يبدو أن تشغيل الأطفال واستغلالهم للقيام بأعمال شاقة ومضنية بوهران على غرار باقي ولايات الوطن أضحى ظاهرا للعيان ولا يمكن نكرانه كيف فلا وشوارعنا وأسواقنا لا تخلو من قصر قبلوا كل المهن القاسية بغرض ربح بضع دنانير تسد رمق عائلاتهم وتجنبهم مدّ اليد والتسوّل و لم تعد أسواق' لاباستي' و'المدينة الجديدة' مثلا الأماكن الوحيدة التي يلجأ إليها هؤلاء الاطفال للاسترزاق من خلال بيع ' المطلوع ' أو الأكياس البلاستيكية والاواني وحتى تقديم يد المساعدة للكبار بحمل القفة مقابل دنانير معدودة وإنما أضحت الشوارع ومحطات نقل المسافرين فضاء آخرا لهؤلاء القصر لعرض الخدمات و السلع . والكثير من مستعملي الطريق قد لاحظوا حتما توزع الأطفال بعدة شوارع و بأركان الإشارات الضوئية كتلك القريبة من الحديقة العمومية وكذا محطات نقل المسافرين بكاسطور ويغموراسن وإيسطو وغيرها من الاماكن التي تعرض فيه البراءة مناديل ورقية ولوازم السيارات كالعطور و قاورات الماء وحتى خدمات تنظيف الزجاج الأمامي للسيارات مقابل مبلغ زهيد من المال منذ بداية النهار وتتعرض خلالها هذه البراءة الى المطر والبرد شتاء و أشعة الشمس الحارقة صيفا الفقر والتسرب المدرسي وراء خروج الاطفال الى الشارع وسمير.. أمين ..وسليم ثلاث أطفال اختاروا أماكن تواجد الإشارات الضوئية لبيع المناديل الورقية و عطور السيارات حيث لا يترددوا في عرضها على السائقين بمجرد التوقف عند إشارة الضوء الأحمر ولو لبضع ثوان معرضين أنفسهم للخطر نتيجة حركة السير فور تغيّر لون الإشارة الى الأخضر ويقول سمير الذي لا يتعدى سنه ال15 سنة أنه لم يستطع مواصلة الدراسة بالرغم من أن مستواه متوسط وكان يحلم بأن يكون طبيبا وذلك نظرا للظروف القاسية التي يعيشها رفقة والدته وشقيقيه بعد وفاة والده فاضطر الى مغادرة مقاعد الدارسة مبكرا ليجد في بيع هذه المناديل الورقية وسيلة لربح بعض الدنانير تجنبه هو وعائلته التسول أما سليم الذي لم يستطع إكمال دراسته هو الآخر لضعف مستواه قرر هو الآخر بيع عطور السيارات والمناديل الورقية بعد طرده من المتوسطة وأمام افتقاره لدبلوم يساعد على إيجاد عمل' محترم ' مجبر هو على تحمل برد الشتاء وحرّ الصيف لضمان قوت عائلته الفقيرة والأكيد أن أغلب إن لم نقل كل الأطفال الذين يمارسون مثل هذه الأعمال غير القانونية ينحدرون من وسط بيئي هش حيث يقطن أغلبهم بأحياء فوضوية أين ضرب الفقر بأطنابه هناك وأصبح الانغماس في الآفات الاجتماعية قاب قوسين أو أدنى من شباب هذه الأحياء تشغيل القصر يتركز بالقطاع الموازي عيون الرقابة بعيدة وحسب مصادر مسؤولة من مفتشية الجهوية العمل بوهران فإن تشغيل الأطفال يتركز بالقطاع الموازي كالأسواق الفوضوية خاصة حيث يمارس القصر جل الاعمال القاسية والمضنية وأن مفتشيات العمل ليس من صلاحيتها مراقبة هذا القطاع لعدم شرعيته وقد تعود المهمة الى جهات آخري حسب التخصصات وبالرغم من هذا فإن محاربة ظاهرة تشغيل الأطفال من أولويات مفتشية العمل على حد تعبير مصادرنا المسؤولة وبتواصل العمل على هذا النحو طيلة السنة وفي نفس سياق الحديث شنت المفتشية الجهوية للعمل حملة للوقوف على الظاهرة بست ولايات أبرزها وهران و مستغانم و تلمسان ومعسكر وسيدي بلعباس وعين تموشنت وذلك في الفترة الممتدة من 29 مارس الى غاية 20 ماي المنصرم وعمدت فرق المشاركة في الحملة الى مراقبة وتفتيش المصانع والمؤسسات بهذه الولايات الست أثناء فترة العمل الصباحية والمسائية و كذا خارج أوقات العمل قصد رصد ' تحايل بعض الأرباب ' ومكنت حملة مفتشية العمل من مراقبة 3089 مؤسسة متوزعة على تراب الجهة الغربية التابعة لإقليم المفتشية منها 3054 مؤسسة تابعة للقطاع الخاص و 32 مؤسسية أجنبية وقد إستثني القطاع العمومي من الحملة بحكم احترام مسيريه لقوانين العمل إحالة 6 أرباب عمل على العدالة لمخالفتهم القانون وخلال الحملة سجلت الفرق التابعة لمفتشيات العمل ب 5 ولايات بإستثناء وهران 6 حالات خالف أصحابها قانون العمل وقاموا بتشغيل اطفال فوق سن 16 سنة دون طلب رخصة أبوية حسب ما يقتضيه قانون 90/11 حيث تم تحرير مخالفات ضدهم وإحالة ملفاتهم على العدالة للفصل فيها و قال مصدرنا أن القانون صريح في هذا الشأن وان المادة 140 منه تحدد غرامة ألف الى ألفي دج لرب العمل وفي حالة العود قد تصل العقوبة الى الحبس من 15 الى شهرين ضد المخالفين غياب تشريع قانوني صريح يعاقب عمالة الأطفال وحسب رجال القانون فإن المشرع الجزائري لم يحدد بصريح العبارة عقوبة عمالة القصر وإنما جاء ذلك في قوانين وتشريعات تحمي الطفل من ممارسات أخرى كالاستغلال الجنسي مما يجعل القاضي يلجأ الى قانون العمل وكذا الاجتهاد كل حسب القضية المحالة على هيئته وحجم الضرر اللاحق بالطفل الضحية ويتضمن قانون العمل المعدل لقانون 90 / 11، ضوابطا صارمة تمنع استغلال الأطفال في العمل، وتحدد مجالات نشاطهم وكيفية صرف مستحقاتهم، كما عرف بدقة الحالات التي تدخل في إطار استغلال العمال والمساومة في مناصبهم وعدم التصريح بهم لدى مصالح الضمان الاجتماعي. وخصص قانون العمل أربع مواد لتنظيم عمالة الأطفال في الجزائر (من المادة 48 إلى 52)، واللافت في الأمر هو أنه أجاز العمل لهذه الفئة، لكن وفق شروط صارمة ومحددة، على غرار ما جاء في المادة 48، التي تنص على أنه "يمنع توظيف العمال القصر والمتدربين من الجنسين، الذين يقل عمرهم عن 18 سنة، في الأشغال التي من شأنها الإضرار بالصحة الجسدية والعقلية والأخلاقية".