أثرت سنوات الجفاف التي طال أمدها كثيرا بالمناطق الرعوية وخصوصا بالولايات السهبية سلبا على الحالة الاجتماعية لأغلب الموالين ومربي المواشي، من خلال تراجع النشاطات الرعوية المصدر الرئيسي لمعيشتهم.. لاسيما كما هو الحال بالأبيض سيدي الشيخ التي تعد ثاني أكبر تجمع سكاني بولاية البيض. ------------------------------------------------------------------------ سقوط حر لأسعار المواشي.. وارتفاع قياسي لأسعار الأعلاف ------------------------------------------------------------------------ في هذا السياق أصيب الكثير من موالي ومربي الماشية بمنطقة البيض خلال هذه الآونة بخيبة أمل لما آلت إليه أسعار المواشي بعد أن تراجعت بسوق الماشية ووصلت إلى وضعية غير مسبوقة، حيث وصل سعر الشاة مثلا النعجة أو الخروف إلى حوالي 6000 دج، وهذا حسب ما صرح به أحد الموالين (ش.ج) نهار أمس، مضيفا أن أسعارها تأرجحت من جهة أخرى ما بين 5000 دج إلى حوالي 12 ألف دج. وبغض النظر عن دقة أسعار الماشية (النعجة، الحولي، الكبش..) بسوق المواشي الذي يحل كل يوم جمعة بالأبيض سيدي الشيخ بعدما وصلت في الآونة الأخيرة إلى أسقف خيالية، حيث تأرجحت ما بين حوالي 15 ألف دج إلى ما يزيد عن 25 ألف دج، أما هذه الأيام فنزلت أسعارها إلى درجة مقلقة وصفها الموالون ب''الخسارة'' أمام غلاء المواد العلفية التي وصلت عتبات لا تطاق حسب ما يبديه الكثير من الموالين، لم تنزل أثمانها عن المعادلة السائدة أي ما بين 2300 دج إلى حوالي 2500 دج للقنطار الواحد كالنخالة، الذرى، الفرينة الشعير.. بالسوق الأسبوعي بالأخص بجل المناطق الرعوية السهبية التي تضررت كثيرا جراء الجفاف الذي عمر طويلا إلى حوالي أكثرمن عقدين من الزمن، حيث يبقى الموالون يصارعون ظروفا قاسية من أجل البقاء مع مواشيهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في الصحاري القاحلة الجرداء من الأخضر واليابس ومازاد الطين بلة على معاناة هؤلاء الموالين اجتياح الرياح مصحوبة بزوابع رملية هذه الأيام والتي أقبرت الكثير من مظاهر الاخضرار ببعض الجهات الرعوية. ------------------------------------------------------------------------ الغلاء يدفع إلى أساليب أخرى للتسمين ------------------------------------------------------------------------ وأمام الطوق والهلاك الطبيعي المعتمدين منذ سنوات إلى يومنا هذا يعيش أغلب الموالين والمربين أوضاعا مزرية، حيث أنهكتهم فواتير المواد العلفية التي وصفوها بالمتعبة، وقد وجدوا أنفسهم مرغمين على استعمال طريقة التسمين في ظل تفاقم سنوات العجاف والتصحر الذي قضى على الغطاء النباتي، رغم الجهود التي تبذلها الجهات الوصية لتطوير المراعي. وفي هذا الجانب يلجأ الموالون إلى شراء الشعير الذي يبقى رغم تكاليفه الباهظة المادة الأساسية والضرورية لمواصلة هذا النشاط الرعوي الهام، بمعظم المناطق السهبية، حيث وصل سعر الشعير الأكثر طلبا إلى حوالي 2500 دج للقنطار الواحد بالأسواق، حسب ما أكده الكثير من الموالين هذه الأيام، ويضطر العديد منهم إلى بيع الماشية بالخسارة بعدما أجبروا على اقتناء الأعلاف لسد رمقها من جهة ومن جهة أخرى لتوفير معيشة عائلاتهم من ملبس وأكل.. وفي هذا السياق تشير بعض الإحصاءات غير الرسمية إلى أن حوالي 18000 موال يزاولون الرعي كحرفة إجبارية بمناطق الأبيض، حيث ترعى ما يقارب حوالي مليوني رأس من الماشية على امتداد المساحات الرعوية بولاية البيض المقدرة ب 570444 هكتار أي ما يعادل نسبة 86 ٪ من المساحة الكلية تحولت إلى أراضي جرداء أي ''الحمادة'' وهذا بفعل الجفاف والتصحر، ومع مرور الزمن وبسبب هذه الأزمات لم يستطع الموالون المحافظة على هذه الثروة الحيوانية بسبب قلة الإمكانيات ونقص الدعم كحل أنجع في نظرهم، حيث تراجعت أعداد هائلة من رؤوس المواشي جراء ارتفاع تكاليف التربية والنقص الحاد