ينتابك شعور مفعم بالحميمية عندما تغوص في لغة ميغيل دي سربنتس و أنت دارس لها ، إذ سرعان ما تعقد مع الإسبانية اتفاق صداقة فيتحوّل إلى معاهدة حب لأنّ بين طياتها تقرأ العربية. و رغم أنّ للغة الضاد يوم عالمي مصادف ل 18 ديسمبر من كل سنة إلّا أنّ لا وسيلة إعلامية مرّت مرور الكرام على المناسبة متناسية عطاءات العربية و صمودها في وجه محاول, الاستعمارات المختلفة من أجل مسحها أو مسخها ، لغة شرّقت و غرّبت ،انتصرت و انكسرت أيضا .انتصرت حيث رافقت الفتوحات الاسلامية و عادت أدراجها عندما عاد الاسلام أدراجه بعد ثمانية قرون قضتها كتابا مفتوحا في شبه الجزيرة الايبيرية ينهل منها الافرنج . كانت العربية ثاني لغة بعد اللاتينية التي أثْرت الإسبانيةَ و أثَّرت فيها منذ بداية الفتح الاسلامي بقيادة طارق في 711 للميلاد ، و مسّ التأثير كل مناحي الحياة اليومية ( المعاملات) و العلمية و الثقافية والتجارية بل كان الخلفاء المسلمون يراسلون ملوك ما تبقى من حصون اسبانية في الشمال باللغة العربية التي كان يفهمها أولئك المسيحيون لشغفهم بما جاء به المسلمون من ثراء في العلوم و قواعد الحروب و يردون بالعربية مستعينين بكتّابهم الذين كان معظمهم من اليهود و كاد ينفرد بهذا التخصص أل بني ميمون كما اطلعنا على نسخ من هذه المراسلات في متحف البرادو في مدريد. و لا يوجد في الإسبانية مجالات دون أخرى تفوّق أو تفاوت فيها تأثير العربية بل كانت كلها متساوية ،ّ و هو ما لا يزال يقف عليه إلى يومنا هذا الباحثون و الطلبة الدارسون لكن ما قد يتفاوت هو ما بقي من مفردات في كل مجال. نضيف إلى ذلك أن بعض الكلمات لا يكاد يتعرف عليها الطالب الباحث من فرط تحولها التام إلى الإسبانية مثل(mudigar: التي تأتي من كلمة مغاور) أو(ojalà:إذا شاء الله). و اليوم يوجد في اللغة الإسبانية 25 بالمائة من الكلمات ذات الأصل العربي و التي امتدت أيضا إلى المتكلمين باللغة الإسبانية في أمريكا اللاتينية رغم الفرق الهام بين الإسبانيتين (في شبه الجزيرة الايبرية والقارة الأمريكية). و إن تضاءل استعمال المفردات العربية في لغة سربنتس بداية من سقوط غرناطة في 1492 للميلاد و بداية هجرة المرسكيين نحو المغرب و الجزائر و تونس فإنّ نفس السنة أسست لبداية رحلة طويلة للعربية نحو العالم الجديد ( القارة الأمريكية) التي وصلت إليها الاكتشافات الجغرافية بقيادة كرستوبال كلومبوس. و هذا يعني أن المفردات العربية التي لا تزال تحتفظ بها الإسبانية يستعملها اليوم أكثر من 470 مليون نسمة في إسبانيا و 18 دولة أمريكية و غينيا الاستوائية . ليس هذا فحسب بل أخذت الإسبانية عن العربية حتى أسماء الأشخاص المستعملة إلى يومنا هذا و نجد لها مرادفاتها عندنا في دول المغرب العربي مثل Paloma:حْمامةMarina .:بحرية.Rosario : قطر الندى.Nuria : نورية .Inés:إيناس .Fàtima:فاطمة( و تنطق بالمد تماما مثل العربية).Nubia:النْبية. Ayxa:عيشة.Guadalope: وادي الذئاب. و يستعمل الاسبان أسماء الأماكن بالعربية مثلGuadalquibir:الوادي الكبير الفاصل أيام الأندلس بين حيي المسلمين و اليهود في اشبيلية التي وُلد بها علّامتنا الكبير العارف باللّه سيدي بومدين الغوتي. Alcala:القلعة ، الحي العتيق في مدريد حيث وُلد الأديب الشهير ميغيل دي سربنتس La Rambla:الرملة و تستعمل لتسمية الأحياء المطلة على الشواطئ في المدن الساحلية حيث كانت الرمال تبلغ اليابسة َ في حركة المد و الجزر. Modena:تتسمى بها الأحياء القديمة التي تضم معالم عتيقة مثل الآثار الإسلامية.و هي أسماء عائلات عريقة في أمريكا اللاتينية . Valadolid: بلد الوليد ، بلدة في مقاطعة كستيّا و ليون. Almería:مرآة الماء في إشارة إلى مدينة ألمريّا في مقاطعة أندلسيا . Calatayud:قلعة أيوب ، مدينة في مقاطعة أرجون و لا غرابة أن تستعمل الإسبانية أمثالا شعبية يتداولها الناس إلى يومنا هذا و قد يعتقد البعض أنها وصلت إلى الإسبان من خلال الاحتكاك الذي تمّ بينهم و بين العرب خلال الاستعمار الفرنسي لبلاد المغرب العربي حيث شكلوا جزءًا مهما من المعمرين بل هي أمثال أخذها معهم المسلمون الفاتحون و كانت متداولة في دارجة البربر المعربين و