة التي تزيد من عمق النقد الذي لا تكون له أهمية إذا لم يزلزل المألوف الجاهز و لم يوّلد مواقف و ردود أفعال متباينة، لذلك فإن الحديث عن النقد السينمائي في الجزائر يستلزم بالضرورة تناول كيفية تلقي حقل ثقافة النقد بشكل عام، ومدى تقبل البنية الفكرية للتحليل والتأويل على أساس مجموعة من الآليات و الأدوات المعرفية الصارمة التي تعمل على توجيه العمل الفني و الذوق الاجتماعي. و لا يمكن لنا أن نسمي التغطية الإعلامية "نقد" و لا حتى الكتابة الإنشائية الأدبية التي نقرؤها هنا و هناك. و السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن الحديث عن النقد عندما يغيب الانتاج الفني الحقيقي ؟على العموم عندما يغيب التكوين المنهجي في تناول الصورة المتحركة يكون ذلك من ضمن الأسباب التي أدت بكل موضوعية إلى افتقاد المجلات المتخصصة. و في اعتقادي يبقى التكوين الفني و الممارسة هما من يحددان صفة الناقد. أما الصحفيين المهتمين بالسينما أو حقل السمعي البصري لابد عليهم أن يوسعوا دائرتهم المعرفية و يصقلون ذلك بالممارسة،لأن كبار النقاد عادة ما يكونون إما مخرجين أو ممثلين ،سينوغرافيين أو سيناريست.