محمد خوان يتحادث مع رئيس الوفد الإيراني    هذه توجيهات الرئيس للحكومة الجديدة    النفقان الأرضيان يوضعان حيز الخدمة    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    توقيع 5 مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الصحراء الغربية والريف آخر مستعمرتين في إفريقيا    مشاهد مرعبة من قلب جحيم غزّة    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    على فرنسا الاعتراف بجرائمها منذ 1830    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    الخضر أبطال إفريقيا    ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغيّر المناخ    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    مجلس الأمة يشارك في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    على درب الحياة بالحلو والمرّ    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    "ترقية حقوق المرأة الريفية" محور يوم دراسي    القرض الشعبي الجزائري يفتتح وكالة جديدة له بوادي تليلات (وهران)        مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



6726 شهيدا عربون المجهود الثوري
المنطقة السادسة التاريخية
نشر في الجمهورية يوم 01 - 11 - 2010

كنا دائما نحتاج إلى مرجع موثق عندما نريد التطرق إلى ظروف الإندلاع الثوري بمنطقة معسكر، التي كانت تابعة خلال الثورة التحريرية إلى المنطقة السادسة من الولاية الخامسة التاريخية، ونعتقد أن مثل هذا المرجع قد توفر نسبيا بفضل البحث الذي أنجزه الدكتور بن داهة عدة الأستاذ بقسم التاريخ بجامعة معسكر، تحت عنوان »إسهامات منطقة معسكر في مجهود ثورة 01 نوفمبر 1954« عام 2000 ونال به شهادة الماجستير من جامعة وهران، غير أن هذا البحث الذي نوقش في جلسة مغلقة، ظل طي الكثبان ممنوعا من الطبع، بحجة حساسية الموضوع الذي يتطرق إلى وقائع تخص أشخاصا مازال بعضهم على قيد الحياة.
وفي إنتظار رفع الحظر عن مخازن أرشيف الثورة، وعن مثل هذه المصادر التاريخية الموثقة، نكتفي كالعادة بسرد الشذرات من الشهادات والتصريحات التي استقيتها من قدماء المجاهدين وأحيانا ومن المؤرخين الباحثين أحيانا أخرى، محاولين تقديم كل ذلك في شكل مادة خام تتطلب المزيد من التخصيص والتدقيق، لاعتمادها كحقيقة تاريخية أو رفضها إن وجد من الحقائق التاريخية الثابتة ما يناقضها.
فبخصوص موضوعنا، المتعلق بإسهام معسكر في مجهود ثورة التحرير تجدر الإشارة إلى أن المنطقة السادسة من الولاية الخامسة التاريخية، كانت تضم الجزء الأعظم من إقليم ولاية معسكر الحالية وجزء من إقليم ولاية سعيدة وقد تداول على رأسها ستة قادة هم على التوالي »سي عبد الخالق« والشهيد مكيوي مأمون، والمجاهد المرحوم اسطنبولي مصطفى، والشيهد سي المجدوب والشهيد سي اسماعيل والمجاهد بن سعدون أحمد، وهذا في الفترة الممتدة بين سبتمبر 1956 إلى غاية الإستقلال حسبما قاله لنا المرحوم بوركبة جلول الأمين الولائي السابق لمنظمة المجاهدين بولاية معسكر.
وبخصوص بدايات العمل الثوري في هذه المنطقة قبل سبتمبر 1956، لاحظ نفس المصدر أن التحضير للاندلاع الثوري..
التضحيات بدأت 124 عاما قبل الثورة
كان يتم بسرية تامة قبل مجيء الجيش في خريف 1956، وبالتالي فقد تكون التحضيرات قد انطلقت في نفس الوقت بعدة جهات، دون أن تعلم جهة بعمل الجهات الأخرى الأمر الذي قد يفسر الآراء المتباينة حول مسألة السبق الى العمل الثوري في هذه المنطقة.
