تقع ولاية البيض في أقصى الجنوب الغربي على بعد حوالي 800 كم عن عاصمة الجزائر وتصنف هذه الأخيرة من أهم الولايات الرعوية السهبية التي تتميز بطا بعها الرعوي إذ تستحوذ وتمتاز بثروة حيوانية هائلة منذ القدم يمتلكها الموالون على امتداد تاريخها لاسيما ثروة الماشية التي تتصدر حرفة امتهانها أهم النشاطات التي يزاولها معظم سكانها البالغ عددهم حوالي 266 ألف نسمة ..وتعتبر الماشية (الغنم، الإبل، البقر..) موردا اقتصاديا هاما بالولاية وتعتمد حيويتها أساسا على الرعي وتربية المواشي والصناعة التقليدية الأكثر نشاطا.. وكل هذه الحرف تعد رائدة في حياة السكان الموروثة أبا عن جد تبرز مؤهلات هذه المناطق وخصوصياتها عبر التاريخ بالجهة وفي هذا السياق يطرح الكثير من العارفين الذين لهم دراية بخبايا الطابع الرعوي من مختصين وكذا موالين كبار يؤكدون في الكثير من المناسبات بأن لا مستقبل للمنطقة (الولاية ) دون ماشية أمام ما تزخر به ولاية البيض من ثروة حيوانية هائلة فضلا عن الوزن السيسيولوجي لمعطيات المنطقة(الولاية) التي تحتل صدارة الولايات السهبية الرعوية ...حيث تقع ولاية البيض في حضن معظم الولايات الجنوبية منها الرعوية إذ لها حدود مع ولاية بشار وأدرار بالجهة الجنوبية ويحدها من الشرق الأغواط وغرداية ومن الشمال ولايتي تيارت وسعيدة وغربا ولاية النعامة... وإلى جانب هذا تتربع الولاية المذكورة على مساحة شاسعة بالجنوب الغربي إذ تتسع مساحتها الإجمالية بحوالي 6642039 هكتار منها 5704445 هكتار تمثل المراعي أي ما يعادل نسبة 86 بالمائة من المساحة الكلية حيث يرعى في مناطقها حوالي مليوني رأس من الماشية (إحصاء قديم) منتشرة ب 22 بلدية ويضاف إلى ما سبق ذكره بان المصالح الفلاحية التقنية أعدت خلال السنوات الأولى من هذا الألفية. فنّ وتفنّن تقارير تفيد بأن ولاية البيض تعتمد أساسا في اقتصادها على تربية المواشي علما أن الأغلبية الساحقة من السكان يعتمدون في نمط معيشتهم على الرعي وكذا العائلات العريقة على تفنن الصناعات التقليدية منها أنسجة الأفرشة الصوفية والجلاليب والبرانيس وصناعة الأواني المنزلية المنسوجة بالحلفاء وكذا الأطباق والنحوتات من الخشب والحجر .. لذا تزدهر جل مناطق الولاية من خلال مهن الرعي بأنشطة تجارية بالأخص المعروضات المحلية منها الأفرشة الصوفية و صناعة الجلاليب الأكثر استعمالا وتداولا في فصل الشتاء إذ يتراوح سعر الجلابة العادية ما بين 5000 دج إلى 8000 دج أما الجلابة "الوبر" ينحصر سعرها ما بين 30 ألف دج و50 ألف دج أما البرانيس الممتازة المعروفة بالشعبية "الهدون" يفوق سعرها درجة 35 ألف دج وبما يعرف "برنوس الوبر" المصنوع من وبر الإبل لذا لا تزال هذه الصناعات التقليدية موروثة و مزدهرة لدى بعض العائلات بالمناطق السهبية الرعوية والتي تحافظ عليها بالرغم من المسافة الزمنية الفاصلة بين العقود الماضية والوقت الحاضر وكذا الحداثة والعصرنة بقيت مهن الأجداد راسخة لدى البعض وهذه الحرف النابعة والراسخة من العادات والتقاليد بالأخص الأنسجة التي لها علاقة مباشرة مع الطابع الرعوي كوفرة المواد الأساسية الأولية منها صوف الماشية ومن خلال جملة المعلومات التي جمعناها من الواقع بان الأجيال التي راحت ذهب معها جزء من هذه الصناعات المسماة بالحرف الشعبية لاسيما من خلال الدردشة التي أجرتها الجمهورية مع كبار العجائز اللواتي لهن تاريخ طويل مع الصناعة التقليدية مثل الحاجة عائشة (74 سنة) مختصرة كلماتها "راح كل شيء مع الكبار والجيل الصاعد يحب إلا الواجد فقط بفعل التكنولوجية السائرة منها الشابات هذا اليوم "... ...