احتفالا بالذكرى ال 48 لاسترجاع السيادة على الإذاعة والتلفزيون ، نظمت الخميس الماضي إذاعة الأغواط الجهوية حفلا بهيجا حضره إلى جانب جملة من المسؤولين المحليين أعيان ووجهاء الولاية و بعض المجاهدين الذين واكبوا هذا الحدث التاريخي الهام و منهم الحاج قدور ريان ، وهو من بين أوائل التقنيين المخضرمين الذين أشرفوا غداة الاستعمار و الاستقلال على التسيير التقني للإذاعة الجزائرية . وقد كان الحفل فرصة لسرد القصة الكاملة لهذا الحدث التاريخي الهام ، الذي استعادت الجزائر بموجبه معلما هاما رافق بعد ذلك الحكومة والشعب الجزائري في مسيرة بناء الدولة الجزائرية المستقلة ، كما كشف المجاهد الحاج قدور ريان عن العديد من المواقف التي جمعته بعمالقة الإعلام في الجزائر في شكل شهادات حية ، تساهم لا محالة في التأريخ للإعلام الجزائري بمختلف أنواعه . وأجمع المشاركون في شهاداتهم على أن الرجل قدم إسهامات كبيرة أثناء تأدية مهمته التقنية بمؤسسة الإذاعة السرية منها في العهد الاستعماري و المسترجعة غداة الاستقلال ، مشيرا إلى الصعوبات الكبيرة التي يأتي على رأسها النقص الفادح حينها في الطاقم البشري المؤهل لاستعمال الوسائل التقنية التي كانت تتوفر عليها الإذاعة بعد رحيل المستعمر الفرنسي . يعد الحفل الذي أشرف على تنشيطه طاقم متميز من الإعلاميين البارعين و من بينهم مدير الإذاعة منور ويس ، و الصحفيتان البارعتان فائزة بكار و فضيلة بوجلال إلى جانب حاصد المكرفونات الذهبية المنتج و المخرج باديس العلمي و آخرون في الخفاء كالمخرج محمد بلحرمة و غيره . . . ، بمثابة تكريم للمجاهد الحاج قدور ريان الذي ساهم مساء يوم 27 أكتوبر 1962 في تنكيس العلم الفرنسي و نزعه من الطابق الخامس لمبنى الإذاعة الجزائرية و رفع الراية الجزائرية المستقلة خفاقة تنذر بالتأريخ لميلاد إعلام جزائري 100 % . و يعد هذا التكريم ضمن سلسلة التكريمات التي أطلقتها إذاعة الأغواط منذ 1991 و هو تاريخ ميلادها ، والتي تخص بها رجالات العلم والثقافة والفكر والإعلام ، من الذين قدموا خدمات جليلة لوطنهم ، كما خدموا دينهم الإسلامي ولغتهم العربية بعد مسار طويل من العطاء . وأكد مدير إذاعة الأغواط منور ويس على استكمال هذا المشروع ، الذي يهدف إلى ربط الجيل السابق بالجيل الحالي واللاحق، حتى تكتمل حلقات الثقافة والهوية الجزائرية ، وهو الهدف الأسمى الذي تسعى الإذاعة دائما لتحقيقه . و قد عبر الحضور عن عميق سعادتهم بهذا الحفل الذي هو بمثابة تكريم معنوي لصناع تاريخ الإعلام الجزائري الذين يرى فيهم الجميع رمزية الأسرة الإعلامية في الجزائر ، الذين بفضلهم أصبح الإعلام بمختلف أنواعه يواكب التحولات الكبرى . وقد زار ضيوف الإذاعة مرفوقين بممثل والي الولاية مدير التنظيم و الإدارة العامة مختلف أقسام الإذاعة وغرفة المراقبة المتعددة ، و هذا بعد رفع العلم و الترحم على أرواح شهداء الواجبين الوطني و الإعلامي ، وبهذه المناسبة نظمت الإذاعة حفلا موازيا على شرف عمالها . شهادات حية من الوسط الإعلامي : المجاهد الحاج قدور ريان أحد شهود عيان رفع راية الجزائر على مبنى الإذاعة في 27 أكتوبر 1962 * ذكرى 28 أكتوبر يرى فيها الإعلاميون الجزائريون مجدهم فماذا يرى فيها المجاهد قدور ريان أحد شهود عيان استرجاع السيادة الوطنية ؟ اعتبر أن تاريخ 28 أكتوبر من كل سنة يمثل مناسبة تاريخية هامة يحتفل بها الإعلام السمعي البصري ، كون استرجاع السيادة لهذا القطاع يعد إنجازا عظيما في تاريخ الجزائر المستقلة ، بالنظر إلى الدور الذي تؤديه المؤسستان في الترويج والإعلام ، خاصة أثناء الثورة بعد أن كان الاستعمار و عملاءه يعمدون إلى التركيز على إيجابيات المستعمر ومشاهده الثقافية مقابل إبراز علاقات الهيمنة على المجتمع الجزائري مشوهة في أغلب الأحيان نضاله السياسي ورصيده الحضاري . * كيف استطاع المجاهدون انشاء محطة للبث الإذاعي أثناء الثورة و كيف استطاع هؤلاء استرجاع السيادة الوطنية على الإذاعة و التلفزيون ؟ إن ذكرى استرجاع السيادة على الإذاعة والتلفزيون التي تصادف كل سنة تاريخ 28 أكتوبر، ليست مجرد وقفة عابرة وإنما موعد للتذكير بدور هاتين المؤسستين وضرورة التأسيس لإعلام قوي قادر على مواكبة التحولات الجارية في البلاد والتطورات الحاصلة في العالم اليوم ، خاصة بالنسبة للسمعي البصري لما يتميز به هذا القطاع من ديناميكية وفعالية وسرعة في المعالجة والنقل والتأثير . ولم تلبث الدولة الجزائرية غداة الاستقلال أن اتخذت التدابير اللازمة من أجل استرجاع مبنى الإذاعة والتلفزيون لما يمتلكه هذا القطاع الحساس من أهمية في نقل السيادة الجديدة للدولة الجزائرية وكذا في ترسيخ القيم الثقافية الخاصة بالشعب الجزائري بعيدا عن المسخ الذي استعمله المستعمر طويلا . حيث أقيمت محطة بث محدودة الإرسال في 16 ديسمبر 1956 و التي خرجت من رحم الثورة ، لاسيما بعد التأسيس لمبادئ مؤتمر الصومام التي تضمنت إنشاء جبهة إعلامية من مهامها دعم الكفاح المسلح لا يزيد بثها في البداية عن 10 دقائق في اليوم إلا أنها كانت تنقل الحقائق رغم بساطة إمكانياتها ومحدودية وسائلها المنقولة على متن شاحنة من نوع " دودج " تجول بالحدود الغربية في منطقة بركانالغربية بالنادور المغربية ، و قد كانت حينها تعمل في سرية تامة اقتصر بثها على المدن القريبة لمحدودية شعاع الإرسال الذي لا يزيد بعد مراحل من التطوير بلغ بضع الكيلومترات . و رغم ذلك فإن برامجها الإعلامية أخلت بالبرامج و الأخبار التي كانت تقدمها الإذاعة الاستعمارية في الجزائر التي أنشئت سنة 1929 و التي أوجدها الاستعمار استجابة لحاجيات الأقلية الأوروبية المتواجدة في الجزائر، حيث كانت برامجها ذات صلة وطيدة مع فرنسا ، و لم تسلم الإذاعة السرية المتنقلة من المطاردات الاستعمارية التي حاولت قنبلتها عدة مرات و من بين الإعلاميين الذين كان لهم فضل الجهاد الإعلامي حينها عبد المجيد مزيان و بلعيد عبد السلام و حمو و غيرهم الكثير الذين طوروا الإرسال ليمتد لأربع ساعات في اليوم موزعة بين الصباح و المساء و في 12 جويلية 1959 تم ميلاد إذاعة قارة بالنادور المغربية مكونة من 04 غرف تبث أخبارها بالعربية و الأمازيغية و الفرنسية حضر تدشينها سعد دحلب ، بوصوف ، عمار الثليجي ، محمد السوفي ، ولد قابلية ، بن السائح ، و العقيد معمري حيث قام الطاقم الإعلامي حينها و منهم بوزيدي و مصطفى التومي و عيسى مسعودي و بعض التقنيين المتخرجين من المدرسة السلكية و اللاسلكية على مضاعفة ساعات البث التي وصلت إلى 06 ساعات في اليوم تتم على 03 مراحل و بقوة إرسال تصل إلى 250 كلم لاسيما بعد تقوية جهاز الإرسال و في 25 أكتوبر 1962 اجتمع المشرف على الإذاعة محمد السوفي بالطاقم الإعلامي المكون من 26 شخصا لمشاورتهم في