أما الدكتور عدة بن داهة أستاذ التاريخ بجامعة معسكر، فيرى أن مساهمة أبناء هذه المنطقة في طرد الإستعمال الفرنسي من الجزائر لم تكن وليدة ثورة أول نوفمبر 1954، فحسب بل تمتد إلى 124 سنة قبل اندلاعها، حيث كانت منطقة معسكر أثناءها مجالا لجهاد الإستعمار الفرنسي ومقاومته، وقد تجسد ذلك في جهاد محي الدين ونجله عبد القادر (1830 - 1847) وكذلك في الإنتفاضات المتتالية، ضمن المقاومة الوطنية التي لم تنطفئ شعلتها في هذه الجهة من الوطن إلا بعد استرجاع الجزائر لها في 1962«.
ويعتقد نفس الباحث أن استشهاد بن عبد المالك رمضان نائب قائد الولاية الخامسة وكذا إلقاء القبض على الشهيد أحمد زبانة ورفاقه في غار بوجليدة بمنطقة الڤعدة خلال الأسبوع الأول من اندفاع الثورة، قد ساهم في تأخير المد الثوري الى منطقة معسكر إلى غاية 1956 غير أن هذا التأخير استغل في استكمال التحضيرات والإستعدادات المادية والمعنوية للعمل المسلح التي يحدد الدكتور بن داهة بداياتها بعام 1947، عندما أنشأ الشهيد حمو بوتليليس مسؤول المنظمة السرية بالقطاع الوهراني، فرعا لهذه المنظمة بمعسكر وعين على رأسه المرحوم عبد القادر حلو، حيث شرع هذا التنظيم في تكوين الخلايا الثورية، والتدريب على حرب العصابات، وصنع القنابل التقليدية، وتهيئة المخابئ استعدادا للثورة«.
ومن العمليات التي شارك فيها أبناء منطقة معسكر في هذه الفترة، يذكر ذات الباحث، الهجوم على بريد وهران في أفريل 1949 الذي شارك فيه المرحوم بن نعوم بن زرڤة من تغنيف، وكذا محاولة تفجير النصب التذكاري للأمير عبد القادر بسيدي قادة الذي أنجزه المستعمرون لأغراض دعائية بحتة وقد شارك في هذه المحاولة سي أحمد جيدار..
النشاط الفدائي شمل تصيفة العملاء
ولدى انتقاله إلى الحديث عن ثورة نوفمبر بمنطقة معسكر، يعترف الدكتور بن داهة بتعذر الإحاطة بجميع وقائعها ولذا اكتفى بإشارات عابرة لبعض أهم إسهاماتها (معسكر) في المجهود الثوري لحرب التحرير الجزائرية بعد التأكيد على أن هذا المجهود شمل كل أوجه النشاط الثوري ومنها العمل الفدائي، الذي يؤرخ له الباحث بأول عملية فدائية نفذت بمدينة معسكر مساء السبت الثامن سبتمبر 1956 بشارع الأمير عبد القادر واستهدفت متعاملين (02) مع أجهزة الشرطة الإستعمارية.
وابتداء من هذه العملية وطيلة 27 شهرا التي أعقبتها، أحصى الدكتور بن داهة أكثر من 76 عملية فدائية تم تنفيذها داخل المدينة، واستهدفت هي الأخرى الخونة والعملاء وعناصر البوليس ودوريات المجندين والأوروبيين المعادين للثورة،وكانت المقاهي، الحانات، المحلات التجارية، القاعات السينمائية والملاعب الرياضية والأسواق والشوارع الكبرى والساحات العامة، مسرحا لها يضاف الى ذلك 157 عملية مماثلة نفذت خارج المدينة في شكل كمائن واستهدفت على وجه الخصوص المجندين الأوروبيين.