موجود تاريخ هذه الأمثال في كتاب (Hablar por los codos) لصاحبته غوردانا برانتش أستاذة اللغة الاسبانية في معهد سربنتس في فرصوفيا ببولونيا . و منها على سبيل المثال: Cuando las barbas de tu vecino veas pelar pon las tuyas a remojar: و ترجمته الحرفية تعني :إذا رأيت لحية جارك قد مسّها البلل فأسرع و بلّل لحيتك أي إذا مسّ الخطر جارك أو رفيقك فاعلم أنّ الدور القادم سيكون عليك. و هناك أيضا مثل يقول: Andar de la Ceca a la Meca :مشيا من صيكا إلى مكّة ، فكلمة صيكا معناها دار صك النقود أي تحتفظ بمالِك من دار صك النقود إلى أن تذهب لأداء مناسك الحج في مكة و المثل دليل على ضرورة التوفير و الادخار. و كثيرة هي الأمثلة المتشابهة التي أخذها الاسبان عن العرب أو استعانوا بمفردات العربية لتأليفها. و خلال الحوار الذي أجريناه مع الأستاذ الدكتور أوسكار رودريغيز غارسيا الحاصل على ليسانس في علم فقه اللغة العربية من جامعة سلامنكا (اسبانيا ) و علم فقه اللغة الاسبانية و ماجستير في اللسانيات التطبيقية من جامعة نِبريخا (مدريد) و أستاذ اللغة الاسبانية في الرباط و وهران و بروكسل و سان بيترسبورغ أكد لنا هذا الأخير أن قرون التعايش بين اللغتين أثناء التواجد الاسلامي في اسبانيا أسست للتأثير و التأثر في الاتجاهين وليس في اتجاه واحد ثم أن العربية جاءت بالجديد في كل المجالات و أخذت عنها القشتالية ( الاسبانية ) . و في سؤال ل " الجمهورية" حول ما إذا كانت الاسبانية فقيرة قبل مجيء العربية حتى تنهل منها كل هذا الكم من المفردات ، ردّ الدكتور رودريغيز أنّ كل اللغات تكونت و اشتد عودها بفعل الأخذ و التأثر بالثقافات التي جاورتها (في القرآن مثلا هناك كلمات فارسية ) و هذا بالفعل ما يثري القاعدة التي تتوفر عليها أيِّ لغة مهما كان قدمها و غناها و قاعدة اللغة الاسبانية الأولى هي اللاتينية و طورت نفسها بأن أخذت من العربية مدة ثمانية قرون و يزيد التأثير في الاتجاه الإيجابي بفعل الدور الذي تلعبه الساكنة في استعمال اللغتين. و الأخذ عن لغة – يضيف محدثنا - لا يحدد الغنى أو الفقر إنما يؤشر على مدى التأقلم و الانسجام رغم الفرق الشاسع بين اللغتين و مع ذلك تعايشت الاسبانية و العربية كما لم تتعايش أيُّ لغتين من قبل أو من بعد.و في اعتقادي أن الاسبانية كانت غنية و ازدادت ثراءً بمجيء العربية. و عمّا بقي من كلمات أو مفردات حاليا يقول الدكتور رودريغيز أنّ هناك حوالي 4 آلاف كلمة و هي في الحقيقة 800 كلمة لكن بتفرعاتها و مرادفاتها صارت 4 آلاف. و عن الإضافات التي قدمتها اللغة العربية يقول محدثنا أنها مست المفردات و بناء الكلمة و تركيب الجملة ودلالات الألفاظ. و عن سؤالنا حول المجالات التي مسّها التأثير العربي قال الدكتور رودريغيز :لدينا مفردات السياسة و الحروب و العلوم بشتى أنواعها و النباتات و علم الفلك و التنجيم و الفلاحة و الكيمياء و الموسيقى و استعمالات الحياة العامة و امتدى التأثير في الأدب إلى بناء النص النثري أو الشعري . و من خلال دراستنا للاسبانية و البحث في مورفولوجيا مفرداتها فقد تنوعت المجالات التي وصلتها العربيةُ و مهما نقص عدد الكلمات العربية في أيِّ مجال أو قطاع فلا يمكن لهذا الأخير أن يخلوَ منها تماما. في الفلاحة : : الساقية). Acequia( : القطنAlgodón :الباذنجان Berenjena في الكيمياء: : الأبنيقAlambrique : القاليÁlcali : الكافور.Alcanfor في الاقتصاد الفلاحي: : البردعةAlbarda : الضيعةAldea :غنّام أو راعي الغنمGañán في الحياة العامة: :المخدةAlmohada :الجرةJarra :خزينة الأوانيAlhacena في السياسة: : الوزيرVizir :القاضي و تستعمل للدلالة على رئيس البلديةAlcalde : البِلاطBalate في الموسيقى: : العودLaúd :القيتارGuitarra :الطبلTambur و نشير إلى أنّ كل الكلمات الاسبانية التي تبدأ ب )Al( سواء في المذكر أو المؤنث فهي من أصل عربي، بالإضافة إلى كلمات قد تبدأ بحروف أخرى لكنها قليلة مثل: .Balate هذه هي اللغة العربية التي ننهل منها فتعطينا دون أن تحاسبنا وننهال عليها دون أن نحاسب أنفسنا عندما نتناسى أو لا نعرف أصلا أنّ للغة العربية يوم عالمي تحتفي به هيئة الأممالمتحدة.