سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الجمهورية تخترق معابر أسلحة الباخرة "دينا" وترصد شهادات صنّاع الملحمة بالحدود الغربية من ملوية إلى بني منقوش والعنابرة مرورا على واد كيس .... قواعد خلفية للثورة
تعد قضية تسليح الثورة الجزائرية صفحة وضّاءة في تاريخ الكفاح المرير والشاق الذي قاده الشعب الجزائري ضد فرنسا منذ سنة 1830 و إلى غاية القرن التاسع عشر , بل تعتبر من بين أسرار النجاح الكبير الذي حققه قادة الثوار والمجاهدين الذين ساهموا في العملية و لا شك أن عبقرية التخطيط لإمداد الجيش بالعتاد الحربي في عز الثورة تكمن في قوة التحدي الكبير الذي رفعه زعماء الجبهة في وجه العدو حيث كانوا يدركون حيوية السلاح الذي كان له دور ايجابي على مسار الثورة ونقطة تحول هامة شكلت منعرج الحرب الجزائرية ضد العدوان الفرنسي الغاشم وتجسد رحلة الباخرة الملكية "دينا " التي كانت محمّلة بالأسلحة الحدث الأبرز في عمليات التسليح اللوجستيكي للثورة الجزائرية بالحدود الغربية الجزائرية كثيرون يجهلون تفاصيل إبحار الباخرة الأردنية" دينا " من ميناء الإسكندرية بالقاهرة المصرية محمّلة بشحنة كبيرة من الأسلحة يفوق وزنها 21 طنا متوجهة إلى سواحل الناظور على تراب المملكة المغربية , ومنها إلى المنطقة الغربية بالولاية الخامسة , و كيف تمت مساعي قادة الثورة الجزائرية في إنجاح هذه العملية التي أتاحت الفرص لتنفيذ عديد الهجومات والعمليات الفدائية التي كانت تسهدف المصالح الحيوية للجيش الفرنسي . " الجمهورية" تنقلت إلى الحدود الغربية بالولاية الخامسة التاريخية لكشف جانب مهم من جوانب ثورتنا المجيدة يتعلق بعمليات تمرير السلاح من المغر ب نحو الجزائر أثناء الثورة وقبل الخوض في تفاصيل الرحلة التي قادتنا إلى منطقة مرسى بن مهيدي باعتبارها بوابة العبور الرئيسية للأسلحة أثناء الحرب التحريرية ومحطة شاهدة على مغامرة اليخت "دينا " أملى علينا الواجب المهني العودة إلى وقائع القصة المذهلة التي صنعها قادة الولاية الخامسة ,حتى قبل اندلاع الثورة من خلال العلاقات الدبلوماسية الخارجية التي لعبت دورا مهما في تموين الثورة بالأسلحة والذخيرة الحية بداية التفكير في جمع كميات من السلاح تعود لفترة نشاط المنظمة السرية سنة 1947 التي كانت تموّن الحركة ببنادق الصيد ومسدسات آلية كانت ملكا للجزائرين والمعمرين الذين سلبت منهم أسلحتهم وبقايا الحرب العالمية الثانية لكن عمر المنظمة كان قصيرا بعد تشتت أعضاؤها عقب الهجوم على مركز بريد وهران وإعتقال وهجرة معظمهم . بوادر المغامرة البحرية على مثن الباخرة الملكية "دينا" بوادر المغامرة البحرية بدأت بقصة ملكة الّأردن "دينا" التي أهدت للرئيس الراحل أحمد بن بلة باخرة للإبحار في نزهة من غير علمها بالتخطيط للعملية حيث انطلقت مغامرة اليخت الملكي التي استغرقت 30 يوما بتاريخ 28 فيفري 1955 من ميناء الإاسكندرية بمصر نحو سواحل المغرب محملا بشحنة من الأسلحة تقدر ب 21 طن وهي الكمية التي كانت موجهة إلى الجيش الجزائري والمغربي علما أن الباخرة وصلت إلى ساحل الناظور في ال 29 مارس من نفس السنة حيث كان متواجدا على مثنها 13 مجاهدا بينهم 8 جزائريين يقودهم الرئيس الراحل بومدين (محمد بوخروبة ) , نذير بوزار , شلوفي عبد القادر , سي الصديق , سي علي ,.