للمغياثية، حيث هجر الكثير من الموالين في الآونة الأخيرة بحثا عن الكلأ لمواشيهم في جهات الوطن لاسيما في الشريط الشمالي تحديدا بضواحي ولايات الغرب الجزائري، لذا تركوا فراغا كبيرا بالمناطق المذكورة. من جانبها سارعت الوزارة الوصية مؤخرا من خلال نداءات وانشغالات الموالين وحفاظا على هذه الثروة الحيوانية الثمينة لتوفير دعم الأعلاف بسعر حوالي 1550 دج للقنطار الواحد للشعير والتي حددت سقف 10 قنطار للقطيع متكون من مائة رأس، وهذا حسب ما ذكرته بعض المصادر. أما من خلال الدردشة التي أجريناها مع بعض كبار الموالين في المنطقة فذكر أحدهم (ش.ج) بأن الأعلاف المدعمة لا تكفي حاجيات الموالين نظرا لعدد الماشية لدى كل موال أمام نقص وشح المال لمزاولة هذا النشاط، بغض النظر عن مساعي الوصايا في تقديم الدعم اللوجستيكي للمراعي وكذا التلقيحات من أمراض الحيوانات المتنقلة. ------------------------------------------------------------------------ موالون دون ماشية.. ------------------------------------------------------------------------ ومن جانب آخر فإن النقطة الأكثر سوادا وملاحظة تراجع عدد الماشية عن السابق، حيث علمت الجريدة بأن الكثير من الموالين الكبار بمنطقة البيض أصبحوا لا يملكون إلا الخيم دون ماشية في الصحاري واستفحلت بين أوساطهم ظاهرة النزوح نحو المدن، بغض النظر عن ظواهر البطالة والفقر والتهميش. كما يشير الموالون إلى أن هذه النشاطات الرعوية في طريقها نحو الزوال إذا لم تسارع الجهات المعنية بمساعٍ حيثية أكثر لإنقاذ هذا القطاع من الضياع الذي يساهم في استقرار عدد كبير من السكان ب 22 بلدية لولاية البيض. وفي هذا الصدد استلمنا هذه الأيام رسالة من قبل اتحاد الفلاحين موجهة إلى كافة السلطات منها العليا كوزير الفلاحة للنظر الفعلي لحال الموالين مع قطعانهم بهذه المناطق المعزولة. وللتذكير فإن البيض كان لها مستقبل زاهر بهذه الثروة خلال العقود الماضية، حيث كرمت الوزارة الوصية السابقة خلال سنة حوالي 1985 / 1986 أحد الموالين الكبار بميدالية ذهبية عرفانا لدوره في الاقتصاد الوطني. ------------------------------------------------------------------------ مساع حثيثة لتدارك الوضع ------------------------------------------------------------------------ يبقى التأكيد أن السلطات الولائية بالبيض وعلى رأسها السيد والي الولاية قامت في الآونة الأخيرة بالعديد من المبادرات الهادفة من أجل حماية هاته الثروة من الزوال، وذلك بفتح المراعي للموالين بالمناطق المحمية وبأسعار مقبولة، حيث تم وضع تحت تصرفهم أكثر من 300 ألف هكتار من المناطق المحمية بجل بلديات الولاية التي أنفقت عليها الدولة الكثير من الجهد والمال لإعادة غطائها النباتي، كما أنها تسعى بجد من أجل تقريب الأعلاف المدعمة من الدولة من موالي المناطق النائية بتوفير مقرات لديوان توزيع الحبوب ينتظر منه الوفاء بوعده وشغلها على مستوى دوائر الولاية الثماني، كما تعهد بذلك في السابق. بقي أن نؤكد أن حرفة تربية الماشية بولاية البيض تعد الأهم والأكثر استقطابا لليد العاملة، إلا أن الاستثمار فيما بقي بعيدا عن مستوى تطلعات المسؤولين المحليين، وفي هذا الصدد أكد والي الولاية على ضرورة أن ينتقل الموال من طريقة التربية التقليدية المتبعة المعتمدة على الترحال بالصحاري بحثا عن الكلأ والاستعانة بدلها بطريقة التربية الحديثة، حيث يعمد الموال بمفرده أو عبر تجمعات تعاونية إلى الاستقرار بمكان محدد تساعده فيه الدولة على الحصول على سكن، تجهيزات ومعدات لإنجاز غراسة رعوية يستغلها في إطعام ماشيته، ومن ثم تطوير مجهوداته باستغلال كل ما تنتجه الماشية بطريقة عصرية بتصنيع جلودها وحليبها، وهو الطرح الذي أكد عليه كذلك السيد الوزير المنتدب لدى وزير الفلاحة المكلف بالتنمية الريفية خلال زيارته لولاية البيض بداية السنة الحالية.