لم تتقبل الكثير من الأطراف الفرنسية فكرة إدراج فيلم "خارجون عن القانون" للمخرج الجزائري رشيد بوشارب ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" السينمائي، فبمجرد الإعلان عن ترشيح هذا العمل ضمن المنافسة تهاطلت الإنتقادات والمعارضات على المخرج وكاتب السيناريو أوليفيه دونيه اللذان وجدا أنفسهما أمام حرب شرسة شنها متطرفون أوروبيون حاولوا بشتى الطرق أن يخرجوا هذا الفيلم من المسابقة وحولوا دون عرضه بقاعات السينما ناهيك عن الإنتقادات اللاّذعة من طرف الإعلام الفرنسي الذي هاجم بكل شراسة مصداقية الفيلم رغم أن هذا الأخير لم يعرض بعد ولم يكن لهؤلاء أية فكرة عن القصة والمضمون الذي يحتويه الفيلم، وسرعان ما تصاعدت هذه الضجة وأخذت منعرجا آخر لفت إنتباه النقاد ولجنة التحكيم الخاصة بالمهرجانات التي تشوقت لرؤية العرض حتى تكون لديها فكرة عن سبب هذه العملية غير المتوقعة. ومباشرة بعد عرض الفيلم سارعت هذه الجهات لتنظيم المسيرات والمظاهرات إعتراضا على القصة التي تناولت مجزرة "سطيف" التي وقعت سنة 1945 وحملت حقائق تبرز معاناة الشعب الجزائري ومراحل مقاومة جبهة التحرير الوطني، وهذا ما لم تهضمه هذه الجهات التي حاولت أن تقضي على نجومية هذا الفيلم ونظمت أكثر من مظاهرة في بعض المناطق الفرنسية بحجة أن الفيلم شوه الوقائع الحقيقية لحرب الجزائر، في الوقت الذي نددت فيه جمعية الحركيين بالقصة أو السيناريو بكونه يتطرق لبعض الجزائريين الذين حاربوا في صفوف الجيش الإستعماري ضد إستقلال بلادهم مما يسيء إليهم ويظهرهم كخونة، أما عن أصحاب الأقلام السوداء من الفرنسيين الذين كانوا يقيمون بالجزائر وأجبروا على مغادرتها بعد تحررها من الإستعمار فقد إحتجوا على هذا الفيلم وطالبوا بوقفه عن العرض مثلهم مثل النواب من مجموعة برلمانية مكلفة بدراسة أوضاع المطرودين من الجزائر. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فبمجرد الإعلان عن موعد العروض التجارية للفيلم عاد مسلسل الإحتجاجات من جديد إلى الواجهة خاصة بمدينة مارسيليا من طرف فئة معينة إستنكرت أحداث القصة وطالبت بإيقاف عرض "خارجون عن القانون" بقاعات السينما لتتواصل معاناة المخرج رشيد بوشارب مباشرة بعد تعرضه لإتهام خطير وجه له من طرف مخرج من أصل جزائري يدعى "فريد عقيري" يتهمه بسرقة جزء من سيناريو فيلمه، وهذا بعد أن رفع عليه دعوى قضائية مطالبا إياه بتعويض مالي بقيمة 750 ألف أورو، الأمر الذي لم يتقبله رشيد بوشارب وفضل الدخول في تعاملات قضائية لإثبات الحقيقة ودفع هذا الإتهام عنه مؤثرا بكل وضوح أنها مكيدة مدبرة لمنع العروض التجارية الخاصة بالفيلم ويأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه محامي الدفاع أن قصة الفيلم بعيدة كل البعد عن السيناريو الخاص "بفريد عفيري" الذي كتبه بعنوان شركاء متفرقون حيث أكد هذا الأخير أن رشيد بوشارب سرق جزء كبيرا من القصة وقد تم تحديد يوم 22 أكتوبر المقبل للنظر في الدعوى أمام محكمة باريس للكشف عن ملابسات هذه القضية. وما زاد الطين بلة هوأن بعض المتطرفين هدّدوا بحرق القاعات التي سيعرض بها الفيلم لدرجة أن هناك أشخاصا وضعوا »الأمونياك« لإيقاف العرض مما ضاعف التساؤلات حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه التصرّفات غير المفهومة، في حين اعتبرت الصحافة الجزائرية أن هذه الإتهامات والإنتقادات إجحاف في حق السينما الجزائرية ومحاولة دنيئة للقضاء على تاريخ البلاد الذي جسده رشيد بوشارب بكل موضوعية في هذا الفيلم خاصة أنه نقل قصصا واقعية تتحدث عن الثورة التحريرية وتفاصيل الحياة التي عاشها أبناء الجزائر في تلك الفترة. وبدوره فإن المخرج رشيد بوشارب لم يبق مكتوف اليدين بل بالعكس خرج عن صمته وأكد للإعلام الأوروبي أن فيلم »خارجون عن القانون« ما هو إلا تشريح لواقع الثورة الجزائرية واستنكر بشدة ما وجّه له من اتهامات فيما يخص سرقة السيناريو مؤكدا أنه لمن يقرأ أبدا قصة المخرج »فرد عفيري« كما أن أحداث »خارجون عن القانون« هي أكبر جزء من تاريخ الجزائر وكيف له أن يسرق قصة تاريخ بلاده. علما أن الفيلم تدور أحداثه حول مصير ثلاثة أشقاء جزائريين منذ نشأتهم إبان الإستعمار إلى حين استقلال الجزائر، وكيف تعايشوا مع الثورة الجزائرية المجيدة، ولم يحاول المخرج رشيد بوشارب أن يكون محايدا في رواية الأحداث بل بالعكس أظهر شجاعة وذكاء وتضحيات ثوار جبهة التحرير الوطني وأبدى بكل شفافية إنتماءه وارتباطه بالهوية الجزائرية وربما هذا لم يعجب بعض الجهات من قدامى المحاربين وبعض الجمعيات الذين زعموا أن الفيلم شوّه الوقائع الحقيقية لحرب الجزائر، مما نجم عنه تنظيم العديد من الإحتجاجات في الشوارع الفرنسية وسط ضوضاء إعلامية كبيرة افتعلتها بعض الأقلام السوداء التي لم تتقبل بدورها ما عرضه رشيد بوشارب من وقائع ثورية أعطت صورة أخرى لواقع الثورة التحريرية. وبين هذا وذاك تبقى الأعين مشدودة نحو محكمة باريس التي من المفترض أن تفصل في القضية يوم 22 أكتوبر لتكشف الملابسات الحقيقية، فيما إذا كان سيناريو الفيلم يعود لمخرجه رشيد بوشارب أم أنه بالفعل سرق مشهد فيلم »شركاء متفرّقون« للمخرج »فريد عفيري « لتختلط الأوراق على رشيد بوشارب ويجد نفسه في متاهات أخرى ناهيك عن المظاهرات التي تطالب بمنع العروض عبر القاعات الفرنسية والأوروبية بسبب الوقائع الجريئة التي يقدمها. وكل هذه العوامل تدفعنا لطرح تساؤلات لا نهاية لها عن سبب هذا الهجوم على فيلم رشيد بوشارب وفيما إذا كانت الأسباب تدور حول قصة الفيلم المقدمة التي تسرد شجاعة الثوار وظل الإستبعاد أم جرأة المخرج الذي كان متعاطفا جدا مع أبناء بلده بعد أن أبدى ذاتيته المطلقة وابتعد عن الجياد بكل شفافية.