جيلالي , زناتي ,سي أحمد وطالبين شابين وفريق الإبحار كان يضم أربعة اشخاص بينهم ربان يوغسلافي يدعى جون وآخر سوداني يدعى سي ابراهيم وهم أبطال المغامرة الذين صنعوا ملحمة اليخت وأبحروا على مثن مركبة طولها 11مترا مزودة بمحركين يشتغلان ب "الديازال "وغير موصولة جهاز إرسال ,لا تصل قدرة الدفع للمحركين 6 عقد بحرية ولم تكن الباخرة تتحمل أكتر من 22 طنا من الحمولة باعتبارها في الأصل مركب انقاذ استعمل للنزهة . صناع الملحمة تحت قيادة هواري بومدين ينجون من الغرق في ساحل ليبيا عملية الإبحار انطلقت متأخرة بسبب عمليات الشحن التي استغرقت مدة 20 ساعة وتراوح وزن صندوق السلاح مابين 50 و75 كلغ وحسب المعلومات فإن الصناديق كانت معبأة بأصناف مختلفة من الأسلحة والمتفجرات والقنابل اليدوية وذخيرة متنوعة وكانت الرحلة الشاقة بفعل رداءة الأحوال الجوية التي صعّبت من المأمورية ولحقت بالمركبة أعطاب تقنية تسببت في ركونها لفترة في ميناء طرابلس بليبيا ولعدم قدرة اليخت على تحمل الحمولة تسربت المياه إلى داخله مما أجبر الطاقم على إرساء السفينة بساحل بنغازي لتفريغها من المياه وإعادة ترتيب صناديق الأسلحة ,ويقال أن الباخرة "دينا " نجت من الغرق في تلك الليلة التي عصفت فيها عاصفة هوجاء تسببت في غرق باخرتين بليبيا انذاك وهو ما جاء في مذكرة المجاهد نذير بوزار الذي ضمن طاقمها كان وعلم أنه كان من المفروض شحن كمية اضافية من السلاح في ليبيا لكن هذه القضية تسببت في مغادرة ثلاثة رجال السفينة وهم سي علي والطالبين الشابين تم واصلت الباخرة مسارها الى وصلت الى ساحل مليلبة التابع للإقليم الاسباني أين تلقوا صعوبات للعبور لكن الأمور سارت على ما يرام دون أن ينكشف أمر الشحنة المخبأة ,وبعد التزود بالوقود استمر اليخت في الابحار إلى غاية وصوله بالقرب من الناظور في الفترة الليلة وعن مصير الباخرة بعد ذلك تضاربت الاقاويل حيث تحدثت جهات عن اغراقها في نفس السنة وبعض المجاهدين ذكروا انها بيعت للامريكان من طرف السلطات الاسبانية التي حجزتها وهي فارغة من السلاح الوصول إلى اقليم الناظور بعد مرورشهر من انطلاق الرحلة وقبل حدوث ذلك كان طاقم اليخت الذي وصل الى ضفة الساحل المغربي وجد في استقباله 75 مجاهدا جزائربا وعنصران من المغاربة كانوا يترقبونهم وفي تلك الليلة فقدت الباخرة توازنها بفعل حركة الأمواج , حيث اضطر ربان السفينة لرمي صندوق من الأسلحة لتثبتها وبدأت عملية تفريغ الشحنات في ظروف سيئة حيث وقعت العديد من الصناديق في قاع البحر وتبادل الطرفان الجزائري والمغربي المداومة