تستقطب الصحراء ملايين الرؤوس من الماشية التي تعد مصدرا لمادة هامة ألا وهي اللحوم الحمراء هذه المادة يسهر عليها موالون لا يهمهم البعد او المشاق المهم جودة المراتع التي تستهوي مواشيهم فهي تستلزم سهرا وتعبا و جهدا شاقا و صراعا أزليا مع الطبيعة لا يعرف عسرها إلا من عايشه فهي مصدر رزقهم فأمس دورهم في الحركية الاقتصادية وتأثيرهم فيها أمرا جليا فهم حلقة مهمة ضمن هذه السلسلة وهو مايبوئهم المكانة المرموقة في خدمة المستهلك ورغم هذه الأهمية فقليلون جدا من يعرفون متاعبهم وحياتهم اليومية المعقدة خصوصا في شهر الصيام الذي يتزامن و فصل الصيف بصحراء ولاية البيض خصوصا التي تتميز بكثيرمن الميزات التي صارت حكرا عليها دون سواها فأينما وليت نظرك تتراءى لك الخيام منتصبة شامخة تشهد على أصالة هذه الثقافة واعتزاز البدو به افلن تضيق بهم فكلما ابتعدت قلت الحركة ليتوارى المشهد الى غير رجعة تضاريسها صامدة تشد إليها الأنظار في كل اتجاه يقل ريتمها كلما اتجهت غربا على الرغم من صعابها وتعبها فلا يتورع هؤلاء وهم يقطعون ألاف الكيلومترات في ترحال دائم بين التلال و الكثبان والجبال الوديان والأحراش لإشباع مواشيهم والعمل ما أمكن لتكون مرتاحة والسعي الى كل هذا ليس بالأمر الهين ذلك أن الصحراء كالبحر محفوفة بالمخاطر المحدقة التي تتهددهم والحوادث كثيرة ولدغات العقارب والأفاعي تترصدهم والحيوانات المفترسة ليسوا في مناي عنها زيادة على قهر الطبيعة وتقلبات الجو الذي يولد العطش صيفا والرجوع إلى الوراء ليس من شيمهم الاتكال على الله شعارهم و قد اكتسبوا من الصحراء الكثير منها الحصافة و الصبر والمغامرة والرعاة وهم عمودها الفقري والأساس ولا يمكن تصور نشاط بدونهم في فصل الصيف و الصيام فحياة البداوة تختلف عن الحضر لانها عسيرة جدا يومياتهم تكتنفها العديد من الصعوبات فهم يقودون القطيع إلي المراتع يبدؤون رحلتهم قبل طلوع الشمس كعادتهم مع بدايات الفجر مباشرة غايتهم تقديم الأفضل للقطيع في موكب يقطع المسافات بهدوء و بطء وهو غاية هذه الرحلة تتعدد طرقهم والهدف واحد لان سعادتهم الأولى أن يروا مواشيهم وقد شبعت لا يهم ما يقطعونه فقبل طلوع الشمس يغادرون ومع غروبه يعودون وقد أجهدهم التعب والتفكير في يوم أخر يشغلهم فمقامهم داخل الخيمة لن يستغرق طويلا ومتعب مواشيهم تأتمر باومرهم كما يشاءون فهي لا تقو علي عصيانهم العصا لا تفارقهم فلهم فيها مأرب شتي تعطيهم مهابة و وقارا و مع تقدم الساعات يزداد التعب و العطش لان الحرارة جد مرتفعة تقترب من ال 44 درجة و الشمس اللافحة غير بعيدة عنهم والضلال ليست متوفرة و الأخطار تتهدد مواشيهم من ذئاب وغيرها و اليقظة مطلوبة في كل وقت فاذا كان سكان المدن يعانون من الحر فكيف للبدو ان يتكيفوا مع الصيام بالبيداء فنقلت هذا الانشغال الى الحاج بن خدة الذي خبرهذه الحياة بصعوبة فائقة و كثيرا ما يتعرض هؤلاء للخطر جراء العطش لكن نحاول التأقلم مع الحر و التناوب بين الرعاة و احيانا نعود الى الخيمة ولا نبتعد عنها منتصف النهار او الاستعانة بالاطفال الذين لا يصومون في الرعي أما عن الاغذية فقديما كان الحساء و التمرو الحليب والكسكسى اما اليوم هناك من يحضر من آن لاخر الخضر و الفواكه للافطار لكن هذا ليس متيسرا للجميع و هذا حسب المسافة عن الفرق بين الماضي والحاضر فهو توفر المركبات للكثير منهم التي اختزلت الكثير من المشاق و ربح الوقت فهؤلاء البدو مشكلهم الاخطر هو العطش في الإفطار فما بالك برمضان و قد روى لي احدهم ان ابنه كاد يهلك بسبب العطش الحاد الذي يصل الى درجة الغليل حيث تظهر علامات منها جفاف في اللسان والحلق والحاجة الى الماء الذي يخزن في القربة المصنوعة من جلد الماعز تملأ ماء ممزوجا بالقطران الذي يعطيها مذاقا خاصا و يحافظ على البرودة نوعا ما كثيرا ما نتجمع في رمضان في شكل تجمعات تتجاوز العشرة احيانا بغرض الصيام وصلاة التراويح ونحضر لذلك حافظا للقران الكريم المهم اننا نجتهد لنكون اكثر عددا تحن نجتمع ليلا في سهرات قصيرة لان الجو يكون باردا و نحتسي كؤوس الشاي لان التفكير في يوم جديد يشغل الجميع و قد سالت اماما عن حكم صيام هذه الفئة حيث اشار الى انه لا يوجد نص يبيح لهم الافطار ماعدا المريض والمسافر رغم كل الصعوبات في هذه الفترة فان هذه الفئة تجسد أصالة الثقافة في كل مآثرها المادية والمعنوية في لباسهم وعاداتهم وتقاليدهم وأكلاتهم وأحاديثهم في جميع تصرفاتهم فلم تبهرهم تحولات العصر لأنها لا تخرج عن قطيع يدب بين ثنايا هذه الأرض الطيبة مصدرالخيرات التي تنعش الحياة