إذا كانت المتعة الكروية يصنعها اللاعبون على أرضية المستطيل الأخضر فإن الفرجة الحقيقية تصنعها الجماهير الرياضية المتواجدة على المدرجات بأصواتهم وملابسهم براياتهم وهتافاتهم حتى أنه تم إطلاق اللاعب رقم 12 على هؤلاء المناصرين لتأثيرهم المباشر وفي العديد من المرات في مجريات المقابلات بمساندتهم القوية والوقوف المستمر وراء فريقهم المفضل أو بإعتمادهم على الحظ من معنويات لاعب آخر أو فريق مضاد مباريات كثيرة ومثيرة تأثرت نتائجها النهائية بعوامل نفسية وضغوطات رهيبة مارسها المناصرون على فرق وأندية مضيفة، ملاعب النار وأخرى للرعب وللموت تسميات تطلق على هياكل أنجزت لجمع الشمل والتمتع بلعبة الفائز فيها في الأصل هو المتفرج. والذي تبقى علاقته بفريقه وللاعبيه المفضلين علاقة شد وجذب مرتبطة بالنتائج الايجابية المحققة وكلما إنتصر الفريق زادت الجماهير في إلتفافها من حوله وكلما كانت الهزائم والنتائج السلبية كلما تحولت الهتافات من مناصرة إلى ذم وكلام جارح ومن حبهم العميق للاعب الفلاني إلى سبه وشتمه مسافة قصيرة ويكفي أن لا يكون نجمهم في يومه حتى يتلقى وابل من الشتائم والأمثلة كثيرة آخرها ما حصل للقائد يزيد منصوري الذي أكد للصحافيين بأن ذاكرة المناصرين قصيرة جدا وأنهم تناسوا إنجازاته رفقه زملائه حينما ساهموا في تأهل الفريق الوطني للمونديال بعد قرابة ربع قرن من الزمن، علاقة متشنجة تربطها العواطف ويتحكم فيها منطق الفوز ولاشيء غيره. *النتائج الإيجابية سر التعلق والحڤرة ولدت التحدي الإلتفاف الجماهيري كما ذكرنا تصنعه النتائج الجيدة لذلك ومع ظهور مؤشرات أولية عن إمكانية الذهاب بعيدا بهذه العناصر الشابة والمغتربة في مجملها عند بداية التصفيات التمهيدية المؤهلة لنهائيات كأسي إفريقيا والعالم 2010 منذ سنتين تقريبا حتى نسجت علاقات محبة ومودة مع الطاقم الفني ولاعبيه وسرعان ما تحولت إلى مناصرة، عشق وجنون أحيانا و مع مرور الوقت صدق حدس الجماهير ووقف المناصرون على حقيقة حلم يتحقق بعد إنتكاسة كروية لازمت بلادنا منذ أكثر من عقدين، حلم تجسد اليوم من خلال تأهل المنتخب الوطني إلى نهائيات كأس العالم ومرافقته إلى جنوب إفريقيا، وللتذكير فإن تواجد المناصرين الجزائريين بالقرب من المنتخب الوطني كان عاملا مؤثرامنذ أمد بعيد وحضرت الجماهير الجزائرية في كل ملاعب العالم وفي نهائيات الكؤوس الافريقية المختلفة للأمم وفي نهائيات كأس العالم بإسبانيا ومكسيكو لكن أغلبها كان يتكون من المغتربين أو المقيمين بتلك الأماكن أو بالدول المجاورة ولم تكن الجماهير الجزائرية (المحلية) تتنقل بهذا الكم إلى الملاعب العالمية إلا في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي أولى عناية خاصة بكرة القدم وأمر بالاهتمام بأنصار الفريق الوطني وبعد الحڤرة التي تعرضت لها العناصر الدولية في أم الدنيا وحادثة رشق الحافلة وما نتج عنها من كذب مفضوح وتهم باطلة وماعاشه الجزائريون في ملعب الرعب بالقاهرة من لاعبين، مسيرين وأنصار و ماتبعه من أحداث مؤسفة ستظل وصمة عار في جبين الأخوة العربية المغتالة، تأكد جليا بأن محاربي الصحراء قد وقفوا وتفوقوا رياضيا على خصمهم في عقر داره بأم الدنيا وأن من صنع الفارق وأثر على النتيجة وعجل بهزيمة الخضر هم الأنصار وطريقة تصرفهم مع لاعبينا والكل شاهد المهاجم مطمور وهو يرتعش ولا يقوى على التركيز مما جعل المدرب سعدان يستبدله بعد دقائق من دخوله والحمد للّه أن الهزيمة بهدفين مقابل صفر جاءت بردا وسلاما ومكنتنا من لعب مبارة السد بالسودان حينها أدركت الحكومة الجزائرية بأن تأشيرة التأهل ستكون في متناول رفقاء عنتر يحيى ولكن بعد تلبيه دعوة رفقاء زياني بضرورة تواجد أنصارهم بالملعب لمساندتهم والشعور بالراحة واللعب بإطمئنان فكانت ملحمة أم درمان درسا كبيرا للعالم بأسره بأن جزائر الثورة وبلد المعجزات قادرة على نصرة لاعبيها وتوفير الجو الرياضي اللازم لهم لأداء مقابلة رياضية فكان الجسر الجوي لنقل أكثر من عشرة آلاف مناصر في ظرف يومين مع توفير كل مستلزمات