على عملية التنزيل و نقلت الكميات إلى مراكز للمجاهدين في منطقة رأس الماء المعروفة بمنطقة "قابو ياوا " باللهجة الاسبانية ثم عبورا واد ملوية بالمغرب لنقل ااشحنات بإتجاهالحدود .. من حيث تنتهي قصة رحلة الباخرة "دينا "بدأنا رحلتنا بما يمكننا إضافته للتاريخ وكان هدفنا معرفة تفاصيل بقية العمليات التي تمت بعد وصول الأسلحة وكيف تم توزيعها وتمرريها عبر الحدود الغربية الجزائرية مرسى بن مهيدي بوابة عبور الشحنات إلى المراكز مدينة مرسى بن مهيدي التاريخية التي نسبت إلى أحد رموز الثورة و قائد الولاية الخامسة الشهيد البطل العربي بن مهيدي تروي بين سفوح جبالها قصصا ثورية صنعها أبطال المنطقة من المناضلين الأشاوس الذين جازفوا بحياتهم وحملوا على اكتافهم شحنات من الأسلحة التي عبروا بها ضفة وادي "كيس" الذي يفصل الحدود الجزائرية عن نظيرتها المغربية بمنطقة "بورساي " فمنهم من نجى وانهى المهمة على أكمل وجه والبعض ألقي عليهم القبض وقضوا فترة في السجن ثم أفرج عنهم أما البقية استشهدوا في اشتباكات مع العدو بعدما انكشفوا وراحوا ضحية الوشاية من بينهم البطل الرمز ميمون بوقويرن أوّل شهيد في المنطقة الذي سقط في ساحة الشرف سويعات قبل استشهاد زميله الشهيد بختاوي زيان , بوقوين ميمون مسؤول الأسلحة أول شهيد في المنطقة , وهما البطلان اللذان قاد مجموعة من المناضلين الذين كانو ا يمررون الأسلحة إلى مناطق متفرقة من جبال مرسى بن مهيدي وقبل استشهادهما كان شقيق المرحوم رمضان بوقورين مسؤولا على نقل الأسلحة حيث كان على إتصال مباشر مع قائد الولاية الخامسة الشهيد العربي بن مهيدي وبشهادة إبنه الحاج بوقويرن محمد "للجمهورية " فإن الوالد رحمه الله كان عمله متمركز ا في المغرب رفقة القادة الذين تكفلوا بتنظيم عمليات تمرير السلاح والإتصال بأفواج المجاهدين الذين أسندت لهم مهام نقلها من منطقة رأس الماء بإقليم الناظور باتجاه منطقة مرسى بن مهيدي , على أن يتم توزيعها في أماكن غير قارة وهي من بين مناهج التنظيم العسكري الذي تبنته الجبهة والتي لا تستقر على وضع واحد وهي واحدة من أهم الخطوات التي ساهمت في نجاح العملية , اذ تتغير الأفواج و الأماكن والممرات بين الفينة والأخرى حسب الظروف والإمكانيات البشرية وعلمنا من خلال زيارتنا إلى بيوت بعض من عايشوا هذه الفترة وساهموا في عمليات توزيع الشحنات المسربة من مدينة الناظور المغربية أنهم كانوا يجهلون وجهة الأسلحة ولايعرفون بعضهم البعض جبال مسيردة المعبر الرئيسى بحيث يطلب منهم وضع الكمية المطلوبة بعد نجاح عبورها من ملوية في مناطق متفرقة ويعبرون مسالك غير قارة في منطقة مسيردة بجبل بني منقوش مرورا من معبر ين الأول بمنطقة الحاج بن عمران باتجاه دوار بني منقوش في مكان يدعى بين الجرفين وهو نقطة التقاء أعلى صخرتين بين البلدين يفصلهما وادي كيس التابع للحدود الجزائرية ومعبر أخر بسوق الحيمر الذي كان بديلا عن المسلك الرئسي وهو