كوميديا... مسرح.. تراجيديا.. ثلاث مفردات ترمز إلى مفهوم ثقافي راق... توجد منحوتة في الواجهة الأمامية "لأوبرا وهران" التي تأسست لهذا الهدف سنة 1907 بعبقرية المهندس المعماري "إيناز"... وهي الآن تقاوم عوامل الدّهر والعولمة معا. "أوبرا وهران" المسماة حاليا بالمسرح الجهوي، هي أحد المعالم التاريخية التي تصنع الوجه الجميل لوسط مدينة وهران رفقة قصر البلدية وساحة أول نوفمبر، وعدد من الهيئات القريبة منه التي تحمل ذات السمات المعمارية الرائعة وتحظى بذاكرة تحفة المكان والزمان. وتشترك "أوبرا وهران" وما جاورها من معالم في أشكال ورموز معمارية واحدة وموحّدة في منظرها الخارجي المشيّد من الحجارة المنحوتة وهو الشكل الذي يبعث على الكثير من الفضول لدى زوار المدينة وسيّاحها الذين يرون في المكان إمتدادا للزمان بعدد من المعالم التاريخية بالدول الأوروبية كمدينتي مونبلييه الفرنسية وروما الإيطالية. البناية ضخمة يتغطى قسم من أسقفها بالقرميد والقسم الثاني بسطح من الإسمنت وتطل واجهتها ومدخلها الرئيسي على ساحة أول نوفمبر الشهيرة، أجزاؤها الداخلية مهيأة وفق نمط معماري "باروكي" وهو التصميم المعماري الذي يغلب عليه الطابع الإيطالي في طريقة تصنيف الزخارف الفسيفسائية المحاطة بإطارات مذهّبة قمّة في الروعة وغاية في الجمال، وهو ما يزيّن على وجه الخصوص سقف المسرح والإطارات المحيطة بالطوابق. تتربع بناية المسرح على مساحة قدرها 010 آر تتوزع على 50،99 متراطولا و18 مترا عرضا أما علوّها فيبلغ 22 مترا، يميّزه انحراف على شكل منارة عند كل طرف من البناية، يتوسطها تمثال ضخم، يرمز إلى ما أتفق على تسميته ب "ربّة الفن" تحمل بيدها ڤيتارة وعلى بعد خمسة أمتار منها يتربع تمثالان آخران على عرش الجمالية الفنية للمكان، وتتوفر واجهة البناية إضافة إلى المدخل الرئيسي على ثلاث ستائر حديدية توصل إلى المدخل الرئيسي الذي يؤدي إلى بهو الأوبرا الذي يوجد به شبّاكان لبيع التذاكر. يحظى الطابق الأول للبناية بثلاث قُبب تؤدي إلى السلالم التي توجه بدورها إلى الأروقة والحجرات والشرفة الأولى وأخيرا إلى داخل المسرح ويوجد هذا الجزء من هذه التحفة الفنية تحت القسم المسقّف بالإسمنت. ويخصّص وسط البناية للعروض أما مؤخرة البناية فتضم خشبة المسرح والكواليس ومقصورات الممثلين وقاعات الملابس وأجهزة الصوت التي تتوزع على طوابقها الأربعة، ويتوفر المسرح أيضا على قاعة خاصة بالموسيقى (مغلقة حاليا) و10 حجرات مخصصة للفنانين، وغرفة للتدخين وأخرى للتدريبات، أما قاعة الرقص التي كانت تشكل إحدى الملحقات الهامة للبناية المركزية التي كانت مشيّدة فوق مخزن الديكور فقد تحولت جراء عمليات التجديد الأخيرة، إلى مكاتب لعدد من المصالح الإدارية. تتسع قاعة العروض ل 602 مقعد: 242 مقعد بالطابق الأرضي و81 مقعدا بالشرفة الأولى و48 مقعدا بالشرفة الثانية و136 مقعد بأروقة الطابق الثاني وأخيرا 95 مقعدا بالطابق الثالث، أما خشبة المسرح فتحظى بمساحة قدرها 132 متر مربع، وهي من النوع الكلاسيكي تعمل بالحبال وبطريقة يدوية، ويتشكل لباسها من الستائر ذات اللون الأسود والرمادي، فيما تتشكل لوحة الإضاءة من 24 دارة كهربائية. وكانت "أوبرا وهران" تعد من بين أملاك البلدية إلى غاية الإستقلال حيث تحوّلت إلى إدارة أملاك الدولة بموجب قرار تأميم المؤسسات وتغيّرت التسمية إلى المسرح الوطني الجزائري لوهران. ومع ظهور فكرة إستقلالية المسارح عن الإشراف الوطني، تأسس بتاريخ 14 نوفمبر 1972 المسرح الجهوي لوهران كمؤسسة رسمية يوجد مقرها بمسرح وهران. ومنذ هذا التاريخ، وإلى يومنا هذا شهد مسرح وهران سلسلة من العروض المسرحية والثقافية التي عملت على حفظ الدور الفني والتراجيدي الذي تأسس لأجله حيث فاقت الأعمال التي قدمها لحد الآن أربعة وستون عنوانا مسرحيا، 57 عنوانا منها مقدما للكبار و11 مسرحية مخصصة للأطفال، أما عدد العروض فقد فاقت ألفي عرض مسرحي في 2009، فيما شهدت سنة 2010 ميلاد سبعة عناوين مسرحية ثلاثة منها ما تزال قيد الإقتباس. وحسب السيد "عزري غوتي" مدير المسرح الجهوي فالعائق الوحيد للسير الحسن والأكمل لدور هذه الهيئة هو تصنيفها الذي ما يزال معلّقا إلى حين، رغم الوعود الوزارية في هذا الشأن والتي تجدّدت في عهد وزيرة الثقافة الحالية السيدة خليدة تومي. وحسب ذات المصدر فسيتم خلال هذه السنة تجديد مقاعد المتفرجين لأنها تآكلت بعد مرور 12 سنة على آخر عملية إعادة تهيئة للمكان، حيث فاقت معدّل 5 آلاف ساعة جلوس وهي المقاييس المعمول بها عالميا وقد خصّص للعملية غلاف مالي قدره 2 مليار سنتيم. وللذكر فقد استفاد هذا المعلم الأثري من عملية ترميم سنة 1998 كلّف خزينة الدولة 14 مليار سنتيم وقد تعدى هذا المسرح حاليا حسب مديره مرحلة الترميمات إلى التعديلات التدريجية الخاصة بمختلف المرافق والمصالح التابعة له. وحسب ذات المصدر وعدد من المسرحيين فالوهرانيون يمتلكون ثقافة مسرح على خلاف عدد من الدول المتقدمة التي تعاني من أزمة جمهور لم تصلنا بعد، وقد عبّر الكثير من الأجانب عن اندهاشهم لقوّة المقبلين على مشاهدة العروض المسرحية ببلادنا خاصة مع الوجوه المسرحية العملاقة التي ألهبت هذا الصرح الثقافي المهم بالمدينة من خلال تقديم مسرحيات لا يزال الجزائريون يذكرونها ويحفظونها عن ظهر قلب وفي مقدمتهم المرحومين عبد الرحمان كاكي وعبد القادر علولة.