شأن استرجاع الإذاعة الوطنية هذه الفكرة التي رحب بها الجميع و في حدود الساعة 17 من مساء يوم 27 أكتوبر 1962 صعد كل من عبد العزيز شكيري و محمد القوردو على مرأى من العامة إلى الطابق الخامس و انتزع العلم الفرنسي ليثبت مكانه العلم الجزائري الذي ظل خفاقا إلى اليوم و في صباح يوم 28 أكتوبر 1962 احتج الإعلاميون و التقنيون الفرنسيون أمام القنصلية الفرنسية على نزع الراية الفرنسية معتقدين بذلك شل الإذاعة إلا أن الطاقم الجزائري المتميز و منهم بوزيدي ، كشرود ، بن عصمان خديجة و زهية خلف الله و غيرهم ... من اللذين كانت لهم فرصة التكوين الإعلامي بالإذاعة المؤقتة و المتنقلة و الأخرى التي كانت " بالنادور " أثبت للجميع جدارته اللامتناهية في الإبداع الإعلامي الذي استمر ليحصد النجاحات المتواصلة تواليا ... ليخلق بذلك العديد من القنوات السمعية و البصرية و يخرج أكثر من 71 جريدة وطنية بمختلف اللغات . رأى مدير إذاعة الأغواط نحتفل اليوم بالذكرى 48 لاسترجاع السيادة الوطنية على الإذاعة و التلفزيون خلال هذه الفترة حققت الجزائر الكثير هل يمكن أن نقول أننا قد بلغنا بذلك منتهى النجاح الذي كان ينشده صناع تاريخ 28 أكتوبر 1962 ؟ لعبت السلطات الجزائرية دورا هاما في التأسيس لما يتمتع به الإعلام من دور هام للتحقيق إعلام جواري و آخر تفاعلي هادفين ، كما سطرت برنامجا موسعا لتأسيس أداء القطاع السمعي البصري وجعله في مستوى التطلعات و التحولات التي تعرفها البلاد حيث تزامن الاحتفال بذكرى استرجاع السيادة الوطنية على الإذاعة هذا العام مع إنشاء ورشات عمل هدفها التفكير في استحداث برامج تستجيب لتطلعات الجمهور الذي لم يبق مجرد متلق بل يشارك في مختلف البرامج الإعلامية المتشعبة ، و لعل من بين تلك الورشات " مجالات التنمية " بلديات ورهانات " التي لا يقتصر فيها على المسؤولين المحليين بل تعكس تطلعات و انشغالات المواطنين و هو ما يستجيب لمنهجية المعنيين بالقطاع المنبثقة عن سياسة الدولة الرامية إلى خلق إعلام يزاوج بين الجواري و التفاعلي مع الاهتمام بالمشاهير من موسيقيين عالميين و إبراز الشخصيات التاريخية و العلمية و الثقافية و الإبداعية ، بغرض مواكبة التحولات الجارية في البلاد وضمان بعث رسالة إعلامية من شأنها أن تنقل كل ما هو واقع ". ولا شك أن الحديث عن استعادة السيادة على الإذاعة يجر أيضا إلى الحديث عن فتح السمعي البصري للقطاع الخاص الذي أثر في كثير من مناسبة على تعميق التجربة الإعلامية في الجزائر على غرار التنوع الموجود في الصحافة المكتوبة والتلفزيون ، بعدما أثبتت تجربة الإذاعة الوطنية نجاحها باستحداث مجموعة من القنوات المتخصصة مثل '' إذاعة القرآن الكريم "، " الإذاعة الثقافية " و" الإذاعة الدولية '' إلى جانب 46 إذاعة بين جهوية و محلية التي تستقطب العديد من المستمعين ومكنتهم من الولوج إلى أعماق الجزائر . الصحفية فائزة بكار ما هو شعورك اليوم بعد مضي 48 سنة عن استرجاع السيادة الوطنية على الإذاعة و التلفزيون الجزائريين ؟ أنا اليوم جد مسرورة اليوم بهذا الحضور الكريم الذي جاء ليشارك الأسرة الإعلامية عيدها الوطني و تجديد ذكرى استرجاع السيادة الوطنية على الإذاعة ، كما أن سعادتي تتجدد كل عام بهذا المكسب الهام و إن كنت لم أشهد ذلك اليوم العظيم الذي يعد من أهم المكاسب التي عززت استقلال الجزائر و دعمت حريتها في التعبير بكل ديمقراطية ، إلا أنني أستشعره كل يوم منذ أن طرقت باب الصحافة لأعمل بها بعد حصولي على شهادة ليسانس في الإعلام و الاتصال بإذاعة متيجة أين اكتسبت خبرة واسعة مكنتني من الإبداع في هذا العالم اللامحدود أمام التحولات الحاصلة هنا وهناك ، كما أتاح لي الفرصة أما خوض غمار مختلف التخصصات الإعلامية من التنشيط إلى الإنتاج فالتحرير و تقديم الأخبار ، و انتقلت إلى الأغواط عام 1993 أين أتيحت لي الفرصة للعمل بإذاعة الأغواط التي كانت حينها في طور النمو و قد كنت محظوظة أن انتقلت إلى ديوان الولاية كملحقة صحفية لأمارس بذلك الوجه الآخر للإعلام الذي مكنني من خلق علاقات مختلفة مع وسائل الإعلام المختلفة ، و هو الأمر الذي سهل لي السبيل نحو إنشاء مجلة المزي التي اختفت بعد صدور عددها الثاني أين كانت عودتي للعمل بإذاعة الأغواط و بشكل دائم سنة 1997 . شعوري الجميل بهذا الحدث التاريخي الهام الذي أعتبره نصر آخر للجزائر على الاستعمار الذي يعتقد أنه يحتكر الإعلام ليروج ما يخدمه و يحط من شأن الآخرين ، إن سعادتي اليوم تؤكد لي أن بيني و بين الإعلام عشق لا يمكن أن أصفه لغيري و هو ما يجعلني أوفق بين واجباتي كزوجة و أم لثلاثة أطفال و بين صحفية تبحث دوما عن الجديد لا أميز بين واجبي الأسري و واجبي الإعلامي لأنني أعتبر كلاهما رسالة لا تختلف عن الأخرى في أهميتها حيث أحاول قدر الامكان توفير الجو الملائم الذي يتناسب مع مهامي و انشغالاتي ... عملت كمديرة لإذاعة الأغواط خلال الفترة الممتدة بين 2000 و 2004 *هل طموحاتك تتوقف عند التوفيق بين واجبك الأسري و عملك الصحفي ؟ طموحاتي لا تنتهي بالنجاح في تحقيق واجباتي نحو أسرتي و عملي الإعلامي و إنما لأتأسى بأولئك الذين مهدوا لنا السبيل نحو تحقيق إعلام هادف الذين استفدنا منهك الكثير الكثير و لم يبخلوا علينا بما لديهم من معلومات حيث ضحوا بكل غال و نفيس من أجل إرساء دعائم الاعلام الجزائري ، و سأقول أنني حققت كل طموحاتي عندما يستفيد الشباب الواعد من خبرتي المتواضعة و لعل من أبلغ طموحاتي أن أكوّن إعلاميين أرى فيهم نجاحي الحقيقي كإعلامية جزائرية خرجت من رحم الجزائر الغالية . المخرج و المنتج باديس العلمي الإعلام الجزائري مر بعدة مراحل ما هي المرحلة التي كنت تتمنى أن تحضرها ؟ طبعا إن من أهم المراحل التي شهدها الإعلام الجزائري و التي كنت أتمنى أن أكون من بين صناعها هي مرحلة التأسيس لإعلام جزائري اجتثت جذور حريته من بين أيدي الاستعمار الفرنسي الذي كان يهدم أكثر من أن يبني المجتمع الجزائري ، و أفتخر اليوم بأنني من بين الإعلاميين المحافظين على هذا المكسب العظيم الذي أقامه مجاهدون أبطال ، فمنذ التحاقي بهذا الحقل سنة 1999 كمخرج إذاعي لأنتقل منذ عام 2006 إلى رئاسة قسم البرمجة و الانتاج ، أين أنتجت العديد من الحصص المتنوعة منها مواقف حضارية ، الموسيقى العربية ، و مجالس الذكر في رمضان ، من هنا وهناك و الحديث قياس ، كما تحصلت 03 مرات على المكرفون الذهبي عن حصة الڤوال التي تقدمها و قارئ و كتاب التي يقدمها الأستاذ عثماني بولرباح و رواق الفنون ، هذه الأعمال و رغم نجاحها لم تكن لتبلغ أحلامي و آمالي أو تحقق طموحاتي التي لا تقتصر عن عمل واحد فحسب كما أعتبرها ضعيفة بالمقارنة مع ما حققه أولئك الذين أسسوا للإعلام الجزائري حريته و سيادته في 28 أكتوبر 1962