ما أكده لنا السيد بوقنطار بكاي قريب المرحوم بوقنطار الطيب الذي كان أحد أعضاء الفوج المكلف بنقل الأسلحة في هذه المنطقة و هي المجموعة التي كانت تضم ترسانة من أبناء المنطقة الذين كانوا يعرفون كل شبر من جبال بني منقوش ومناطق العسة , العنابرة التي عززت الثورة بالذخيرة والأسلحة ,و جندت نخبة من الرجال المتمسكين بتقاليد العشائر المستمدة من الدين الإسلامي ولعل هذه الميزة هي التي وحّدت صفوف الأعراش , وجسّدت روح الوطنية والتحدي التي تفوقت على كل الاأساليب البشعة التي انتهجها العدو لدحر الثورة في مهدها , وللعلم فان سكان الحدود كانوا قبلة للمجازر التي ارتكبتها فرنسا وأكثر تضررا من المناطق الأخرى خصوصا بعدما انكشفت بعض عمليات تمرير الأسلحة والتي كانت سببا مهما في وضع الأسلاك الشائكة المكهربة التي حوّلها الأعداء إلى مناطق ملغّمة لاتزال تحصد فيها الأرواح إلى حد الآن . المجاهد قروندة محمد ( أحد افراد فوج السلاح ): " نقلنا الأسلحة مشيا على الأقدام من ملوية إلى منطقة العسة في أكياس القمح وصناديق المازوت" كانت الرحلة شيّقة ومليئة بالمعلومات التي تستحق الذكر لما لها من أهمية تاريخية غفل عنها المؤرخون , ولأننا كنا نجهل أسماء الثوار الذين جندوا في عمليات تمرير الأسلحة استنجدنا بأحد أبناء المنطقة وهو رئيس بلدية "بورساي" السيد قروندة اعمر الذي دلّنا على بيوت بعض المجاهدين الذين ساهموا في نقل شحنات من أسلحة الباخرة دينا , من بينهم قريبه الحاج قروندة محمد الذي زرناه في بيته ووجدناه طريح الفراش لا يقوى على الجلوس غير أنه لم يبخل علينا في مدنا بشهادته حول الموضوع الذي جئنا من أجله , الحاج قروندة الذي كان يصعب عليه الكلام بفعل تقدمه في السن ومعاناته من الأسقام تحدث بصوت خافت عن الفوج الذي كان هو واحدا من أبرز عناصره وقال " كنا نمرر السلاح من منطقة ملوية أين كانت تنشط مجموعة أخرى وعندما انكشفوا تلقينا معلومات من المسؤولين بالتراجع إلى الوراء في منطقة واد كيس وبالتالي عدم قدرتنا على إنهاء المهمة انذاك , وأتذكر أن الفوج كان يضم مجاهدين من منطقة" بورساي "من بينهم أبن خالتي هواوي ميمون الذي لايزال على قيد الحياة وبإمكانكم التحدث اليه فهو يملك معلومات أفضل مني في هذه الاثناء قطعنا حديثه لإخباره بأن الشخص المعني رفض الإدلاء بشهادته بعدما قصدناه في طريقنا إليه , وانهى محدثنا القصة قائلا " لم تمر فترة طويلة على هذا العمل الذي قمنا به بعد وصول الأسلحة إلى الناظور حتى انفضح نشاطنا ورحنا ضحية " البيعة " وقبض على أفراد المجموعة واحدا تلوى الآخر حيث حكم علي بالسجن لمدة 3 سنوات , وبقية العناصر ادينت بفترة تتراوح مابين 3 و5 سنوات وعن ممرات الأسلحة أردف قائلا " كنا نسلك الوديان والجبال مشيا على الأقدام ونقطع مسافات شاقة ذهابا وإيابا للحصول على السلاح انطلاقا من وادي كيس أول محطة نستلم فيها الكمية المطلوبة ثم نقطع جبال بني منقوش مرورا