ويستنتج ذات الباحث أن هذه العمليات قد حققت النتائج المنشودة من طرف الثورة، سواء من حيث الصدى الإعلامي الذي عرفته أو من خلال التأثير النفسي على المعمرين الذين صبوا جام غضبهم على السلطات الإستعمارية متهمين إياها بالعجز عن توفير الأمن لهم، أو من خلال إرغام المتعاملين مع الإستعمار على الكف عن نشاطهم المناوئ للثورة والتعاون طوعا أو كرها معها.
وزيادة على العمل الفدائي الذي لا يمثل إلا وجها واحدا من بين 13 فرعا أو خلية من التنظيم السياسي الإداري للثورة، والتي كانت تنشط بمدينة معسكر أواخر عام 1958 تحت إشراف جبهة وجيش التحرير، في مجالات الإيواء، إصلاح آلات الطبع وأجهزة الراديو، الخدمة الإجتماعية، جمع التبرعات والاشتراكات المالية، جمع الملابس والأحذية التموين بالمواد الغذائية، الإتصال والإعلام، التسيير الإداري، الدعاية...
13 خلية متعددة الخدمات كانت تنشط أواخر 1958
التموين بالمواد الصيدلانية،التزويد بأجهزة الراديو والبطاريات، التزويد بالمعدات الحربية والذخائر، زيادة على كل هذه الجبهات التي نادرا ما يلتفت إليها الباحثون، شكل العمل العسكري في الجبال وحتى في المدن أهم إسهامات المنطقة السادسة في المجهود الحربي لثورة نوفمبر.
وهنا نعود الى المرحوم "بوركبة جلول" الذي سرد علينا في مناسبات سابقة بعض الأمثلة من العملية العسكرية التي خاضها جيش التحرير الوطني في منطقة معسكر، بوصفه أحد أفراد الكتيبة التي كان يقودها بوزوينة، ومن ذلك ذكره أن أول إحتكاك عسكري بين جيش التحرير الوطني وقوات الإحتلال بإقليم المنطقة السادسة التاريخية، جرى في جوان 1956 بمنطقة بني تالة الواقعة بين سفيزف وبوحنيفية، وبعد إشتباك مع قوات العدو اضطرت كتيبة جيش التحرير الوطني الى الإنسحاب والعودة من حيث أتت الى قواعدها بجبال تلمسان بعد أن وقعت الأسلحة التي كانت تنقلها الى المنطقة السادسة في أيدي الجيش الفرنسي بعد وشاية من أحد الخونة.
وكان جيش التحرير في حاجة الى أكثر من 3 أشهر لتحضير حصة أخرى من الأسلحة لإرسالها الى منطقة معسكر لتسليح المجندين الذين ما فتئوا يطالبون بالسلاح، ليساهموا هم أيضا في معارك التحرير ولضمان وصول هذه الأسلحة الى وجهتها، تم الإقتصار على الأسلحة والذخائر التي يمكن لأفراد الكتيبة حملها بأنفسهم.
وفي منتصف شهر سبتمبر 1956 وصلت الكتيبة التي كان يقودها "سي عبد الخالق" الى مشارف جبال بني شڤران شمال مدينة معسكر، ومنها واصلت رحلتها شرقا نحو القطاع 25 بتغنيف، وكان قائد الكتيبة يستغل مسار رحلته هذه في إقامة التنظيم العسكري على مستوى المناطق التي يمر بها الى أن بلغ دور الدراويش
حرب المزارع طالت 120 مزرعة في 26 شهرا
الواقع على بعد 5 كيلومترات غرب تغنيف، فأقام به مركز قيادته ولأنه وجد الجهة منظمة ومهيكلة عسكريا بفضل عمل اللجنة الخماسية بقيادة الشهيد بن نعوم لحسن المدعو "النقيب عبد الإله" فقد قرر سي عبد الخالق القيام بعملية عسكرية ضد الرموز الإستعمارية في المنطقة، تكريما لجهاد ومقاومة وتضحيات الأمير عبد القادر، حسب الخطاب الذي ألقاه على مساعديه آنذاك بمركز أولاد سيدي أحمد البشير الذي إتخذه مقرا للقيادة.
