الحديث عن عادات أهل منطقة الشلف يدفعنا إلى ذكر بعض الميزات التي يتحلون بها من خلال إلقاء الضوء على الفانتازيا أو العاب الفروسية التي غالبا ما تقام في الاحتفالات بالأعياد المحلية المختلفة أو ما يطلق عليها بالعامية اسم الطعم أو الوعدة أو الزردة عبر مختلف مناطق الولاية كطعم سيدي امحمد بن علي بأبيض مجاجة الواقعة على بعد 17 كلم شمال غرب مركز الولاية إذ تخلد تلك الاحتفالات الشعبية ذكرى الولي الصالح سيدي أمحمد بن علي و تدوم على مدار يومين كاملين كما جرت العادة من كل سنة، و تعود الذكرى إلى قرون خلت حيث قال العلامة الشريف سيدي العرفي الإدريسي في كتابه ياقوتة النسب الوهاجة في التعريف بسيدي محمد بن علي مولى مجاجة، قال أحمد بن محمد المغراوي في تمييز الأنساب أما نسبه الطيني فمن شرفاء الأندلس بني حمود الحسني، و قال الجعفري هو من شرفاء غرناطة بن عدي بن عبد الرحمن بن داود بن عمرة بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن علي بن اسحاق بن أحمد بن محمد بن أبي زيد الشريف بن عبد الرحمن بن داود بن ادريس الحسني. غالبا ما تقام وعدة سيدي امحمد بن علي في فصل الخريف تزامنا مع بداية موسم الزرع أين يلتقي فيها مشايخ و كبار الزوايا الموجودة عبر مختلف أرجاء الولاية و كذا وفود أخرى من كل الولايات تأبى إلا أن تحضر تلك التظاهرة الثقافية المتصلة جذورها بالزمن البعيد، زمن يعود إلى صاحب الكرامات الساطعة و البركات الظاهرة التي تضفي عليها طابعا مميزا يزيدها رونقا و يصنع منها لوحة فنية في غاية الروعة والجمال و تفوق كل التصورات. تلك اللوحات التي تبدعها الألفة و المحبة و الارتباط المتين بين سكان المنطقة و حرصهم الشديد على المحافظة على العادات و التقاليد التي توارثوها أبا عن جد و تجديد التراث بما تتطلبه مواكبة العولمة. فتلك الوعدة التي تعتبر بمثابة عرس حقيقي يتجدد كل سنة ليجدد النفوس و يحيي العلاقات تمكن الزوار من التبرك بضريح الولي الصالح سيدي امحمد بن علي و الترحم عليه و على كل من حوله من أموات في مهرجان ديني سياحي وتجاري في أن واحد، و يغتنم الزوار الفرصة لإلتقاط بعض الصور الفوتوغرافية للذكرى كتذكار حي عن الأصالة وروح التراث الموجود بكل شبر من أرجاء هذه الأرض المباركة و كل هذا دون نسيان التعريج على الزاوية إذ أن هذا المصطلح يحمل معاني و عبر كانت و لازالت في خدمة المجتمع و الحفاظ على وحدته و قد ساهمت زاوية ابيض مجاجة بدور جبار إبان ثورة التحرير المبجلة حيث كان طلبتها من المجاهدين الأوائل الذين ثاروا ضد المستعمر الفرنسي على مستوى ولاية الشلف و في الجانب الأخر عملت الزاوية على غرار باقي الزوايا بالتراب الوطني على إفشال و إحباط الإستراتيجية المدمرة التي انتهجتها فرنسا بغرض القضاء على اللغة و الدين و محو مقومات الشخصية الوطنية و استمر دورها في التعليم و التوجيه حيث يتم بها تلقين مختلف العلوم الشرعية، و تعتبر هذه الزاوية التي تعد من بين اثنتا عشر زاوية مشهورة على الصعيد الوطني مصدر تمويل للمعاهد الإسلامية بالطاقات البشرية التي تصبح بعد تكوينها إطارات تشرف على تسيير المساجد و المدارس، كما تعتبر ولاية الشلف بمثابة خزان لحفظة القران الكريم تمول به الولايات المجاورة و كذا علم التفسير و الفقه و التوجيه و نشير في هذا الصدد إلى أن طعم سيدي امحمد بن علي هو اكبر تظاهرة ثقافية بالمنطقة لما تكتسيه هذه الأخيرة من طابع متوارث أبا عن جد و لما تحمله من بعد روحي و حضاري. اتخذ منه أبناء العرش و أحباؤهم موعدا لللقاء والتصاهر و التشاور بين الكبار و التصالح بتجديد العلاقة بين أفراد العرش الذي حافظ عليه الأهالي بنسقه وطقوسه عبر العصور رغم التطور الحضاري في ظل التغيرات والمستجدات الطارئة على الصعيدين الوطني والدولي فضلا عن تبادل الثقافات و معايشة فنتازيا الخيول والبارود التي يشارك فيها العشرات من خيرة الفرسان الذين يوفدون من مختلف الولايات المجاورة بزيهم التقليدي مما نسجته نساء المنطقة من برنوس وعمامة و نعال و الشاش 'القنار' المصفف بالخيط، يزيدهم جمالا و زينة الالجمة و السروج المطرزة و كل فارس يحمل بيده بندقيته المعبأة بالبارود، و هي علامة الرجولة و الفخر و الشهامة و بهذا المظهر تدخل الجماهير جو الاحتفال وتتجاوب معهم بالتصفيقات و الزغاريد بالإضافة إلى تزيين الجهة التي سيقام بها الطعم و تكون على جانب أضرحة أولياء الله الصالحين وذلك بنصب الخيم وسط سوق شعبي أين يأخذ الباعة في عرض سلعهم المختلفة كأنها قبلة يتوافد عليها التجار من كل حدب يغلب على تلك السلع المنتوجات التقليدية الخاصة. و هذا ما يسحر الألباب بعروضهم الرائعة أو ما يسمى في الكثير من المناطق بالعلفة وما يزيد تلك المشاهد الرائعة جمالا و التي تبقى خالدة في الذاكرة هي تلك الزغاريد المنبعثة من هنا و هناك تعبيرا عن الفرحة و التي تحول الوعدة إلى عرس حقيقي يسوده النظام المحكم و الإحترام المتبادل فضلا عن حفاوة استقبال الأهالي لضيوفهم. و يعود الفضل في كل هذا و ذاك إلى التماسك و الانسجام الذي يطبع أبناء العرش الواحد و إحساسهم بالانتماء المشترك والتفافهم حول شيخ الزاوية. ونظرا لكثرة الوافدين تحضر مأدبات تتمثل خاصة في طبق الكسكسي أو كما يسمى (الطعام) من قبل أهل المنطقة يقدم للزوار مع العسل تارة و مع مرق اللحم تارة أخرى، فيأكل الجميع هنيئا وتستمر الأفراح ومواسم التكافل على مدار السنة من أجل إثبات لحمة التآخي بين أفراد المجتمع.