من منطقة الحاج بن عمران , دقيشة , إلى غاية العسة بمنطقة العنابرة وهي آخر محطة بالنسبة للفوجنا ,لتبدأ بعدما نقوم بوضع الأسلحة في مراكز يحددها القادة مهمّة الفوج الثاني الذي ينشط في العنابرة وهكذا دواليك . ولعلمكم أننا كنا ننقل أنواع مختلفة من الأسلحة في صورة بنادق من نوع عشارية انجليزية و أسلحة رشاشة ومتفجرات بالإضافة إلى الذخيرة الحية التي تنقل مفككة لتسهيل عملية إخفائها داخل صناديق الوقود و أكياس القمح . المرحوم نعيمي و3 من أشقائه أسشهدوا بعدما قبض علينا ولا يفوتني أن أتذكر الشهيد نعيمي الذي استشهد رفقة 3 من اشقائه بعد وقوعنا في قبضة العدو وقبل ذلك بقينا بين الكر والفر لنمرر الأسلحة و لمدة شهر تقريبا وفي كل مرة تتغير الوجهة لكي لا ينكشف التخطيط الذي وضعه القادة في حالة وقوعنا في قبضة الجنود الفرنسيين, وبعد فترة تعرضنا للوشاية وتم ااعتقالنا حيث أخرجوني من بيتي وحكم عليّ ب3 سنوات قضيتها في السجن الذي أزيل من المنطقة بعد ذلك , وكانت فترة اعتقالي رفقة زملائي الأسوأ في حياتي حيث عذبت لدرجة أنهم انتزعوا الجلد من جسمي , ولم أكن الشخص الوحيد الذي تجّرع مرارة التعذيب في السجون والمعتقلات الفرنسية بل كانت الأساليب القذرة التي انتهجها العدو تمارس على الأهالي وأقارب المجاهدين الذين القي ا عليهم القبض حيث كانت فرنسا تسعى لإذلال الأسرى كوسيلة لانتزاع اعترافاتهم بالغصب .... هذا ما يمكنني قوله عن تلك الفترة فاعذروني على عدم قدرتي لاستعادة كل الأحداث بتفاصيلها بوقنطار بكاي يتحدث نقلاعن عمّه المرحوم بوقنطارالطيّب (أحد عناصر المجموعة) : " كان هناك ممرين للأسلحة الأول ببني منقوش والثاني بسوق الحيمر إلى غاية العنابرة " انهينا حديثنا مع الشيخ قروندة الذي لم يكن في وضع صحي يسمح له بالكلام , وغادرنا منزله بحثا عن شهادات قد تفيدنا في الموضوع وقبل اتمام الزيارات ربطنا موعدا مع السيد بوقنطار بكاي وهو أحد أقارب المرحوم بوقنطار الطيّب الذي كان ينشط في نفس مجموعة المجاهد قروندة حيث دلّنا إبن أخيه على الممرات التي كانت منفذا للمجاهدين ومسلكا لعبور الأسلحة ,'في الوهلة الأولى التي قصدنا فيها معابر السلاح بمنطقة مرسى بن مهيدي حاولنا المرور على مثن المركبة من المسلك المؤدي إلى دوار بني المنقوش المتواجد في مرتفع جبلي غير بعيد عن وسط المدينة لكن الطابع الجغرافي للمنطقة يصعب على الزائر لأول مرة إيجاد مخرجا باتجاه الطريق الرئيسي , ولعل أسرار الطبيعة التي تتفرد بها هذه البقعة الجبلية كانت واحدة من بين العوامل التي ساهمت في نجاح معظم العمليات التي موّنت جيش التحري بالأسلحة , المهم واصلنا رحلة العبور رفقة قريب المرحوم المجاهد بوقنطار الطيب إلى غاية بلوغنا قرية بني منقوش المجاهدون قطعوا مسافة 25 كلم ذهابا وإيابا لتمرير الشحنات وفي هذه الأثناء حدثنا السيد بوقنطار بكاي نقلا عن عمه الذي كان يخبرهم بأسرار العمليات التي نفذت في تلك الفترة