وبهذا المركز تم التخطيط والتحضير للهجوم المسلح الذي إستهدف 14 مزرعة من مزارع المعمرين المناوئين للثورة بقطاع تغنيف، وهو ما اصطلح على تسميته "بحرب المزارع" التي دارت ليلة 22 سبتمبر 1956 بمشاركة المسبلين والفدائيين وهو أول عمل عسكري يتم التخطيط له وتنفيذه تحت إشراف جيش التحرير في المنطقة السادسة التاريخية حسب معظم مجاهدي المنطقة.
من جهته فقد أحصى الدكتور بن داهة عدة في الفترة الممتدة بين 1956/9/22 و15 نوفمبر 1958 حوالي 120 مزرعة تعرضت للحرق والتخريب على أيدي جيش التحرير أو بأمر منه وتتوزع هذه المزارع خاصة على تغنيف، سيدي قادة، نسمط، زلامطة، الحشم، المأمونية، وهي مناطق مشهورة بأراضيها الخصبة وإنتاجها الفلاحي الوفير.
وزيادة على ضرب الإقتصاد الزراعي في المنطقة من خلال هذه العمليات، فإن حرب المزارع إستغلت أيضا لضرب رؤوس غلاة الكولون ممن إشتهروا بالعداوة للثورة من أمثال "جان كومار" الذي لقي مصرعه قي فروحة في 23 ديسمبر 1956 وجورج مورياس في غريس يوم 6 جانفي 1957 وروني فورنيل في المأمونية يوم 4 جوان 1957، وفيليكس جوزيف فالا، قرب مطار غريس في الرابع جوان 1958 بحسب الأمثلة التي خصها نفس الباحث بالذكر لدى تطرقه لحرب المزارع ونتائجها في المنطقة.
معركة مناورة أهم بصمة في سجل الثورة
وبعد تمركز جيش التحرير في هذه الجهة وتسليح المجندين الجدد، راحت المعارك والكمائن تتتابع في الزمان والمكان، رغم أن الأوامر كانت في البداية تقضي بعدم البدء في الإشتباك مع العدو إلا بعد أن تتوغل عناصره داخل صفوف جيش التحرير، لإيقاع أكبر الخسائر البشرية به وحرمانه من إستعمال أسلحته الثقيلة وطائراته، ومن الكمائن التي خصها الباحث بن داهة بالذكر ذلك الذي نصبه المجاهدون يوم 12 نوفمبر 1956 على الطريق الرابط بين "حسين والمحمدية" لحافلتين قادمتين من معسكر في مكان معروف بإسم "عقبة اليهودي" حيث أضرموا فيهما النار بعد إنزال ركابها وقضوا على 6 عسكريين وأوروبي مدني.
ومن أشهر المعارك الحربية التي شهدها عام 1957 معركة جبل مناور شرق مدينة تغنيف، وهي المعركة التي خطط لها الجيش الإستعماري بإحكام من أجل القضاء على كتيبتي سي محمود وسي رضوان كرد فعل على سلسلة من الهجمات المتتالية نفذتها الكتيبتان في أوقات متقاربة منها هجوم كتيبتي سي محمود وبوزينة على مراكز العدو بمدينة معسكر ذاتها يوم 24 أوت 1957، فيما يسميه الدكتور بن داهة بمعركة معسكر، كون المجاهدين اقتحموا المدينة من جهتين وهاجموا محافظات الشرطة الثلاث بها، وحرروا المدينة لمدة ساعتين تقريبا، وقد استشهد في هذه العملية البطل نصر الدين محمد، ويوما بعد ذلك، نصبت كتيبة سي رضوان كمينا بالموقع المسمى "غار الطين" بين معسكر وحسين، للقوات المرافقة لقوافل المعمرين المتوجهة الى وهران، والمتكونة من 80 سيارة مدنية، تتولى حراستها عربات عسكرية من الأمام و من الخلف، وقدرت سلطات الإحتلال خسائرها في هذا الكمين ب 6 قتلى فرنسيين من بينهم 4 تفحمت جثتهم وحرق 3 عربات.