نحو الإندثار وعلى هذا السياق كان لنا حديث مختصر نهاية الأسبوع الماضي مع مسؤولي غرفة الصناعة التقليدية بعاصمة ولاية البيض إذ لخص بعضهم بأن الحرف التقليدية لاسيما الفنية منها في طريقها نحو الاندثار حسب ما سجلوه من انشغالات وأطروحات معظم السكان لاسيما الحرفيين منهم على مستوى مناطق الولاية إذ هذه الصناعة أو الحرف تصادف صعوبات تعيق تشجيعها منها الملف المطلوب الذي يوصف بالثقيل أي يطالب معظم الشباب أو المواطنين أو العائلات التسهيلات في فتح بطاقة الحرفي التي أصبحت صعبة المنال نظرا للوثائق الإدارية المطلوبة ويضاف إلى هذا عائق الضرائب التي تفرض في هذا الجانب أمام قلة النشاط وبغض النظر عن المنافسة العصرية أي المنتوجات الحديثة التي تفرضها الساحة في الوقت الراهن منها الأفرشة المتنوعة والأنسجة بمختلف أنواعها التي تغزو كافة مناطق الوطن والتي تعد عاملا في تراجع الصناعة التقليدية بالجهة حسب نظرة القائمين على القطاع ... والأهم من ذلك وحسب ما هو مطروح بأن الحرفيين يعانون من ضائقة تسويق منتوجاتهم داخل الولاية وخارجها...وعلى هذا الصعيد تقوم الغرفة الوصية بمساعي حثيثة بمعية كافة القطاعات الحساسة الأخرى (السياحة، المؤسسات الصغيرة والمتوسطة...) أمام الإمكانيات المتوفرة في تقديم الدعم اللازم إعلاميا منها الحملات التحسيسية والتوعوية عبر الصحف والإذاعة المحلية بضرورة تسليط الضوء على الصناعة التقليدية على أهميتها بهذه المناطق الرعوية للحفاظ على هذا العطاء التقليدي بالولاية من جهة ومن أخرى فتح مناصب شغل للأغلبية الساحقة من السكان وكذا المساهمة الفعالة في تشجيع إستراتيجية الصناعة التي سارعت من أجلها الدولة بالكثير من المشاريع لاسيما كالبرامج الهادفة بالتنمية الريفية خلال سنتي 2003 و2004 منها توفير للحرفين أجهزة وآلات يدوية وكانت النتائج فاشلة بسبب عدة عوامل وظروف لاسيما كالمذكورة سالفا .. ...مؤسسات لحماية الموروث وفي هذا الإطار دائما قامت غرفة الصناعة التقليدية بتنظيم ملتقيين تكوينيين من نوع "كريي" كيفية إنشاء مؤسسة خلال أكتوبر الفارط (من 16يوم إلى 23 أكتوبر2010) بتأطير المكتب الدولي للعمل (بت) وقد استفاد حوالي 29 مشاركا من هذا التكوين أغلبهم من أصحاب المشاريع والبطالين وخريجي الجامعات .. والتكوين هذا حسب ما أشار إليه المعنيون بالغرفة يهدف إلى إرشاد صاحب المشروع من الصناعة التقليدية إلى كيفية إنشاء مؤسسة بطريقة علمية وفعالة ومدروسة حسب الدراسات المتطورة وعلى هذا السياق ستنظم الغرفة كذلك أربع ملتقيات تكوينية منها كيفية إنشاء مؤسسة وكذلك كيفية تسييرها خلال التاسع من الشهر الجاري الذي يعتبر اليوم الوطني للصناعة التقليدية تحت شعار "صناعة تقليدية أصالة وإبداع "... وتجدر الإشارة بان الوزارة الوصية تنظم سنويا مسابقة تشارك فيها معظم ولايات الوطن لاختيار أحسن منتوج تقليدي وهذا تشجيعا وتحفيزا للحفاظ على الصناعة التقليدية ببلادنا حسب ما أشار إليه مسؤول الغرفة بالبيض من خلال الحديث الذي خصه مع الجمهورية حيث أضاف بان ولاية البيض حققت مراتب ونتائج مشجعة خلال السنوات الماضية من خلال مشاركتها وطنيا وكذا خارجه وحسب التأكيدات المشار إليها على الكثير من المستويات هي المطالبة بفتح ورشات للأفرشة