في ليلة شتوية باردة وضعت رأسها تحت بطانيتها الدافئة تحميها من قرّ شديد ورياح عاتية ،استيقظت مرعوبة من حلمها الجميل على أصوات تتعالى من المحيط ورائحة قوية تصعد إلى أنفها، بالكاد استطاعت أن تميزها، وهي تحاول رفع رأسها الثقيل.. رائحة حريق ،إنها رائحة البنزين ،قفزت مرعوبة من فراشها ،تحسست وجهها ،مدت يدها إلى المرآة مذعورة من هول الصوت.. خافت على نفسها من تشوه خلقي يصيب وجهها الجميل فلم تكن تبالي بشيء سوى بجمالها ،كأنه الدمار فسمعت أصوات تتعالى "أقطعوا الكهرباء ،اقطعوا الغاز،أطفئوا السجائر " أطلت من نافدة غرفتها ،فوقع نظرها على سيارات الإسعاف والكثير من رجال الحماية.. المنطقة غارقة في البنزين والرعب يملأ النفوس ،الكل أعصابه متوترة أمام خطر الاشتعال .. لم تكن تهمها الأضرار التي يمكن أن تنجم عن اشتعال النيران بقدر اهتمامها بحماية بشرتها من هذا التلوث.. كانت امرأة ناعمة ،عذبة الصوت ،أقدامها صغيرة ،تتمتع بعينين واسعتين وشفاه ممتلئة وشعر غزير، وأنفها مستقيم ،أما أسنانها فكانت شديدة البياض، أخرجت في الظّلام كريمة حماية البشرة من حقيبتها ودهنت وجهها بطبقة غليظة منه، ثم وقفت أمام المرآة الكبيرة التي تفوقها طولا تتأمل تقاسيم وجهها مستعينة بإنارة خفيفة لهاتفها النقال، كانت شديدة الحرص على جمالها ،تحتفظ بمستحضر العناية بالبشرة في حقيبتها، كانت قد اختارته ليكون مرافقها الدائم، من بين مجموعة كبيرة من مواد التجميل المصففة على طاولة أنيقة بالقرب من سريرها، فيما يشه واجهة محل مشهور لمستحضرات التجميل ..خرجت إلى الشرفة بمشيتها الهادئة ،الواثقة وقد اطمأنت على وجهها. فلم تعد تثق بشيء سوى مساحيقها. كل شيء في الخارج يوحي بأن زلزالا ضرب المنطقة هذه الليلة ،بنايات مهدمة ،الكثير من القمح يسبح وسط بحيرة من البنزين... "أيعقل ألا أشعر بهزة كهذه !" قالت في نفسها. الناس هنا يتحدثون بسرعة وبدون انقطاع ،يقولون أن القطار انقلب محدثا هذا الدمار،و ذلك بسبب السائق الذي فقد السيطرة عليه. كانت مقطوراته معبأة بالبنزين والقمح. ابتسمت عندما سمعت هذه المعلومة وعلقت : "المسؤول عن القطار ذكي جدا ليجمع بين هاتين المادتين في حمولة واحدة. وحده القمح يطفئ نيران البنزين إذا اشتعلت" .. يتبع