200 مجاهد يقضون على 650 عسكري
وقبل ذلك بأيام أيضا اشتركت كتيبتا سي محمود وسي رضوان في الهجوم على مراكز العدو في مدينة عين فارس، وهي العمليات التي جاءت عشية الذكرى الأولى لمؤتمر الصومام والثانية لهجمات 20 أوت 1955 وعموما فإن العشر الاواخر من شهر أوت 1957 تكثف خلالها النشاط الحربي لكتائب جيش التحرير الوطني في المنطقة إلى درجة دفعت جنرالات فرنسا إلى استنفار قواتها العسكرية واستجمامها من كافة ولايات الجهة الغربية للزج بها في معركة مناور التي بدأت فجر الخامس سبتمبر 1957، واستعمل فيها الجيش الاستعماري كل الاسلحة الثقيل منها والخفيف، الى جانب الطيران الحربي وقنابل النابالم الحارقة وعشرات الدبابات والمدرعات، كل ذلك من أجل مواجهة خمس فصائل من جيش التحرير الوطني أي حوالي 200 جندي، 120 منهم يشكلون كتيبة سي رضوان والبقية ينتمون إلى كتيبة سي محمود التي بقيت إحدى فصائلها خارج حصار الجيش الفرنسي، ومن تم عدم مشاركتها في هذه المعركة، التي يلخص الدكتور بن داهة نتائجها في القضاء على 650 عسكري فرنسي وإصابة 18 طائرة حربية سقط منها في ميدان المعركة 6 طائرات عمودية وقاذفة من نوع ب26 ومستار، وجاغوار، وكشافة، إضافة الى تدمير آليات حربية متنوعة، بينما استشهد في المعركة 69 مجاهدا و10 مدنيين وأصيب 23 آخرين بحرائق النابالم.
ومن أشهر وأهم المعارك ايضا معركة الكاف الاصفر بضواحي المحمدية ومعركة اسطنبول الاولى في جويلية 57 والثانية في فبراير 1958 ومعركة جبل بوعتروس بين 6 و8 جانفي 1958.
وفي عام 1958 دائما، خاضت كتيبة سي بن عودة، معركتها الاخيرة التي بدأت بجبل موالك بمنطقة الحشم، واستمرت لليوم الثاني بجبل أم العلو بمرتفعات تيميكسي التابعة للمنطقة السابعة التاريخية، وانتهت باستشهاد معظم جنود الكتيبة، إذ لم ينج منهم سوى 7 جنود كما تم القضاء على حوالي 100 جندي من جيش العدو.
المواجهة شملت كل الجبهات
وفي أوائل عام 1959 تم استقدام كتيبة من الصحراء لتخلف كتيبة سي بن عودة، إلا أن الخونة، كانوا لها بالمرصاد، بوشايتهم فتعقب العدو آثارها الى أن بلغت جبال تيمكسي أين جرت معركة دامت يومين كاملين، واستشهد خلالها كافة أفراد هذه الكتيبة أيضا.
وبعد 1959 لم تعد هناك كتائب، وأصبح جيش التحرير مهيكلا ضمن أفواج صغيرة تضم مابين 6 إلى 7 جنود فقط لمواجهة الآلة العسكرية الضخمة التي بدأت القوات الاستعمارية توظفها في المعارك، فكان التنظيم الجديد أنجع تكتيك لاستنزاف قوات العدو.