الايواء والأكل والتنظيم الجيد فتسابقت العجائز قبل البنات والشيوخ قبل الشباب للتسجيل في الرحلات والتنقل بالأعلام والرايات لنصرة الخضر ورد الحڤرة بالعودة بتذكرة التأمل وكان لهم ذلك وخرجت باكرا الملايين من الحناجر لإستقبال أبطال الجزائر في موكب بهيج وفرحة لم تعشها الجزائر منذ إستقلالها فكانت ليلة 19/18 نوفمبر 2009، ليلة خالدة لن تمحى من ذاكرة الجزائريين أبدا. * دعم في التذاكر ورعاية رسمية رغم إختلاف المكان والزمان والظروف العامة ما بين أم درمانوجوهانسبورغ إلا أن القيادة الجزائرية وقفت مرة أخرى مع أنصار الخضر حينما تدخل مرة أخرى الرئيس بوتفليقة لتخفيض سعر تذكرة النقل الجوي وتحديدها ب 6 ملايين سنتيم على أن يدفع الفارق من الخزينة العمومية وعلى غرار التحضيرات الخاصة بالنخبة الوطنية أمر فخامته الحكومة بأن تضع كل الإمكانات وأن تقوم بكل التسهيلات من أجل تمكين أكبر عدد ممكن من المناصرين من التنقل الى جنوب إفريقيا في ظروف مريحة لمؤازرة الخضر وتم إنشاء لجنة وزارية مشتركة مكلفة بتحضير تنقل المناصرين الجزائريين الى بلد نلسن مانديلا مكونة من وزارة الشباب والرياضة وممثلين عن الديوان الوطني للسياحة ووكالة السياحة العمومية من أجل الوقوف المبكر وحجز تذاكر الدخول الى الملاعب وأماكن الإيواء وحافلات لنقل الوافدين من الجزائر وكذلك إجراءات الفيزا والتأمين على السفر وتم إختيار فنادق وأحياء جامعية للأنصار ويرافقهم في رحلتهم عدد من رجال الحماية المدنية والأمن الوطني وبعض الإطارات من وزارة الشباب والرياضة بالإضافة الى فرقة طبية متنقلة مجهزة بأحدث الآلات وعلى هامش إنعقاد اللجنة العليا والمختلطة الجزائريةالجنوب إفريقية، صرح وزير الشباب والرياضة الهاشمي جيار بأنه قد تم إتخاذ كل التدابير اللازمة هناك لإستقبال لاعبينا ومناصرينا في أحسن الأحوال وكانت لزيارة رئيس جمهورية جنوب إفريقيا مؤخرا تأكيدا على حسن العلاقات الثنائية والمكانة التي يحتلها الجزائريون في قلوب نظرائهم في جوهانسبورغ. كما سيتم تنظيم الأنصار وتزويدهم بالأعلام الوطنية واللافتات المعبرة عن التأييد والمساندة للخضر، هذه الإلتفاتة وهذا الاهتمام غير المسبوق لم تقم به أي دولة أخرى إتجاه مناصريها وكل من إلتقينا بهم قبل الذهاب الى السودان أو بعده أكدوا لنا نقل تشكراتهم الى رئيس الجمهورية والى الحكومة الجزائرية وسجلوا بكل فخر واعتزاز إهتمام القيادة السياسية بالرياضة وبأنصار المنتخب الوطني مبرزين للجميع بأنهم خير سفراء للجزائر وأن كل ما قيل عن أحداث مزعومة في السودان قد كذبتها الفضائيات العالمية وبالعكس فإن طريقة مناصرة الخضر وإلتفاف الجماهير الجزائرية من حوله أصبحت ماركة مسجلة جزائرية خالصة يتعجب العالم بأسره من شدة تعلقهم بفريقهم ودرس آخر يقدمه الأنصار عن الوطنية وحب الجزائر. * الأنترنت فضاء للمناصرة عن بعد والجمهورية في قلب الحدث تمكن الشباب الجزائري بفضل حنكته وتحكمه في تقنيات التكنولوجيا الحديثة وخاصة الأنترنت من إكتساح العالم من خلال إنجازه للمواقع والمنتديات المساندة للخضر وإلتفاف الملايين من حولها ولعل أهم هذه الأعمال المنجزة ما قام به مناصر هاوي من بريطانيا والذي كان متواجدا بالقرب من الفندق الذي أقام به أشبال سعدان في القاهرة وبفضل لقطاته التي صورها عن حادثة الخضر ورشقهم بالحجارة وكل ما جرى ليلتها ودون أن تجعله اللسلطات المصرية في الحسبان بعد ثوان من الحادثة الأليمة اطلع العالم بأسره على صور الإعتداء الجبان وتفاعلت وكالات الأنباء والفضائيات العالمية مع الحدث المأساوي وقدم المناصر المذكور خدمة جليلة للفريق الوطني من خلال اعتماد الفيفا على تلك الصور وأخرى تم تصويرها من طرف صحفيين محترفين وستكون جريدة الجمهورية في قلب الحدث وسترافق الأنصار الى دوربان وكل مدن جنوب إفريقيا بواسطة حضور رئيس تحريرها الصحفي الرياضي المعروف الزميل خليفة محمد كمبعوث خاص الى مونديال 2010 وسيفيد قراءها بالأخبار والأصداء وكل صغيرة وكبيرة عن هذا العرس العالمي الكبير وبالتوفيق للجميع.