يحلً علينا اليوم عيد العلم في غير حدث ، مجرد طقوس أزهار وورود عند ضريح العلامة ومنارة الفكر و حامي الهوية عبد الحميد بن باديس تليها فخفخة إلقاء لمضامين فارغة ومصطلحات مجترة في ندوات مبعثرة بعدد من المؤسسات الرسمية ثم فرفرة رقص و هز للأرداف و البطون بقصور الثقافة و دور الشباب و هدايا رمزية وفاء لسياسة الرموز وبهذا نكون قد أكرمنا الذاكرة و أقمنا واجب التاريخ و أحسنا وفادة العلم لينتهي سيناريو المسرحية البالي المتجدد بتعاقب السنين ، أعترف في حضرة هذه الورقة البيضاء أنني أجهل إن كان معشر البشر على امتداد الكرة الطائرة في ملكوت الله قد خصصوا يوما من أيامهم للعلم من حيث الرمزية لكنني على يقين راسخ أن عددا هائلا من الذين يقاسموننا نفس الملامح الجسمانية يقدسون العلم حد الثمالة ليس بعبارات أسيرة الحناجر مثل "من لم يذق مر التعلم ساعة تجرع ذل الجهل طول حياته" أو "إذا ما الجهل خيم في بلاد رأيت أسودها مسخت قرودا " و إنما بقناعة ثابتة أن العلم هو حجر الأساس في بناء دعائم الوطن من حيث السيادة الفعلية و الاستقلال الحقيقي و الغزو الناعم لباقي الدول و من أراد أن يتحقق فما عليه إلا الاطلاع على النفقات المالية المجتزأة من الميزانيات العامة لهذه المجتمعات و المخصصة فقط للمنظومة التربوية و البحث العلمي و أبشرك من الآن أن لسانك سيصاب بالشلل لأنه غير متعود على نطق الأرقام الفلكية ، فالمسألة ليست شعارات و أناشيد و محفوظات و إنما فلسفة فكرية تنطلق من عوامل رئيسية كالتوجه الإيديولوجي للنظام السياسي القائم ، الوعاء الحضاري الثقافي الذي ينتمي إليه هذا البلد و نوعية الخطة المنهجية لإنجاح التنمية البشرية و إعداد الفرد للحياة بما يضمن توازن المجتمع . و بما أن العيد يخص بلادنا فقط فالواجب يقتضي أن نكرم أبناءه و المشتغلين به و الذين أفنوا حياتهم لإعلاء مقامه و هنا تطلع علي أسئلة من فانوس الغموض وضبابية الرؤية من هم علماء الجزائر في الوقت الراهن و لا أخص تخصصا بعينه و إنما البحث يشمل الخارطة العلمية بأكملها في الدين و في العلوم الاجتماعية و الإنسانية و العلوم الطبية و البيولوجية و الهندسة والفلك ،من هم و أين هم وما حدود شهرتهم مقارنة بلاعبي الجلد المنفوخ و الضاربين على المزمار و الدف في زمن الحمق و الزيف و في أي طبقة اجتماعية يسكنون و من أين يقتاتون و كيف يعيشون ؟ و بدون أي شوفينية متزمتة أنا متأكد أن أرحام حرائر الجزائر لم و لن يصبن بالعقم في إنجاب العلماء و العباقرة و المبدعين لكن الأسئلة السابقة تستمد مشروعيتها من جهل مجتمعنا بعلمائه نتيجة عدة أسباب كالتعتيم أو التجاهل الإعلامي خاصة المرئي منه ، احتلال مدمني الاحتيال على الصفوف المتقدمة لدينامكية و حركية المجتمع النخبوي و المدني مما تسبب في إفراغه من أي مضمون أو مصداقية ، عدم رضوخ هؤلاء العلماء لسياسة اركب الموجة و احني رأسك للعاصفة ومل مع الغصن كيفما مال ، حمل الحقائب و شد الرحال إلى البلدان التي تقدر مكانتهم و ترفع من مقامهم و أسباب أخرى عديدة و متعددة لا تسع رقعة الورقة لاستقبالها لكن و بالرغم من الظلم و الضيم الذي طال هؤلاء النخبويين إلا أن عزاءهم فيما قاله نابليون "العباقرة شهب كتب عليها أن تحرق لإنارة عصورها "