حيث قال "كان عمي ورفاقه ينقلون كميات من الأسلحة من وادي ملوية بالمغرب إلى غاية مدينة مرسى بن مهيدي وتحديدا بجبل بني منقوش ثم منطقة العسة بدوار العنابرة مشيا على الأقدام حيث كانوا يقطعون مسافة 25 كلم ذهابا وإيابا من أجل تنفيذ المهام التي كلفوا بها من طرف مسؤولي الأفواج وعند بلوغهم منطقة بورساي يجتازون محاطات بولجفان, سيدي حاج عمران ثم يصعدون إلى الجبل أين تتموقع مراكز حفظ السلاح بمنطقة العسة ومن هذه النقطة تتولى مجموعة أخرى من المجاهدين بالعنابرة بتوزيع الشحنات حيث لا توجد اتصالات بين أفراد المجموعة الاولى , وكل شيء كان مرتبا من القيادة فهناك مواعيد مضبوطة تسلّم فيها الشحنات التي لا تنتظر أكتر من نصف يوم في المراكز حتى لا تتاح فرص للعدو من أجل العثور عليها , وفي كل مرة تتغير الخطة بل هناك ممر آخر كان يعبره الثوار بعد حصولهم على الأسلحة , ينطلق من سوق الحيمر مرورا على مناطق موسى وحي , بودومة,قناطرة ,دقيشة إلى غاية العسة , بالي , هواوي ,بعديد , بختاوي , رماش و الاخرين ومن بين المجاهدين الذي كانوا برفقة عمي أذكر هواوي ميمون ,قروندة محمد,. بالي عبد النبي , رماش لحسن'كعموش ' بعديد لحسن ومجاهدين اخريين من القرى المجاورة بحيث تفاوتت فترة سجنهم حسب مهامهم وخطورتهم على فرنسا ولهذا الغرض أدين المجاهدين بالي عبد النبي ؤ و ميمون الهواوي ب5 سنوات سجنا بعدما وقعا في قبضة العدو وسلطت على البقية عقوبة السجن لمدة 3 سنوات وحسب ما علمته من عمي أن المجاهد بالي عبد النبي كان ضمن الجماعة التي كلفت بنقل الأسلحة إلى مراكز بالعنابر ة بعد عبورها وادي كيس انطلاقا من مسلك سيدي عمران, ثم جبل بني منقوش وبعدما انكشف هذا الممر خلال عملية تمشيط للمنطقة قامت بها عساكر العدو التي اطلقت النار على أفراد المجموعة لكنهم فروا هاربين وغيّرت القيلدة خطتها بعد ذلك وكان ممر سوق الحيمر بديلا لجماعة حمل السلاح ثم بعد ذلك وقعوا في شراك القوات الفرنسية بمساعدة الخونة , فرنسا حاولت إذلال المجاهد بوقنطار بتجريده من ملابسه أمام والديه لإجباره على الإعتراف كما أخبرني عمي أنهم تعرضوا للعذاب الشديد وجرّبت فرنسا كل محاولتها الخسيسة لإذلالهم وهو ما جعل البعض يضطرون للتلفيق التهم في أناس لا علاقة لهم بالثورة حماية لجيش التحرير . محدثنا كان صريحا للغاية واعترف أن المرحوم بوقنطار الطيّب فعل نفس الشيء عندما كان تحت رحمة التعذيب وأرغم على الإعتراف بأشخاص غير معنيين بالثورة كانوا من سكان المنطقة وذالك حفاظا على سرية التنظيم العسكري الذي وضعه القادة , وهو ما طلب منهم من طرف المسؤولين في حالة عدم تحملهم شراسة التعذيب عند اعتقالهم "عمي اعترف بشخص لاعلاقة له بالكفاح للحفاظ على أسرار الثورة " وقال محدثتنا أن عمي اضطر على فعل ذلك , بعدما قام أحد الجنود باهانته أمام والديه في وضع مخجل حيث جرّدوه من ملابسه وتركوه وافقا في وسط أفراد عائلته , دون الحديث عن