"مصارعة الثيران" تعود إلى وهران هذا ما تناقلته أسماع الوهرانيين الذين رأوا في الترميمات التي تشهدها حلبة الثيران، عودة مرتقبة لهذه الرياضة الإسبانية المعروفة والمنقوشة في الذاكرة الشعبية كلعبة وفن أمتع الفضوليين ذات عهد. أشار والي وهران في إحدى تدخلاته إلى إحتمال إحتضان الحلبة في زّيها الجديد لمباريات في المصارعة على شاكلة ما كان يحدث في زمن نشاط هذه الحلبة من خلال دعوة مصارعين إسبان لإمتاع سكان وهران بهذا النوع من الرياضة التي لها لاعبون محترفون ومهووسون وعشاق من نوع خاص. "حلبة الثيران" بوهران هي الوحيدة من نوعها بالجزائر والوحيدة أيضا بافريقيا، تتشابه في هندستها المعمارية مع حلبة نيم بفرنسا وحلبة "موسيا" و"لي كورون" بإسبانيا وهوما يسمى ايضا ب"بلازادو توروز" أي قصر الثيران. وإذا كان الإسبان هم أصحاب الإختصاص في مصارعة الثيران لعبة وفنا معماريا، فحلبة الثيران بوهران لم تتأسس في العهد الإسباني بل أنشأها الفرنسيون في عهدهم الاستعماري للجزائر سنة 1906 بطلب من الإسبان الذين كانوا يتواجدون بكثرة في هذه الحقبة، وهم أنفسهم الذين أنجزوا حلبة الثيران بمدينة نيم الفرنسية وجاءت على نفس التصميم حلبات الثيران التي بُنِيت بعدد من المدن الإسبانية. تتميز حلبة وهران عن مثيلاتها الإسبانية والفرنسية بأنها الأكبر من حيث المساحة والمقاعد، كانت تتوفر في الأصل على 4 آلاف مقعد ثم توسّعت إلى 10 آلاف مقعد في أول عملية توسيع برمجتها السلطات الإستعمارية للمبنى سنة 1954، وبعد الاستقلال في 1986 إستفادت الحلبة من أشغال اهتمت بتجديد دورات المياه وإنشاء مصالح تابعة لمديرية الرياضة. وإن ولّت مصارعة الثيران مع عهدها لأنها ليست من عاداتنا وتقاليدنا فقد تحولت الحلبة كمعلم تاريخي بالمنطقة إلى قاعة احتضنت الكثير من الحفلات والرياضات الوهرانية ومع الزمن أصبحت كغيرها من المعالم والآثار بحاجة إلى عناية خاصة وترميم أدق يحفظ لها بهاءها وصورتها المعمارية الناذرة والفريدة. وقد حظي مكتب الهندسة المعمارية والترميم لصاحبه السيد بن شريف بامتياز ترميم هذه المنشأة المميزة، بمبلغ مالي قدره عشرون (20) مليار سنتيم وشرع في هذه العملية في مطلع 2009 ومن المبرمج أن تنتهي هذه الأشغال قبل نهاية السنة وتعود حلبة الثيران إلى نشاطها في احتضان الحفلات وعروض الأزياء كما ستخصص لإجراء مباريات في كرة اليد والسلة والطائرة إضافة إلى رياضة المصارعة كما ستحوّل عدد من القاعات إلى ورشات لفنانين ينشطون في عدد من الميادين كالنحت والرسم والسيراميك، وسيتم تهيئة عدد من القاعات لتصبح شققا صالحة لإقامة الفنانين. وحسب المهندس بن شريف فعملية التوسيع التي عرفتها الحلبة سابقا لم تراع فيها المقاييس المعمارية الصحيحة لذا تقرر إعادتها قصد القضاء على حالة الخراب والضياع التي لحقته واستدعى الأمر إنجاز دراسة مسبقة خاصة خلصت إلى ضرورة استعمال التقنيات القديمة في الترميم باستعمال المواد الطبيعية ممثلة على وجه الخصوص في مادة الجير وهي نفس التقنيات التي استعملها المهندسون في 1954. وكغيرها من المعالم الأثرية التي تميز الوجه التاريخي لوهران القديمة وضواحيها، بنيت حلبة الثيران بالحجارة المنحوتة وحجارة التيف التي استخرجت من منطقة كوشة الجير وهو نوع الحجارة الذي يميز العمران بوسط المدينة وعلى وجه الخصوص قصر البلدية والمسرح الجهوي وقصر الباي وجامع الباشا. ومن غرائب هذه الحلبة أن مركزها يعدّ مكبرا طبيعيا للصوت الذي يتردد عبر كامل الملعب وهي تقنية ذهب إليها المصممون عمدا وسا عدهم في ذلك الشكل الدائري الذي يؤدي إلى اترداد الأصوات وتكبيرها. وكما هو الحال بأغلب المعالم الأثرية بالجزائر، يبقى مشكل التصنيف عائقا يحول دون حماية هذه المعالم من عبث الايادي وعوامل الدهر الهدّامة، بما فيها معلم سانتا كروز الشهير الذي لاتزال الأقدام السوداء تبكيه وأسست له معلما مماثلا وشبيها بمدينة نيم الفرنسية تحج إليه كل شهر ماي من كل سنة. فهل سنشاهد "البيكادوريس" و"الباندي ريروس" الأوائل مختصون في تهييج الثور والآخرون يركبون الأحصنة و"الماتادور" و"الطوريرو" الذين يلبسون الذهب ويحملون اللون الأحمرليقتلوا الثور في مؤخرة عنقه كأحسن طريقة للتعبير عن الفوز والقوة؟