يعتبر الحاج علي السوفاري من بين أبطال نوفمبر الذين ستبقى الجزائر تفخر بهم ويستحقون أن تدون أسماؤهم ضمن سجلات أولئك الذين قدموا النفس والنفيس فداء لهذا الوطن من أجل ضمان حريته و استقلاله وأمنه واستقراره . ولد علي السوفاري عام 1936 بالأغواط عاش في وقت هيمن فيه الاستعمار الفرنسي على كل شيء في الجزائر سوى أن يبلغ القلوب والعقول التي كانت معلقة بالوطن تتطلع لحريته و استقلاله ، مما أخرج من رحمها أجيالا تشبعت بنبذ الاستعمار واقتنعت بأنه لا مفر من المواجهة العسكرية بعدما فشلت كل السياسات . عشتم جانبا من حياتكم تحت ضيم الاستعمار، فكيف تغلبتم على سياساته الجائرة التي كان يحاول أن يطبقها ضد الجزائريين ؟ - أنا واحد من بين ملايين الجزائريين الرافضين لسياسة التجهيل والتجويع وكذا التنصير والتجهيل والعبودية التي انتهجها الاستعمار الفرنسي لإخضاع الشعب الجزائري حيث التحقت بالكتاتيب القرآنية في حيي الضلعة والحجاج أين حفظت ما تيسر لي من كتاب الله على يد الشيخين عطاء الله كزواي ومحاد بن عزوز لأنتقل بعدها إلى المدارس الشعبية الخاصة بكبار السن أين تتلمذت على يد كل من سي علي المورابو والشيخ طالبي بحي الشطيط لأن عمري حينها كان قد تجاوز السن القانونية بسبب الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1947 تم قبولي بالمدرسة الفرنسية التي تحمل اليوم اسم الحبيب شهرة كان من بين جملة المدرسين بها جلول بلمشري وبوشريط لشخم ولوبران، وفي 1952 أصدر مدير المدرسة قرارا بطردي من المدرسة لتجاوزي سن ال 14 من العمر ونتيجة لتفوقي حاول بعض الأساتذة التأثير على المدير " فيفري " وقد تطور هذا المسعى إلى حد الشجار، وفي هذا الوقت كنت أدرس اللغة العربية بجمعية العلماء المسلمين التي كانت قد فتحت أقساما لها بالمدرسة التي تحمل اليوم اسم صاحب القبر المجهول الشهيد أحمد شطة وهو أحد مؤسسيها. وقد كنت من بين المحظوظين بالتتلمذ على يد الشيخ أحمد شطة الذي كان حينها يدرس بالأقسام العليا المطابقة اليوم للتعليم الثانوي ... وفي عام 1955 انتقلت إلى التكوين المهني بالعين الصفراء أين تحصلت على شهادة كهربائي العمارات بعد قضاء سنة كاملة . أنتم من معطوبي حرب التحرير هل يمكن أن تروي لنا قصة إصابة رجلك بإعاقة دائمة ؟ - كان والدي محمد عقب مؤتمر الصومام من بين المشرفين على الجماعات السرية التي تدعم الثورة في بدايتها حيث سهل طريق الجهاد أمام العديد من الشباب ومنهم عطاء الله مبتوت الذي استشهد بمنطقة الأوراس. وأثناء تكويني بالعين الصفراء كانت الثورة في بدايتها، وقد تزامن وجودي بالعين الصفراء مع وقوع عدة عمليات فدائية كتحطيم السكة الحديدية وتفجير عدد من الحانات والمواقع العسكرية وكان أحد زملائي بالمعهد شامي عبد الله يروي لي هذه الأحداث لأنه كان من العين الصفراء، كما كان له اتصالات سرية بالجيش و قبل عودتي إلى الأغواط كان عبد الله قد ضرب لي موعدا للقاء "بجبال سمير" فأيقنت أنه مقبل على الالتحاق بصفوف جيش التحرير إلا أن هذا الموعد لم يتحقق لتنقل عبد الله المستمر مجاهدا في