يبدو أن قوارب الموت بدأت في الإبحار إلى الضفة الأخرى من المتوسط انطلاقا من السواحل الغربية للبلاد على غرار باقي السواحل وعلى متنها شباب وقصر لايزال حلمهم في العيش الرغيد في بلدان أوروبا قائما . بدأ المهاجرون السريون في الإبحار انطلاقا من الشواطئ و السواحل الجزائرية و شرع معهم الدرك الوطني وحراس السواحل في دوريات مراقبة مكثفة لإحباط عمليات الهجرة السرية التي تعرف ارتفاعا مقلقا بالنظر إلى عدد المحاولات الفاشلة التي قام بها هؤلاء "الحراقة" وتم إنقاذهم من قبل خفر السواحل ولعل أبرز هذه المحاولات توقيف 64 شابا في عمليات إبحار سري خلال الأسبوع الأخير حيث خرج هؤلاء "الحراقة" من مناطق مختلفة بغرب البلاد أهمها "كريشتل" والأندلسيات و رأس فالكون بوهران و بوزجار بعين تموشنت أملا في الوصول آمنين إلى سواحل إسبانيا غير آبهين بمخاطر البحر من جهة و المآسي التي ألمت بعائلاتهم التي غادروها دون وداع من جهة أخرى . معاناة لا يمكن وصفها لأمهات وآباء فقدوا عزيزا فضل المجازفة بحياته على البقاء إلى جانبهم ومقاسمتهم الحياة بحلوها ومرّها .. "الجمهورية" التي زارت عائلات المفقودين وقفت على حجم المأساة التي لا يزال الأولياء يكابدونها و اختارت بوزجار كعينة نموذجية باعتبارها المنطقة التي شهدت خروج أول "بوطي" للحراقة على المستوى الوطني و كان ذلك سنة 2005 . خالتي ملوكة إحدى الأمهات التي لم تيأس ولن يهنأ لها بال حتى تصل إلى ابنها محمد الذي غادرها شتاء 2005 دون أن يودعها ... رفضت كغيرها من الأمهات أن تقام جنازة الغائب على ابنها لأن أملها في رؤيته مجددا لا يزال قائما رغم مرور 10 سنوات تقريبا عن الرحلة المشؤومة التي جعلتها كلما حلّ الشتاء واشتدت الرياح تغادر المنزل العائلي نحو إحدى الهضبات المطلة على الشاطئ الذي خرج منه فلذة كبدها لعل التيار يرده الى شط الأمان يوما ما .