يعتبر الحصول على الدواء من أبسط حقوق المواطن، التي يتوجب توفيرها له مهما كانت الظروف، طالما أن الأمر يتعلق بصحة المريض، لاسيما المصابين بالأمراض المزمنة التي لا زالت تتصدر نسبة الإصابة بها في أوساط مجتمعنا، لكن إذا علمنا بأن الصيدليات وحتى المستشفيات باتت تعاني من ندرة في عدد كبير من الأدوية المهمة، فإن الأمر يشكل معاناة أخرى للمريض الذي يعتبر المتضرر الأول، خاصة بالجهة الغربية للوطن مقارنة بولايات الوسط والشرق في ظل ما يعرفه سوق الدواء من اضطرابات في تموين الموزعين ومن تم الصيدليات والمصحات وكل المؤسسات الإستشفائية بمختلف أنواع الأدوية المهمة والضرورية على علاج العديد من الحالات ويتجلى ذلك بوضوح في وفرة نوع واحد من الدواء من مختلف المخابر الأجنبية في حين نسجل غياب بعض الأدوية الضرورية بالنسبة للمرضى ولو من مخبر واحد...! وبغية الوقوف على الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الندرة ومعرفة فيما إذا كانت حقيقية أم مفتعلة؟ إقتربنا من بعض الأشخاص الذين يعملون في مجال الأدوية، سواء في التوزيع أو البيع بالجملة، أجمعوا كلهم على أن الطرف الرئيسي والوحيد الذي يتحكم في سوق الأدوية كما يشاء هو المستورد باعتبار أنه ضرب القانون الذي ينص على منع استيراد الأدوية المنتجة محليا عرض الحائط! ناهيك عن تحديد مدة سنتين فقط لمستوردي الأدوية من الخارج حتى يصبحوا منتجين لهذه المواد بأرض الوطن، لكن الأمر الملاحظ هو تجاوز هؤلاء التجار لأكثر من 5 أو 6 سنوات في استيراد الأدوية من دون التفكير في فتح مخبر صغير لإنتاج الأدوية وهو الأمر الذي يعتبر خرقا للقانون، كما ينص هذا التشريع بضرورة إلزام المخابر الأجنبية التي تريد تسوية منتوجها في الجزائر بالاستثمار الإجباري ببلادنا وذلك بعد سنتين هي الأخرى من إستيراد دوائها ... لكن ومنذ تطبيق هذا القانون لم نلمس شيئا، بينما لا يزال المستوردون يعملون بمحض إرادتهم غير مبالين بالجهات الأخرى. وفي هذا الصدد أكد السيد بطاهر محمد رئيس مصلحة بشركة " سيفارم" (SIPHARM) المختصة في بيع الأدوية بالجملة بأن الندرة يتسبب فيها المستورد بالدرجة الأولى كونه ومنذ إصدار القانون الذي يمنع استيراد الأدوية التي تنتج محليا، فإن المستورد أضحى يضغط على السلطات ولا يحضر حتى تلك التي لا تنتجها الجزائر مثل أقراص منع الحمل، الأمر الذي جعل الظاهرة تمس حق بائعي الأدوية بالجملة- حسب محدثنا- بحيث أعطى مصدرنا مثالا عن أقراص منع الحمل والتي تحمل إسم "اديبال" (ADEPAL)، بحيث يطلب ذات الصيدلي من المستورد أن يحضر له 1000 صندوق من هذا النوع من الدواء لكنه لا يحصل إلا على ربع الكمية المطلوبة كون المستورد يقسم هذا العدد على كل الصيادلة المتواجدين في الشرق والوسط والغرب، ولا يضاعف من كمية جلب هذا المنتوج كونه سبق وأن طلب من خلال العقد الممون بضرورة توفير هذه الكمية فقط، علما أن وضع دواء معين يتطلب وقتا قد يستغرق حتى السنة، وفي ذات الشأن أبرز محدثنا بأن رفوف صيدليته خلت خلال الأشهر الأخيرة من بعض المراهم الخاصة بأمراض العيون، فضلا عن تلك الخاصة بعلاج الضغط الدموي وتوازنه كما طرح ذات المتحدث مشكلا آخر والذي يساهم كذلك في ندرة الأدوية والذي يتمثل في توفر بعض الأدوية التي تصنع بالجزائر، إلا أن أصلها لا يزال يستورد وهو الأمر الذي يحدث الخلل إذ عوض أن تستبدل هذه المادة بدواء آخر إلا أنها لا تزال تشكل الفائض بينما تنعدم أدوية أخرى يحتاجها بعض المرضى الذين يوجدون في حالة خطيرة وهم بأمس الحاجة إليها. المستوردون ضد الدواء الجنيس وفي ذات الصدد أفاد أحد الصيادلة الذي ينشط على مستوى تراب ولاية وهران بأن الدولة تعمل جاهدة على تشجيع الإنتاج المحلي وتقدمه