أمور أخرى يعجز اللسان على ذكرها ففرنسا كانت تدرك نقطة ضعف الجزائري سيما أهالي الأرياف المتمسكين بالدين والعقيدة ولعل هذا الوضع الذي كان عليه عمي عندما تمت مواجهته بعائلته في صورة مخجلة دفعه د للاعتراف عن أشخاص أبرياء حتى لايتمكن المستعمر من فضح أسرار الثورة في حالة الكشف عن أسماء المجاهدين المطلوبين و علمت من الضحية مؤخرا أن عمي قبل وفاته طلب منه العفو والسماح وقبل هو أيضا باعتذاره . مطمورة جبل بني منقوش شاهدة على قصص التعذيب بواسطة الثعابين وكشف لنا السيد بوقنطار بكاي نقلا عن عمه أن طرق التعذيب التي تعرض لها الثوار على جبال بني منقوش بعدما صدم العدو بعمليات تسريب السلاح من المغرب وكذا مناطق أخرى بأحفير ووبن بوزيد كانت رهيبة ولا تخطر على بال عاقل حيث قادنا محدثنا إلى مكان المطمورة الكبيرة ذات التجويف العميق التي خصصت لتعذيب السجناء بواسطة الثعبان حيث يترك المعتقل ليلة كاملة في هذه الحفرة مع الثعبان لتخويفه وترهيبه وأجباره على الاعتراف , وفي بعض الأحيان تطول مدة مكوث الأسرى في هذا المكان , حيث لا يمكنهم الصعود أو الخروج منه إلا باستعمال السلالم . وبعدما زرنا ممر سيدي الحلج بن عمران وصعدنا إلى جبل بني منقوش الذي لايزال يحتفظ ببعض الآثار الدالة على التواجد الفرنسي في تلك المنطقة توجهنا إلى الجهة المقابلة للخروج في الممر الثاني للسلاح والذي يبدأ من سوق الحيمر وينتهي الى منطقة العسة بالعنابرة وفي وسط هذا المسلك اتضحت لنا عنذ بلوغنا ذروة الجبل مناظر التوزيع الجغرافي الذي يفصل المغرب الشقيق عن الجزائر وبالخصوص عند نقطة التقاء منطقة " بلجراف " اي مابين الجرف الجزائري ونظيره المغربي اللذين يتوسطهما واديين الاولى يدعى وادي ملوية وهوتابع للإقليم المغربي والثاني وادي "كيس " المتواجد في الحدود الجزائرية كما يظهر للعيان الطريق الرئيس المؤدي إلى مدخل مدينة مرسى بن مهيد ي وفي مكان تواجنا على مرتفع من الجبل أشار السيد بوقنطار إلى محور التوجه الخاص بممر سوق الحيمر الذي كان منفذا بديلا لتمرير السلاح اثناء الثورة وفي هذه المنطقة لفت أنتباه رئيس البلدية على امكانية فتح طريق جديد لتعزيز شبكة الطرق الداخلية في هذه المدينة السياحية غادرنا معابر السلاح القديمة التي كانت ممرا رئيسيا للمجاهدين من المغرب في فترة وصول البلخرة "دينا " إلى منطقة الناظور وحدثنا المعني بالأمر على جهود المجاهدين الذين جلبوا صناديق الأسلحة التي رميت في البحر انذاك حيث علم بعذ ذلك أن فئة من الغطاسين قاموا بإخراج صناديق الباخرة دينا التي أغرقت قرب ساحل مرسى بن مهيدي ونقلت إلى المراكز الحاج بوقويرن محمد ابن أخ الشهيد ميمون ونجل المجاهد رمضان بوقويرن "والدي كان رفيق العربي بن مهيدي و عمي سقط شهيدا بعدما خاض معركة بمفرده مع العدو " وقبل مغادرتنا هذه المنطقة التي تختزن أسرار كثيرة عن الثورة باعتبار موقع استراتيجي للجبهة ومنطقة حساسة في الحدود