العصرية لتطوير هذه الصناعات التقليدية أمام التطور الحاصل الذي ساهم بقدر كبير في تراجعها خصوصا بمناطق ولاية البيض في ظل الاعتماد على الوسائل القديمة اليدوية ... ومن جهة أخرى معظم العائلات أي الحديث عن العنصر النسوي الذي يساهم في الصناعة التقليدية بجل بلديات الولاية إذ ينتج الكثير من الأنسجة الصوفية داخل البيوت من خلال الممارسة اليومية أعطت للمرأة الريفية فرصة في الاندماج بالحياة الاجتماعية أمام الدعم الذي حققته الدولة في إطار تحسين الظروف المعيشية لسكان الأرياف وكذا تكوين وتأهيل الفتاة الريفية من خلال التنمية الشاملة التي حققها فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة خلال سنوات هذه الألفية كإهتمامه بشؤون المرأة عامة مبرزا لها آفاقا مستقبلية واعدة ... فائض في المواد الصوفية وتعطي أسواق الماشية بالولاية طابعا تجاريا ثقافيا من خلال تبادل المعارف ما بين المتوافدين عليها على مدار السنة والفرصة الوحيدة التي يغتنمها المنتجون المحليون هي أن هذه الأسواق التي يتم تحويل من خلالها أشهر المنتوجات من صوف وجلود الى خارج تراب ولاية البيض أمام نقص وغياب الاستثمار المنتج وكذا وحدات استغلال المواد الأولية المذكورة نحو المصانع بالمدن الشمالية تحديدا نحو سطيف وبرج بوعريريج.... لاسيما كما هو سائد منذ سنوات مضت حيث تشهد قوافل كبيرة من الشاحنات والمركبات تصدير كميات هائلة من المواد الصوفية وغيرها وهذا امام تراجع كبير للصناعات التقليدية التي كانت سائدة ورائدة عبر التاريخ والى جانب هذا الكثير من العادات والتقاليد اندثرت بسبب الفقر وقلة الإمكانيات بهذه المناطق الرعوية للتذكير أن ولاية البيض كان لها آفاقا كبيرة خلال السنوات والعقود الماضية من خلال ازدهار تربية الماشية لاسيما خلال سنوات الثمانينات من القرن الماضي حيث كرمت الوزارة الوصية احسن منتج للثروة الحيوانية الأغنام السيد بلمخفي من دائرة الأبيض سيدي الشيخ سنة 1986م بميدالية ذهبية على مستوى الوطن وهذه الدلالات تبرهن بان الولاية كان لها مستقبل زاهرمن خلال اهتمام الجهات المعنية الوزارية والولائية آنذاك بالقطاعات الحساسة (قطاع الرعي، الصناعة التقليدية) التي تعتمد عليها هذه الأخيرة في تنميتها وعلى صعيد آخر من أهم المنجزات التي كانت تساهم بقدر كبير في نشاط الولاية هي أنها كانت تتربع على مصنع للأحذية خلال العقود الأخيرة الذي كانت له علاقة مباشرة مع الثروة الحيوانية الهائلة المتوفرة وكذا تشجيع الصناعة التقليدية علاوة على مناصب العمل التي كان يوفرها المصنع تفوق 1000منصب على الدوام بهذه المؤسسة الإنتاجية، ولكن لسوء حظ سكان البيض وبالأحرى قاطني مناطق الولاية (22 بلدية) وكذا توافد الكثير من مربي وموالي الولايات المجاورة التي تحمل نفس الطابع الرعوي على ولاية البيض... أغلق هذا المصنع الضخم أبوابه منذ حوالي عقدين من الزمن تقريبا أمام أكبر ديناميكية إنتاجية من المواد الأولية كالصوف، والجلود، الحليب، السمن (الدهان) التي تتربع عليها ولاية البيض . وترك هذا المصنع المذكور فراغا كبيرا بالوسط الرعوي وكذا شل حيوية المنطقة بنسبة كبيرة حسب انشغالات السكان الذين يأملون من كافة السلطات الوصية على جميع الأصعدة بالنظر الفعلي هذا المصنع (الأحذية) والأهم من ذلك مصنع الأسمنت بالأبيض سيدي الشيخ .. وهذا لفك العزلة عن مناطق ولاية البيض وتفعيل التنمية بها وتحقيق مستويات واعدة مستقبلا.