سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الرئيس بوتفليقة يهنىء الجزائريين والجزائريات بستينية نوفمبر ويدعوهم إلى رصّ الصفوف وتأصيل مفهوم التضحية: الشعب لن يتهاون في مجابهة من يريد المساس بثوابته واستقراره
الثورة المجيدة كانت عربون تحرير الملايين من الشعوب المستضعفة في القارات الأربع. سنمضي بثبات لبناء الديمقراطية حقة وحرية مسؤولة وعدالة شاملة وتنمية دائمة. وجه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة رسالة بمناسبة إحياء الذكرى ال60 لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954. فيما يلي نصها الكامل: "أيتها السيدات الفضليات, أيها السادة الأفاضل, لا أعتقد أن ثمة أمرا عظيما يقف أمامه المرء عاجزا عن ترجمة مشاعره الجارفة مثلما يقف الجزائري أمام ذكرى إندلاع ثورته الظافرة مطلع كل نوفمبر . لقد كانت الحدث الذي تقاطع على طرفيه الممكن بالمستحيل, والذي فصل بين عهدين لا يجمع بينهما جامع إلا تلك الإرادة وذلك التصميم, من قبل فئة تولدت من رحم شعب آمن بالله معينا, والتحرير نهجا, وبالتضحية سبيلا الى انتزاع حريته واستعادة سيادته. إذ بعد عقود من ظلام دامس خيم على سماء الوطن, واحتلال مقيت استأثرت بكل أسباب الحياة الكريمة لهذا الشعب, حتى أنه لم يبق شبرا من أرضه إلا احتله بالحديد والنار, ولم يدع علامة او مظهرا من مظاهر المقومات الوطنية الروحية والمادية, إلا أعمل فيها سيف الطمس والإبادة, وأقام منظومة كاملة من الإستيطان والإستعباد قل مثليها في التاريخ, وظن أنه استخلص الجزائر لنفسه واستأثر بخيراتها إلى الأبد الآبدين. لكن الذي خفي على قادة هذا الإحتلال ودهاقنته من العسكريين والسياسيين وبعض رجال الدين, أن ثمة جذورا لحضارة هذا الشعب ضاربة في الأرض وفي النفوس لم يدركها الفناء, وإن جفت بعض أغصانها وتساقطت أوراقها, بقيت تقاوم كل أنواع الوهن والفساد, وتتحين اللحظة الفارقة لتنشأ من أسباب الضعف قوة, وتولد من رحم العبودية تحديا وحرية. أيتها السيدات الفضليات, أيها السادة الأفاضل, كان ذلك في بعض تجلياته ميلاد نوفمبر 1954, حين تخير الله من هذه الأمة ثلة من الرجال استعصموا بالحق فجاءهم اليقين بضرورة تغيير التاريخ, بعد أن استنفذت الحركات السياسية على اختلاف توجهاتها, كل ما أتيح لها من وسائل النضال في ذلك الوقت, وكانوا على قلتهم وتواضع مستوياتهم العلمية, وحداثة سنهم يحملون رؤية واضحة المعالم, وحدسا صحيحا لما كان يختمر في عالم السياسة والتحالفات الإستراتيجية من آراء وأفكار, فتمكنوا بتخطيط محكم في ظروف استثنائية, وفي إطار قيم إنسانية عالية ووعي سياسي متقدم من فرض إرادة شعبهم على مجريات حركة التاريخ, وأدرك العالم أن حدثا جللا انبثق من الجزائر إيذانا بثورة شعبية تطمح إلى إنهاء الإحتلال واستعادة السيادة لشعب استبد به الظلم والإستعباد عقودا من الزمن. وهكذا انخرط الشعب الجزائري في تاريخ جديد كان يصنعه بدمع ودم بناته وأبنائه ممن دقوا باب الحرية الحمراء فانفتح أمامهم واسعا نحو المجد والخلود. وكعادة كل متجبر في الأرض واجه الإحتلال إرادة شعبية وحقا مشروعا بالنار والحديد, وأطلق العنان لعصابة المستوطنين ومئات الآلاف من الجنود وللآلة الحربية الفتاكة تعمل عملها خارج الأعراف الإنسانية وقوانين الحرب مستغلا في ذلك دعما غير مشروط من حلفائه, ليعيث في الأرض فسادا, مقتنعا بأن القوة هي الحل الوحيد لاستئصال ثورة شعب تمسك بحقه وآثر الموت على الحياة, واسترخص نفسه في سبيل عزته وكرامته. فكان صمود الشعب الجزائري عربون تحرير الملايين من الشعوب المستضعفة في القارات الأربع, وآزر ثورته كل أحرار العالم وتداعي لها الأشقاء والأصدقاء بالدعم المعنوي والمادي الى أن تحطم جبروت الباطل, وانهزم الإحتلال بعد سبع سنوات ونصف من الصراع, وسقطت كل مخططات الغزاة على الثرى الذي طهره الشهداء بزكي دمائهم. أيتها السيدات الفضليات, أيها السادة الأفاضل, لا أظن أن ثمة درسا أبلغ من هذا ولا عبرة أعمق من هذه نقرأها ليس بعيون الماضي, إنما بروح الأمل والإندفاع نحو مستقبل زاهر, تزدهر فيه التنمية, وتتأصل فيه المآثر والمكاسب ويقوى الدفاع عنها بالإستزادة في رص الصفوف وتأصيل مفهوم التضحية من أجل جزائر آمنة موحدة, مهيبة الجانب سيدة القرار قوية الإرادة, لاسيما في هذه الظروف التي طغت فيها القلاقل واهتزت القيم, وضربت فيها الفتنة أقطارا وشعوبا هي اليوم تواجه مصير التشتت والتمزق. لقد أضحى الشعب الجزائري مما مر به من أحداث وتجارب, على وعي تام بالمخاطر المحدقة به وبالمنطقة فلن يتهاون في مجابهة من يروم المساس بوحدته وثوابته, أو تهديد أمنه واستقراره, وسيظل ماضيا بقوة وثبات على درب التطور والتقدم, عاملا على أرساء قواعد ديمقراطية حقة, وحرية مسؤولة, وعدالة شاملة, وتنمية دائمة تمكنه من أسباب المناعة والقوة . أيتها السيدات الفضليات, أيها السادة الأفاضل, كلما أشرق نوفمبر في أرجاء الجزائر ينبلج معه صبح من الأمل, وتشرئب فيه الأعناق الى غد أفضل, وتتحد فيه الإرادات الى مزيد من التنمية والبناء. ويكفي الشعب الجزائري فخرا أن عمله اليوم في الداخل والخارج هو في مستوى عمله إبان ثورته المجيدة بالأمس, وأن ذلك يضعه في مكانته اللائقة به بين الأمم, ويتيح له الإنطلاق بقوة لتحقيق أقصى ما تصل إليه آماله وتطلعاته. تهاني الى كل بنات وأبناء الجزائر في هذا العيد الستين لاندلاع أيقونة الثورات. العزة لله والمجد للوطن والخلود للشهداء".