كثر الحديث منذ سنوات حول مكانة الناقد ومنزلته في عملية تطوير الخلق السينمائي. بدأ النقد السينمائي منذ البدايات الأولى للسينما، حيث كانت شركات الإنتاج تكلف بعض الكتاب والصحفيين بالكتابة عن الأفلام التي تنتجها كجزء من الدعاية التجارية للفيلم، ثم تطور الأمر بعد ذلك إذ أخذت الكتابة النقدية تتطرق إلى الجوانب التقنية للفيلم،إخراج، تصوير، تمثيل، حوار وغيرها من الأمور، وهي نقود وصفية بحتة،و تتحدث عن كلف الإنتاج،وذكر أهم الأفلام التي أخرجها مخرج الفيلم والجوائز التي حصل عليها،وكذلك الأمر مع الممثلين،خصوصا أبطال الفيلم،والممثلين الرئيسيين،ليأتي بعد ذلك دور النقد الذي يناقش الأفكار التي يطرحها الفيلم،وأهمية طرحها وطريقة الطرح،والهدف منها،والشريحة الموجهة لها،وأهمية الرموز والدلالات والشفرات التي ترسلها،ثم وصل مستوى النقد إلى ما هو عليه الآن، حيث أصبح حقل تخصص موجود في كل البلدان،ولا تكاد تخلو الصحف الفنية وغيرها من مواضيع نقدية عن السينما،ولكل ناقد أدواته التي يتعامل بها مع النص المرئي. أولى مهام النقد السينمائي هي تعميق الصلة بين المشاهد وبين الفيلم،بمعنى أن نوصل للمتلقي ما أراد الفيلم قوله، سواء من خلال الدفق الصوري الذي يقدمه، أو من خلال تأويل النص المرئي للفيلم، بما يرسله من رموز ودلالات، ربما تفوت المتلقي، ولا يتم ذلك إلا من خلال التطرق للكيفية التي تعامل بها مخرج الفيلم مع عناصر اللغة السينمائية. النقد السينمائي هو ساحة حوار.. حوار معرفي ينتج خطاب إبداعي وجمالي يضيء الإبداع السينمائي ويطور الحساسية الجمالية،ويحاول أن يجيب علي العديد من الأسئلة العالقة. والنقد السينمائي الحقيقي لا يأتي إلا بعد متابعة دقيقة وخصبة لعناصر السينما فيها وبعد تجربة عملية شاقة وطويلة في ميدان الاختصاص السينمائي في سورية هناك إشكالات عدة، خاصة بالوضع الثقافي والسياسي العام،وبالواقع السينمائي والصحافي.. من حيث الإنتاج المحلي الذي لا يتجاوز الفيلم أو الاثنين في العام. إلى غياب الإنتاج السينمائي العربي والأجنبي. والحديث عن دور العرض المحلية،والتي لا يزيد عددها في دمشق عن عشر صالات بشروط عرض سيئة وتعرض أفلاما قديمة، - ألا يجب أن تكون هناك أولاً سينما وطقس سينمائي في البلد كي يكون هناك تأثير للنقد السينمائي؟ ثم الواقع الإعلامي المحلي وعلاقة القائمين عليه بالنقد السينمائي،وهذا يعود إلى أن السينما والثقافة السينمائية هما في آخر اهتمامات القائمين عليها ويجدون بديلا مناسبا لهم عنها في المواد الفنية العامة والمنوعات. وبالتالي أصبح من الصعب التفرقة بين المحرر الفني الذي يجمع الأخبار الفنية والحوارات مع الفنانين والنقد السينمائي وصارت الكتابة عن السينما لا تخرج عن كونها عرضا سريعا لقصة الفيلم أو مدائح للعاملين فيه أو تجريح لا يخلو من الشتيمة انطلاقا من تصفية الحسابات الشخصية. كما يلاحظ ان عدداً من النقاد ابتعدوا عن الصحافة المكتوبة واتجهوا للبرامج التلفزيونية . اهتمام القراء والمشتغلين بالهم الثقافي والسينمائي بما يكتب، ومحاولته خلق فضاء معرفي وجمالي عبر متابعتها الجدية والجديدة لأهم النشاطات والأفلام السينمائية الحديثة العربية والعالمية من خلال التحاور معها وطرح التساؤلات الملحة بعيدا عن الاستسهال والرثاثة التي تحكم من يكتبون عن الشأن السينمائي. من هنا وجب على النقد أن يجدد أدواته ومفاهيمه ليقارب المتن الفيلمي من مواقع ومرجعيات متباينة.