ولم يكتف جيش التحرير بالفدا والكمائن والمعارك، وإنما وظف كافة أساليب حرب العصابات فاستغلوا تذمر مجندي اللفيف ا لاجنبي من سوء معاملة قادتهم لهم، فاستمالوهم وشجعوهم على الفرار، وقد سجلت فعلا عمليات فرار من ثكنة بن داود بمعسكر في أواخر نوفمبر 1956 لمجندين من أصول نمساوية وألمانية، فنقلوا الى جبال بني شقران بأمر من ا لجبهة.
كما تصدى المجاهدون لمشروع سوستال الاصلاحي وواجهوا الحرب البسيكولوجية للمكتب الخامس ومكتب الدراسة والاتصال ومكاتب شؤون الاهالي بما يدحضها ويبطلها من خلال توزيع منشورات ونشريات اعلامية محلية تفضح الدعاية الفرنسية وتشرح بوضوح عدالة القضية الجزائرية.
وعلى الصعيد الاستراتيجي والتكتيكي لحرب العصابات، استخدم المجاهدون أسلوب الاستفزاز والتحرش من خلال التسلل ليلا الى مستوطنات المعمرين، كما حدث ذلك أواخر ديسمبر بقرية فروحة وبالحشم ليلة 28 جانفي 1257 والمأمونية ليلة 25 أوت 1957 وحسين ليلة 16 نوفمبر 1957 وهو ما أجبر الجيش الاستعماري الى استنفار قواته طيلة الليل، ومضاعفة الدوريات وغلق المعمرين على أنفسهم داخل بيوتهم، مما أحدث نوعا من توازن القوة ولو نسبيا في المنطقة.
قوافل من النساء في جبهات القتال
كما خاض المحافظون السياسيون حربا نفسية مضادة لإبطال مفعول تحركات مكاتب لاصاص من خلال تأطير الشعب من كافة الجوانب فأنشئت مصالح صحية لخدمة المواطنين، وأقحمت المرأة المعسكرية في المعركة بإشراكها في القتال ضد العدو في كل الجبهات ومن السابقات في درب الكفاح نذكر زبيدة وصليحة ولد قابلية وبلبوري رحمة، وحبوس نبية وعلال فتيحة وعقار فاطمة والعربي الزهرة وغلال الشريفة، وهلالي ليلى، وطامة عزيزة، وليلى ادريس الطيب وكسيرة نصيرة والقائمة طويلة كما يقول الدكتور بن داهة علما ان معظم من ذكرن استشهدن في ساحة المعركة.
وعلى مستوى الاضرابات الثورية فإن مدينة معسكر كغيرها من المدن الجزائرية دخلت إضراب الثمانية أيام بين 28 جانفي و4 فبراير 1957 والذي مس - كما يقول الدكتور بن داهة - القطاع العام في بلدية معسكر والسجن المدني، وسلك التعليم وقطاع الصحة، والمطاحن والمخبزات وموزعي الحليب، واصحاب المتاجر والمهن الحرة وكذلك العمال ببعض مزارع الكولون.
وبعدما كانت هذه عينة معدودة جدا من التضحيات الجسيمة التي ساهمت بها المنطقة التاريخية السادسة في سبيل الحرية والاستقلال الوطني، وهي تضحيات ما فتىء أبناء الجهة يبذلونها بسخاء منذ العهد التركي بمشاركتهم في معارك تحرير وهران من الاحتلال الاسباني مرتين، وكذا طيلة فترة المقاومة الشعبية بقيادة الأمير عبد القادر ثم خلال انتفاضة بني شڤران ضد التجنيد الاجباري عام 1914 وهي كلها تضحيات تحتاج إلى كثير من الجهد والبحث لتوثيقها توثيقا علميا، لتستفيد من دروسها وعبرها الاجيال القادمة، لا سيما وأن هذه التضحيات كان عربونها الدماء الزكية ل6726 شهيدا بذلوا أنفسهم الطاهرة خلال ثورة التحرير فقط لتحيا الجزائر حرة مستقلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.