الغربية الجزائرية , توجهنا إلى بيت أحد أحفاد عائلة بوقورين التي أهدت أول شهيد للمنطقة وهو البطل الرمز ميمون بوقويرن وشقيقه رمضان بوقورن حيث استقبلنا نجل هذا الأخير الحاج بوقويرن محمد بصدر رحب , وطلبنا منه أن يزودنا ببعض المعلومات التي يعرفها عن شهيد المنطقة وعن والده الذي كان أحد رفاق درب الشهيد العربي بن مهيدي وكان مسؤولا على نقل أسلحة الباخرة دينا في المنطقة , في الحقيقة لم يكن الحاج بوقويرن محمد في يومه وظهرت على محياه ملامح التعب والمرض لكنه حاو ل أن يستحضر بعض الأمو ر خصوصا بعد علم أننا قدمنا من وهران ونحن بصدد البحث عن حقائق تتعلق بالباخرة "دينا" "قابو ياوا " معقل أسلحة اليخت دينا حيث استهل كلامه قائلا " والدي المرحوم رمضان بوقويرن كان يعمل مع القائدة العربي بن مهيدي وعيّن مسؤولا على الأسلحة رفقة الشهيد عمي ميمون بوقويرن وحسب معلوماتي أن الرئيس الراحل هواري بومدين كان على مثن الباخرة "دينا "وهو الذي أطلق عليها إسم الباخرة "روايال" والتي رست في منطقة سيدي ابراهيم بالمغرب ,التي كانت تلقب بالإسبانية منطقة قابو ياو ا بمعنى رأس الماء , وعند وصول القائد هواري بومدين رفقة المجاهدين عبد القادر شنوف وسي كمال المدعو بوسيف و أحد ربان السفينة الذي كانت جنسيته سودانية يدعى سي ابراهيم تم تنزيل الأسلحة واخدت المغرب حصتها والبقية تكفل بها القادة لنقلها من حدود الناظور إلى الجزائر , حيث عيّن والدي المرحوم رمضان بوقويرن الذي كان يعمل مع المرحوم العربي بن مهيدي مسؤولا على نقل الاسلحة إلى منطقة مرسى بن مهيدي ولا أنسى ذكر المجاهد شيبان عمر الذي كان له دور في هذه العملية وعلمت من والدي أن الأبطال الذين عقدوا صفقة السلاح ونقلوها بعبقرية على مثن الباخرة صادفتهم عراقيل كادت أن تفضحهم عند رسوها في ساحل اسبانيا صناديق رميت في البحر أثناء عمليات التفريغ حيث ضطروا لتفريغ جزء من الصناديق برمي البقية في البحر وحاول الربّان السوداني تمويه حراس خفر السواحل بوجود عطب في الباخرة جعلها تتوقف أضطراريا وقيل أن الباخرة بيعت لأمريكان والله وأعلم وعن قصة إستشهاد عمه البطل ميمون بوقويرن وهوأول شهيد سقط في ميدان الشرف بمنطقة مرسى بن مهيدي ,أكد الحاج محمد أن الشهيد كان متوجها إلى المغرب بطلب من القائد العربي بن مهيدي الذي طلب منه ذلك , حيث كان متبوعا من طرف العدو , وكان من المفروض أن يدخل عمي الأراضي المغربية في يوم الخميس لكنه أجل رحلته الى اليوم الموالي وفي طريقه لمغادرة المكان الذي كان متواجدا فيه حدث ما يكن يتوقعه حيث وجد نفسه محاصرا من طرف القوات الفرنسية في منطقة العسة وخاض معركة بمفرده و سقط شهيدا حاملا سلاحه و كان عمي هو من بادر في اطلاق الرصاص حيث أسقط أحد الجنود قبل أن يستشهد وصادف تاريخ وفاته يوم الجمعة الموافق ل 12 جويلية 1955 وهو نفس اليوم الذي سقط فيه رفيقه بختاوي زيان شهيدا سويعات بعد مقتل عمي رحمهما الله جمبعا ت ر