كتابة التاريخ ليست نصا أدبيا و لا قصيدة شعرية نحمّله ما استطعنا من العاطفة و الحب و المحسنات البديعية ليُعجب بنا القارئ بل مادة علمية تتوفر على موضوع كتابة و طريقة بحث ما دمنا نتعامل مع ملفات موثّقة و محفوظة قد تحتمل الصدق أو الكذب و هنا يبرز دور الكاتب الذي لا ينبغي إلا أن يكون مؤرخا ناقدا يعرف باحترافية كيف يتعامل مع المادة الموجودة أمامه.و كتابة التاريخ لا تُفصّل عند خياط و لا تتجمّل عند حلاقة بل تطرح ما لديها و تترك الحكم للمتلقي. و اليوم نحن أمام حالة تاريخية تبدو لي محزنة عندما أتحدث بالعاطفة و معقدة أبحث لها عن اجابة شافية عندما أنزع عني ثوب الحب و الاحترام الذي نكنه لمجاهداتنا و شهيداتنا اللواتي تعرفهنّ زنزانات الاستعمار الأعمى ياسف سعدي أحد رموز ثورتنا الذين نقف لهم وقفة اجلال و احترام يقول أنّ زهرة ظريف بيطاط (بيْعت)على حسيبة بن بوعلي و كانت سببا في أن أجهزت عليها قوات الاستعمار. كجيل استقلال من حقنا معرفة الأحداث كما جرت و ليس كما يريد أن يسوقها طرف ما بدافع الاحتكام للعاطفة و الظروف المحيطة بتوقيت ما يسوق و من حق جيل الاستقلال طرح أسئلة كثيرة : لماذا انتظر ياسف سعدي 50 سنة ليخرج علينا بمثل هذه الخرجة؟ لماذا لم تتضمن مذكراته مثل هذه المعلومات ؟ لماذا يحتفظ سعدي بمثل هذه الوثائق و في المدرسة قيل لنا أن وثائق الثورة و ما سبقها ملك لكتابة التاريخ و التي ينبغي أن تكون باحترافية المؤرخ؟ ثم هل نحن أمام شهادات أخرى قد تتكرر مع مجاهدين و مجاهدات آخرين و ربما شهداء أيضا؟ و أكاد أُمرغ رأسي في الرماد عندما تقول الدكتورة مليكة القورصو أنها كانت على علم بالوثيقة الموجودة في الأرشيف الفرنسي و التي تحوز على نسخة منها و أنها توخت الحيطة و الحذر في التعامل معها لمعرفة الجميع بالحرب النفسية التي كان يشنها المكتب الثاني و الخامس على الثورة و مدى اجتهاد جهابدة الكتابة من ضباط فرنسيين من أجل النيل من المجاهدين بتلفيق الكذب و تزوير شهاداتهم التي انتزعت منهم تحت طائلة التعذيب و الاهانة لكن و إذا فعلا كتبت زهرة ظريف (تحت التعذيب)رسالة لحسيبة تدعوها للاستسلام فلماذا لم تتحدث اطلاقا عن ذلك في مختلف شهاداتها ؟؟و لا حتى تضمنتها مذكراتها؟؟ زهرة ظريف بيطاط أشهر من نار على علم تعرفها سجون فرنسا كما تعرفها شوارع العاصمة ويعرفها (ميلك بار)جيدا. الاستعمار تعوّد على الكذب و انتهاج سياسة الدعاية المغرضة كوسيلة حرب بسيكولوجية في محاولة منه لإحداث الهوّة بين الثورة و الشعب و عزله عنها. و الرسالة المزعومة التي تقول فرنسا الاستعمارية أنه كتبها لأهالي الغرب يحثهم فيها على عدم مساندة مقاومة الشيخ المقراني و اتضح أن ذلك ليس أسلوب كتابة الأمير. حرب الدعاية خلال الثورة المجيدة كانت قطاعا قائما بذاته لكن هذا ليس مبررا لنكذّب كل ما يصل إلينا من الأرشيف الفرنسي ألقوا بما في جعبتكم و اتركوا الذاكرة الجماعية تحكم.