سبيل الله و الوطن ، أما أنا فقد اشتغلت في العمليات الفدائية و قد أتيح لي حينها العمل مع بغويلي محمد الملقب ب "الفيدا" وأحمد كركبان وفرحات بلقاسم وأحمد الشاوي ويحي مريقي ... كما ساهمت في التحضير لتفجير مجمع الكهرباء "دار التريسيتي" في 14 جويلية 1957 هذه العملية التي تزامنت مع احتفال فرنسا باستقلالها، مما فتح أمامي الشهية نحو الكفاح حيث شاركت في تفجير عدد من الحانات و منها حانة بن جوة التي استشهد فيها أحمد جقيدل يوم 17 أكتوبر 1956 وبعدها شاركت في تفجير جانب من نزل الصحراوي وعدة قواعد عسكرية بالمنطقة مما أدى بالاستعمار الفرنسي إلى إحاطة المدينة بالأسلاك الشائكة لمنع المجاهدين والفدائيين من الاتصال بالمواطنين، كما زرعت قنبلة بمنزل القائد "قابريال" لترويعه وتفجير حانات كل من الخروبي واليهودي ... وفي 1958 التحقت بجيش التحرير في منطقة جبال "القعدة" فكانت لي فرصة الالتقاء بقائد الناحية أحمد عبد الغني مما سمح لي بالمشاركة في عدة معارك ضد الجيش الفرنسي وكذا جيش العميل بلونيس بقيادة أحمد عبد الغني و كذا نائبه الذي خلفه بعد تحويله علال أوكيد ومن بعده طالب الصادق آخرها معركة القعدة الشهيرة بقيادة طالب الصادق الذي كان على رأس 500 مجاهد مقابل 70 ألف جندي استعماري مدجج بشتى أنواع السلاح والرتب العسكرية وبعد معركة ضارية دامت من 17 نوفمبر إلى 19 نوفمبر 1958 تم انسحاب القوات الفرنسية مخلفة مقتل 800 جندي فرنسي واستشهاد 33 مجاهدا كان من بينهم عبد الله برطال ومعزوز أحمد وعلالي الجيلالي الذين كانوا يحملون سلاح الرشاش مما أدى إلى قنبلتهم "بالنبالم"، كنت حينها مرميا بين المصابين أين عثر عليّ جنود الاستعمار لأقع بين أيديهم أسيرا متأثرا بكسور وجروح متفاوتة الخطورة نقلت على إثرها إلى مستشفى تيارت في 20 نوفمبر 1958 لأجد نفسي مع بعض المجاهدين و منهم خبيز عبد القادر من المشرية و بلخير من آفلو ... ليتم نقلنا بعد تماثلنا للشفاء إلى محتشد المهدية الذي كان يضم حينها 1500 معتقل سياسي حيث كنت قبلها محافظا سياسيا برتبة "مرشح"، وفي جويلية 1961 تم تحويلي إلى معتقل حمام بوحجر وبعد المفاوضات بين الجزائروفرنسا حول تقسيم الجزائر ورفضنا لهذا الاقتراح تم تحويلي إلى معتقل ورقلة الذي بقيت فيه إلى يوم الاستقلال. الذي فرحت كغيري من أبناء ذلك الوقت فرفعنا العلم عاليا و ترنمنا بألحان جبهة التحرير الوطني التي سنبقى نفتخر بها إلى أن نسلم الروح لباريها ... شاركت في ثورة البناء والتشييد حيث عملت بسوناطراك لمدة 20 عاما كرئيس لمصلحة التوزيع وبعد تقاعدي استلمت مهمة أمين عام للمجاهدين بالواحات مما أتاح لي فرصة بناء منظمة المجاهدين التي كانت تضم الأغواط، غرداية، ورڤلة ووادي سوف ... و كنت عضوا في مكتب اتحادية حزب جبهة التحرير الوطني بين سنوات 1966 و1972 وعضوا بالمجلس الشعبي الولائي بين سنوات 1984 و1989 كما تقلدت عدة مناصب أخرى في الحزب منها نائب محافظ على غرار أمين ولائي لمنظمة المجاهدين بالأغواط، فكانت تطربني انتصارات الجزائر و تؤلمني انكساراتها وتهزني نكباتها .