بحيث أنه له نفس الفعالية مثله مثل الأصلي فضلا عن ذلك ثمنه مناسب وغير باهض ولا يكلف الدولة وحتى المواطن، مضيفا بأن المستوردين لا يرغبون في تقدم هذا الدواء الذي إنجرت عنه قوانين صارمة والتي للأسف لم تطبق بعد... ومن جهته أبرز الدكتور شريط مسؤول بشركة إيزوفارم IZOPHARM لإنتاج الأدوية، بأن عملية صنع الأدوية لا تزال تعرف تأخرا كبيرا بالجزائر منذ الإستقلال، بالرغم من الإعتماد في البداية على مجمع صيدال الذي لم يغط حاجيات السوق الجزائرية مضيفا بأنه ولقلة المخابر والمنتجين لا نزال نخضع للتبعية إلى الخارج، موضحا بأن الدواء الجنيس يخدم الدولة والمريض في آن واحد، مبرزا بأنه حتى الدول المتقدمة أضحت تلجأ إلى هذا الصنف من الدواء بحيث حسبه أن ألمانيا تعتمد على 70٪ من الدواء الجنيس، وعن تعدد الأدوية الجنيسة ومخابر الإنتاج أكد مصدرنا بأنها لا تسبّب أي مشكلة، وفي حالة ما إذا تعرض مخبر ما للإفلاس فإن الجزائر لن تحل بها أي أزمة ، وقد صرح في ذات الإطار الدكتور شريط بأن المستوردين بحاجة إلى دفتر شروط جديد يضبطهم وينظمهم. وعن المراحل التي تتم فيها صناعة الأدوية بالجزائر بالنسبة لإيزوفارم (ISOPHARM فقد أفاد بشأنها الدكتور شريط بأنه في البداية تعمل الأطراف على ضرورة إنتاج دواء جنيس له نفس الفعالية مثله مثل الأصلي علما أن الإنتاج الأولي أي قبل التسويق يتمثل في 3 أدوية جنيسة ذات أصل واحد ومخصصة لعلاج دواء واحد ، يتم عرضها أمام الوزارة مع إعطاء تفاصيل مكتوبة عن كل عيّنة ليفحصه بعد ذلك خبراء من الوزارة المعنية، خلال فترة تتراوح ما بين 6 أشهر إلى سنة لتعطي بعد ذلك الموافقة لصاحب المخبر لتسويق هذا المنتوج. وللعلم أن شركة إيزوفارم تنتج 22 دواء منها 18 مسجلا و6 في طور التسجيل بصفة رسمية ومن بين منتوجها نذكر على سبيل المثال إيزولاكت IZOLVON - IZOLACT (إيزولفون) حديث عن تواصل الندرة وما يجدر التنبيه به أن بعض المنتجين يتنبأون ندرة منتوجات أخرى في الأشهر أو الأعوام القليلة المقبلة. وبعدما أخذنا أسباب الندرة من أفواه تجار الأدوية والمنتجين ، تقرّبنا من أحد الموزعين صاحب شركة توزيع الأدوية »باهية فارم« (bahiapharm) السيد بران لخضر ، هذا الأخير الذي يوزع الأدوية ل 500 صيدلي منتشر على مستوى التراب الوطني والذي أبرز بأن هناك نسبة تتراوح ما بين 10 إلى 15٪ من الأدوية تنعدم حاليا في السوق الجزائرية، مضيفا بأن الكل يتهم المستورد هذا الأخير الذي حقيقة هو الذي يحتكر سوق الأدوية في الجزائر، لكن وحسب السيد »بران لخضر« الذي هو صيدلي وموزع فإن المستورد يسيّره العقد المبرم بين هذا الأخير والمخبر، موضحا بأنه وفي حالة انتشار العدوى مثلا تحدث الندرة ، والأمر هنا لا يرجع حسب محدثنا للمستورد، كون صاحب المخبر له طلبات أخرى غير من مستوردين آخرين هذا النوع من الدواء المراد البحث عنه وإذا ما تمت صناعة هذه الطلبية فلن تكون جاهزة في الوقت وقد سبق وذكرنا بأن عملية صناعة الأدوية تتطلب وقتا طويلا، وعن السبب الثاني الندرة حسب محدثنا فيتمثل في عدم التنويع في الإنتاج من طرف المستوردين، أما السبب الثالث فأرجعه محدثنا إلى القرض السندي والذي أثر كثيرا على شركات إستيراد الأدوية ويقصد به أن يدفع المستورد ملفا في إحدى البنوك يبيّن من خلاله رغبته في شراء دواء معيّن من مخبر معيّن بثمن محدّد ليفتح بعدها حسابا ، من أجل د فع المستحقات كاملة، وهو الأمر الذي يستغرق مدة أطول ، علما أن هذه العملية كانت تتم في السابق بين المخبر والمستورد في ظروف مبسطة. وبالتالي نستطيع القول بأن كل الأطراف وضعت المستورد القاسم المشترك بينها لتتهمه بالندرة في الأدوية لكن بين هذا وذاك يبقى المريض هو الضحية الأولى والأخيرة فقط.