ظل الوصول إلى السلطة و في أحيان كثيرة رغبة البقاء فيها الدافع الأول وراء انشاء الصحافة الحزبية ليتدرج الهدف نحو الدفاع عن المصالح و الإيديولوجيات ذات الرؤية المتماسكة الشاملة للقضايا والأمور التي تتعلق بالممارسة اليومية أو تتعلق بمناحي مرجعية معينة سياسية بشكل خاص. و شكلت صحف المعسكرين الشرقي و الغربي العصب الذي قاد هذه الصحافة ثم توسعت الأهداف في ايصال إيديولوجيات الأحزاب الحاكمة إلى الخارج لكسب النفوذ و ذلك ما تجلى في الحرب الباردة التي خلقت العديد من بؤر التوتر بين الجانبين و غذتها صحف الأحزاب الحاكمة. و أمثلة الصحافة الحزبية كثيرة من رائداتها البرافدا السوفيتية التي ظلت مدة تسع و سبعين ستة تدافع عن مصالح الحزب الشيوعي الحاكم في موسكو إلى أن تفكك الاتحاد و ذهبت إلى مالك يوناني ثم أفل نجمها رغم تواصل صدورها . و في حوض المتوسط تشكل صحيفة " ليمانيتي" اليسارية الفرنسية التي أسسها " جون جوري "في 1904 المثال الصارخ للصحف الحزبية و رغم تفتحها على صفحات جديدة مواكبة لقانون السوق ظلت وفية لخطها اشيوعي الاشتراكي . الوضع لا يختلف كثيرا في الجزائر التي عاشت تجربة الصحافة الحزبية قبل الانفتاح السياسي و ظهور الأحزاب بعد أحداث أكتوبر 88 ، فثورة التحرير كانت في حاجة ماسة لرافد إعلامي يرافق العمل العسكري و السياسي الذي خاضه حزب جبهة التحرير الوطني فنشأت جريدة المجاهد و قد تأسست من طرف حزب كان الناطق الرسمي و الوحيد للشعب و الثورة و بالتالي رغم الأهداف التي تم تسطيرها للجريدة فمنطلقها كان حزبيا . و كان بث إذاعة صوت العرب المصرية من القاهرة أيضا لسان حال الحزب الذي قاد الثورة في البلاد تساعده على التعريف بالثورة و النضال . الظهور المحتشم استمرت وسائل الاعلام ، سواء التي أسستها الجبهة أو التي أممتها بعد الاستقلال و منها " ليكو دوران" التي تحوّلت إلى " لا ريبوبليك " و " لاديباش دو كونستونتين" في النطق باسم الحزب الواحد الحاكم في الجزائر ، تروج لنضاله و إيديولوجيته المستغِلة للشرعية الثورية و كل ما يُنجز باسمها ،و حتى انقلاب 65 لم تسمه الصحافة المذكورة باسمه بل استعملت تعبير الانقلابيين مؤكدة أنّ الأمر يتعلق بتصحيح ثوري ، و حتى صحف التعددية بعد أحداث أكتوبر لم تجرؤ على تغيير المصطلح إلى أن تكلم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة و قال بالحرف الواحد :لقد انقلبنا على بن بلّة. سقنا هذا المثل من أجل توضيح أمرا يتعلق بمدى انغماس الصحافة الحزبية في إيديولوجية الحزب الذي تنطق باسمه و تروج لأفكاره . و قد كان الانفتاح السياسي بعد انتفاضة أكتوبر و ظهور أحزاب تنتمي إلى مختلف العقائد السياسية أو المرجعيات الدينية الحافز الأول و بداية توجه الجزائر نحو الصحافة الحزبية ، علما أن الصحافة المكتوبة التي ظهرت في هذه الأثناء كانت صحافة خبر و ليست صحافة رأي ، فالتجربة التعددية جديدة على حقل الإعلام في الجزائر و الاندفاع نحوها ( تأسيسا و قراءة) كان كبيرا جدا و بالتالي كان الإعلاميون و القراء على حدٍ سواء شغوفين بالمادة الاخبارية أولا ، و هي الرغبة التي وجدت ضالتها في الخبر الأمني ، فاستغلت الصحف الناشئة عشرية الارهاب و أضافت إليها بعد ذلك أساليب الإثارة لتتموقع في السوق و تحقق مقروئية بوّأتها المراتب الأولى مغاربيا ، عربيا و إفريقيا و استمرت محافظة على مكانتها بغنيمة الحرب هذه. كانت التجربة التي رافقت صحافة الخبر دافعا لكسب احترافية لا يستهان بها في الجزائر لكن دون أن ترقى إلى صحافة رأي رغم التسيّس الذي ميّزها و الدفاع عن مصالح مموّليها و مَن يساهمون في بقائها ، و لأنّ التجربة أتت أُكلها مقروئيةً و إشهارا و حققت المداخيل و روّجت لعديد الأطروحات و الاتجاهات السياسية و الاقتصادية حاولت الأحزاب الجزائرية التي غربلتها سنوات ما بعد أكتوبر أن تجد لنفسها منبرا تخاطب من خلاله الرأي العام الجزائري لكسب الود و حشد التأييد ، و أحيان كثيرة الدوران في فلك السلطة من أجل المهادنة و تحقيق المكاسب و هو خروج صريح عن خط صحافة المعارضة . و كثيرا ما يصنِّف المحللون في مجال الاعلام صحافة المعارضة على أنها ظاهرة صحية في المجتمعات الديمقراطية و لو أنها صحافة أقلية سياسية أو عرقية أو دينية أو حتى لغوية محكومة دائما بما يروج له الحزب من أفكار. و لو أن المتعارف عليه ديمقراطيا في حالة الحديث عن صحافة المعارضة هو مراقبة هذا المنبر الإعلامي لممارسات السلطة و الشراكة في تسيير عديد القطاعات و مراقبة الحكومة هي الوظيفة الأولى للصحافة التي تفوق كل وظائفها الأخرى إلّا أن الأمر غير كذلك في الجزائر فصحافة المعارضة درجت على انتقاد لا يقدم الحلول ، و الاستماتة في الدفاع عن أصحاب تمويل هذه الصحف المعارضة و التبشير برسائلهم السياسية الاقتصادية و العرقية. صحافة المعارضة في الجزائر لا تزال مرتبطة بمسألة الوقت رغم مرور عشرات السنين من الزمن على الانفتاح الإعلامي ، و من البديهي أن تستمد هذه الصحافة قوتها من قوة الحزب الذي يستطيع رفقة صحافته من تكوين رأي عام و التأسيس لمشروع سياسي و ثقافي كما يعد مشكل الأوتوقراطية سببا آخر في عدم تطور الصحافة الحزبية التي لا تزال ( شأنها شأن الأحزاب) مرتبطة بالإصلاحات الشكلية التي لا تعالج الأمور في عمقها و لا تتجدد.