قررنا تثبيت تنظيم المؤتمر بمستغانم وصفحة "الجمهورية" الدينية جادة وثرية أكد الدكتور بوزيد بومدين مدير الثقافة الإسلامية بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، أمس في حوار ل"الجمهورية" أنه لا ينبغي أن يتحول الخطاب الديني في بلادنا إلى بوق للفتنة والكراهية المقيتين، وشدد الدكتور بومدين، أن ينبغي العمل من الآن على ضرورة وضع أسس متينة من أجل تفادي كل أشكال بث الفرقة والخلافات بين المجتمع الإسلامي الواحد، مضيفا أن السلطات العمومية في البلاد تسعى جاهدة لتفادي انزلاقات عشرية الدم السوداء، خصوصا وأنها كلّفت الجزائر ضحايا بالآلاف بسبب الخطاب الديني المتعصب والمتطرف، مثنيا على صفحة "الجمهورية" الدينية واصفا إياها بأنها مساهمة جادة تخدم الصالح العام وتنشر الخير والفضيلة في وسط المجتمع الجزائري الواحد. بعد يومين من النقاش العلمي الثري والمستفيض، ما هو تقييمكم العملي لفعاليات المؤتمر الدولي الأول حول الإعلام الديني بمستغانم؟ وهل استطاع المحاضرون إيصال رسائلهم إلى الرأي العام المحلي وحتى العربي؟ فيما يتعلق بالملتقى أعتقد أنه أول مؤتمر من هذا الحجم والشكل تتشرف باحتضانه مدينة مستغانم المضيافة... صحيح أننا سجلنا فيه مجموعة من النقائص على اعتبار أن الممارسين للمهنة الإعلامية كانوا قليلين جدا، غير أنه من المفروض أن تكون فيه ثلاث فئات أساسية سنقوم بتداركها في المؤتمر القادم... أولا الممارسين للدعوة والخطاب الديني من أئمة وصحافيين، ثانيا فئة مسؤولي الإعلام والقنوات الفضائية المتخصصين، الذين يشرفون على الصفحات الدينية في الجرائد مثلا وكذا الأساتذة المتخصصين في الإعلام والاتصال والسمعي البصري، إذا فوجود هؤلاء الفاعلين الأساسيين سيعطي لا محالة للملتقى دفعا آخر لاسيما من ناحية الجمع بين ما هو نظري وما هو تطبيقي. أعتقد أن المؤتمر الدولي الأول حول الإعلام الديني بولاية مستغانم كان جيدا ومتميزا، كما أنه استطاع أن يحقق أهدافه المرجوة منه، خصوصا وأنه عالج إشكالية مهمة وضرورية ألا وهي الخطاب الديني في وسائل الإعلام، حيث أن هذه القضية تمثل إحدى المسائل الراهنة في مجتمعاتنا، وقد ركزنا في مختلف المحاضرات على دور على الإعلام الفضائي وما ينبغي عليه أن يطرح من خطاب ديني سمح معتدل ووسطي، كما عملنا من جانب آخر في الملتقى على ضرورة أن لا يتحول الإعلام الديني إلى مسار للفتنة والصراع، خصوصا وأننا في الجزائر مقبلين على مرحلة مهمة ألا وهي تطبيق المرسوم الرئاسي الخاص بقانون السمعي البصري مستقبلا وبوضع دفاتر شروط يحدد بدقة فتح فضائيات جديدة ومن ثمة فنحن كمثقفين، وباحثين وإطارات في وزارة الشؤون الدينية، والاتصال أن نطرح تصور مسبق حول كيفية تفادي مختلف الانزلاقات التي حدثت في التسعينات بسبب ما شكله الخطاب الديني آنذاك من كوارث أهلكت الحرث والنسل، حيث تحولت هذه المنابر المسجدية إلى منابر للتحريض والكراهية وبث الفتنة وتكفير الآخرين، وبالتالي إذا لم تكن قوانين تشريعية منظمة وضابطة لمجال فتح السمعي البصري، قد نقع في نفس الأخطاء الماضية. وهو ما دفعنا إلى عقد مثل هذه المؤتمرات العلمية حتى ننشر الرسالة الصحيحة عن ديننا الإسلامي الحنيف. ونحيطكم علما أنه تقرر تنظيم مثل هذه الملتقيات الهامة حول الإعلام وكذا ارتباطه بقضايا ديننا ودنيانا في كل سنة بولاية مستغانم، وهذا حتى نؤكد دور هذه المدينة المضيافة في نشر العلم والمعرفة الوسطية والمعتدلة على مرّ الأزمنة والعقود السالفة. الأكيد أنه فيه محاولات لتفادي كل المظاهر السلبية التي عاشتها الجزائر في سنوات التسعينات ووضع أسس جديدة لخطاب ديني منسجم لا يدعو إلى الحقد والكراهية والتعصب، فأين وصلت هذه الجهود والمحاولات؟ هذا الطموح لا يمكن أن تقوم به وزارة الشؤون الدينية والأوقاف لوحدها، بل يجب أن تشترك فيه العديد من الوزارات على غرار وزارة الداخلية، الاتصال، الثقافة ومختلف القطاعات الفاعلة، فنحن نريد التأكيد على مسألة غاية في الأهمية، وهي أن وزارة الشؤون الدينية ليست هيئة رقابة لمختلف البرامج الدينية، بل هي هيئة استشارية فقط، تقدم بعض الاستشارات التي تضع الأسس وتحدد الأطر التي ينبغي العمل عليها والسير باتجاهها، فنحن مثلا عندما نصدر فتوى تتعلق بشهر رمضان وقضايا الزواج والطلاق ومختلف القضايا الاجتماعية والدينية المطروحة، وتأتي قناة فضائية حرة تعارض ما تطرحه المؤسسة، هذا الأمر يطرح مشكل على مستوى الرأي العام، وهنا نقع في إشكالية عدم وحدة الفتوى والرأي الديني المعلن للجماعة، وأما فيما يتعلق بمسائل التعبد فينبغي أن تكون مؤسسة وحيدة تعنى بهذا الجانب، ومجلس واحد ألا وهو مجلس الفتوى ولكن هذا لا يعني أننا نقيد الحرية الدينية، بل يجب أن نكرس هذا المبدأ دون المساس بالمناسك التعبدية كالزكاة الزواج الطلاق والعقود والقضايا الأخرى الجوهرية في ديننا الحنيف. وعليه يجب أن تكون هناك هيئة وطنية رسمية لضبط الفتوى والرأي الديني... لذا نعتقد أن عمل القطاع الوزاري ينبغي أن يراعي ضرورة وضع دفتر شروط منظم لمثل هذا الأمور وهذا ما طرحته بالتحديد في ختام أشغال المؤتمر الدولي الأول حول الإعلام الديني بولاية مستغانم، وهذا طبعا دون التعدي على حرية الرأي فمن جهة يجب أن نحافظ على الانسجام والقيم المشتركة في المجتمع الجزائري ومن جهة أخرى علينا أن نلتزم بالحفاظ على حرية التعبير، فالجمع بين هاتين القيمتين يحتاج إلى اجتهاد وتشريعات منظمة لهذا الجانب. دأبت جريدة "الجمهورية" منذ عقود مضت على إعداد صفحة دينية قارة لم تتغير بالرغم من تطور وسائل العمل وكذا تعدد الآراء والرؤى الدينية بخصوص مختلف المسائل الفقهية الدينية الطارئة على مجتمعنا؟ هل يمكن أن تقدموا لنا رأيكم بخصوصها؟ الصفحة الدينية بالنسبة لجريدة "الجمهورية" تمثل إحدى المجهودات التي تستحق فعلا الثناء والتشجيع، بخلاف الصفحات الدينية لبعض اليوميات التي كانت تنقل مباشرة من الانترنت، فهذه الصفحة كانت قارة وتتميز بكونها تنقل كتابات الأئمة وعلماء وفقهاء المنطقة وتعرّف بهم كما تعرف بأماكن العبادة بغرب البلاد. وقد ساهم استمرارها وتواصلها في استقطاب العديد من الكتاب سواء في قضايا الفتاوى والفكر الديني والإجابة على انشغالات المواطنين العقائدية... وما يلفت الانتباه بخصوص هذه الصفحة أنها كانت دائما ثرية بالمعلومات وليست مجرد صفحات ميتة تنقل بدون دقة المعلومات الدينية التي تحتاج إلى مصادر موثوقة وقيمة وهذا ليس غريبا على هذه الجريدة العريقة التي أدرجت أيضا ضمن محتوياتها النادي الأدبي الذي كان فعلا منبرا للمثقفين الكبار مما جعلها تحظى باحترام القراء والكتاب وكافة شرائح المثقفين.