تعد ولاية بلعباس حوضا مهما في إنتاج حليب البقر الطازج إذ يتراوح منتوجها السنوي مابين 48 مليون و54 مليون لتر ماجعلها تصنَّف مع الأوائل في هذا الميدان، وتحصي في الوقت الراهن 940 مربي يمتلكون 33200 رأس بقر بينها 21500 بقرة حلوب موزعة على صنفين اثنين: صنف يخص الأبقار العصرية المستوردة من الخارج مايعرف ب BLM بعدد يفوق 11800 بقرة وصنف آخر يتعلق بالبقر المحلي بما يعادل 10500 بقرة ناهيك عن النعاج والمعزات التي تحلب لأجل الاستهلاك العائلي خاصة في جنوب الولاية. واستنادا إلى كروشة محمد رئيس مصلحة المفتشية البيطرية وحماية النباتات بمديرية المصالح الفلاحية الذي أمدنا بهذه المعلومات فإن هذه الابقار تدر كميات وفيرة من الحليب استقرت العام الماضي عند 54 مليون لتر مشيرا في هذا الصدد إلى أن الثلاثي الأول من السنة الحالية عرف جمع 21 مليون لتر تم تحويلها إلى وحدات إنتاج الحليب الاربع المتواجدة بالولاية ويتعلق الأمر بجيبلي وحدة تسالة التي يقدر إنتاجها اليومي ب70 ألف لتر وفرومالي ب70 ألف لتر يوميا ووحدة زيان بسيدي لحسن ب30 ألف لتر وفيالي بسيدي لحسن ب2000 لتر. فيما تذهب كميات أخرى باتجاه الولايات المجاورة كتلمسان ووهران وعين تموشنت علما أن هذا المنتوج يخضع بصفة منتظمة إلى عملية البسترة لتجنب انتشار الأمراض قبل وضعه في الاكياس مذكرا في هذا الخصوص بدعم الدولة الذي يطال منتجي الحليب (المربين) وقدره 12 دج للتر الواحد وأيضا مجمعي الحليب (Collecteurs) ب5 دج بينما يستفيد محول هذه المادة أي وحدة الانتاج من 4 دج مقابل اللتر مع الإشارة الى التحسن التدريجي الحاصل في جمع كميات الحليب والفضل في ذلك يعود حسبه إلى الميكانيزمات المتبعة في السنوات الاخيرة والتسهيلات الموضوعة تحت تصرف المربين في إطار تطبيق برنامج إعادة الاعتبار للانتاج الوطني لمادة الحليب منها على وجه الخصوص التأمين والاعتماد الصحي للأبقار الذي تتكفل به المفتشية البيطرية مذكرا في هذا السياق بحجم منتوج الحليب الذي حافظ على مستواه ولم يتغير منذ أعوام في الوقت الذي ظل انخراط مربي البقر الحلوب في البرنامج الوطني محدودا ومحتشما إلى أن مكنتهم وزارة الفلاحة منذ عامين من التسهيلات السابق ذكرها التي حفزتهم على الانضمام لهذا البرنامج والأكيد أن التشجيع على مضاعفة إنتاج حليب البقر تصبو من ورائه الدولة إلى خفض استيراد حليب المسحوق من الخارج وبالتالي تقليص الفاتورة التي أثقلت كاهل خزينة الدولة مع الاشارة إلى أنه منذ الشروع في تنفيذ برنامج إعادة الاعتبار بشأن هذه المسألة اعتبارا من مطلع 2009 أخذ الانتاج يتضاعف تدريجيا ملفتا انتباهنا الى أن ولاية بلعباس قادرة في الوقت الحالي على تلبية حاجيات المستهلكين من مادة حليب البقر الطازج ب50٪ والنسبة مرشحة للإرتفاع في الاعوام القليلة المقبلة. دعم المؤهلين واضاف كروشة بأن جهود الدولة ترمي بالاساس إلى دعم مربي البقر الحلوب (منتجي الحليب) الذين يحوزون على هياكل فلاحية وفي مقدمتها الاسطبلات والفضاءات الاخرى غير المستغلة أو مستعملة جزئيا بغرض تمكينهم من إعادة تهيئتها وتجهيزها وإعمارها بالابقار، والوزارة الوصية بصدد الاعداد لهذا المشروع الهام الذي سيمنح الاولوية لمنتجي الحليب ذوي الامكانيات المحدودة وذلك بإيجاد آليات مناسبة من شأنها تفعيل وإنجاح هذا المسعى، ولأجل تحقيق هذه الغاية بما يتفق وتعليمات وزارة الفلاحة فالقائمون على الشأن الفلاحي بالولاية أنجزوا جردا دقيقا طال كافة المعنيين بالعملية وهيأوا ملفا سيرفع قريبا الى الوزارة الوصية، وهو يشمل 239 فلاح معظمهم يزاولون نشاط تربية البقر الحلوب وقد اقترحوا تموين كل واحد ودعم كل واحد منهم ب10 بقرات، وسيسمح تجسيد هذا المشروع في المستقبل القريب بالزيادة في الثروة الحيوانية من الابقار بما يفوق 2000 رأس وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع المنتوج وتحسين المردود. إن نشاط إنتاج حليب البقر الذي توسعت دائرته عبر مناطق الولاية في الأعوام المنصرمة فرض على ممارسيه إنشاء جمعية منتجي الحليب تتكفل بشؤونهم وتسهر على تذليل العقبات التي تواجههم بالتعاون مع الشركاء وكل الاطراف الفاعلة، وفي هذا الإطار التقينا مع رئيسها قادة عاشوري الذي حدثنا عن دورها وأهدافها والانجازات التي حققتها لغاية اليوم، ومهمتها الأساسية تتركز على تحسيس وتوعية مربي البقر الحلوب واطلاعهم على الواجبات والحقوق ودفعهم إلى احترام القوانين من خلال تنظيم لقاءات تجمعهم بين الحين والآخر لافتا نظرنا الى مشكل عويص يعاني منه أغلب الموالين (مربي البقر) يتمثل في عدم حيازتهم على أراضي فلاحية ومراعي ترعى فيها الابقار، فهم لا يملكون سوى اسطبلات متفاوتة الحجم الامر الذي حال دون جلب سلالات بقر ذات نوعية جيدة من الخارج تدر منتوجا وفيرا من الحليب والاكتفاء بماهو موجود لديهم آملا في أن تلتفت السلطات المختصة الى وضعهم وتبادر الى حل إشكال اسطبلات المستثمرات الفلاحية الجماعية الموروثة عن عهد المزارعالمسيّرة ذاتيا والتي بقيت فارغة غير مسغلّة في تربية الأبقار لحد اليوم مقترحا الإسراع في ترميمها وإعادة تأهيلها لفائدة منتجي الحليب سعيا لتنمية وتطوير الثورة الحيوانية سيّما البقر، متدرجا في حديثه الى إثارة شيء آخر طالما تسبّب في إعاقة إنتاج الحليب، إنه البيروقراطية والعراقبل التي يمارسها بنك الفلاحة والتنمية الريفية "بدر" أمام مربي البقر الحلوب بالرغم من تعليمات وزارة الفلاحة الواضحة التي تدعو هذا المصرف بالذات الى توفير كل التسهيلات لهذه الشريحة، ثم هناك أيضا أغذية الأنعام والمواد العلفية ووسائل الإنتاج واليد العاملة والعلاج البيطري والكهرباء، التي إرتفعت أسعارها أضعافا مضاعفة وصلت الى 10 مرات، أعباء أخرى أثقلت كاهل المربي، شيء غير معقول ولا يمكن هضمه ولو أنّ هناك دعما لمادة الحليب الطازج لفائدة المنتجين من طرف وزارة الفلاحة وهي مشكورة عليه، لكن ذلك يبقى غير كاف ما يجعل المربي يعاني ويعاني، يضاف الى ذلك العشرية السوداء وتأثيراتها السلبية على الموالين كان جليا الى درجة أنّ بعضهم تخلى رغما عنه عن ممارسة هذا النشاط بسبب التهديدات التي كان عرضة لها من قبل الإرهابيين آنذاك. وأمام هذه العوامل السابق ذكرها المعيقة لعمل مربي الأبقار يرى قادة عاشوري أنّ الحل يكمن في وجوب الرفع من قيمة دعم الدولة المخصصة لهم من 10 دج مقابل اللتر الواحد الى أكثر من ذلك كي يستطيع مواجهة العديد من الأعباء والتكاليف تماشيا مع المتطلبات الجديدة مع إجبار البنك على فتح أبوابه في وجه المستثمرين الحقيقيين من مربي الأبقار ومساعدتهم وإن تحقق ذلك يضيف فإنّنا قادرون على رفع كل التحديات. نماذج ناجحة ونحن نجري هذا التحقيق حول ميدان إنتاج حليب البقر، ارتأينا أن نعرف القارىء بمستثمر في هذا المجال من طينة خاصة كنموذج لتجربة ناجحة بفضل جده ومثابرته وإرادته التي لا تقهر رغم بدايته المحتشمة التي إقتصرت على تربية بضع بقرات ليتضاعف عددها مع مضي السنين، إنّه زيان مصطفى الذي يجمع بين نشاطات تربية البقر الحلوب وجمع الحليب وتحويله على مستوى وحدة الإنتاج التي يمتلكها بسيدي لحسن هو وأبناؤه. له زهاء 250 بقرة جلبها من فرنسا يربيها ويرعاها على مستوى عدة إسطبلات الإسطبل الكبير الذي يأوي نحو 150 بقرة وينتج في اليوم ما مقداره 7000 لتر ليجمع ويسوّق منها وبوسائله الخاصة (شاحنات صهاريج) بإتجاه وحدته وكمية أخرى نحو جيبلي وحدة تسالة، وهو لا يقتصر على ما ينتجه بهذه الإسطبلات بل يعتمد في تسغيل مصنعه على مربين آخرين يأتونه بالحليب الطازج من مزارع مختلفة يحوّل جزءا منه حليبا طازجا مبسترا ويمزج الباقي مع المسحوق المستورد زيادة على أنه ينتج اللبن والزبدة والقشدة والكمانبير ويقوم بتسويقها داخل الولاية وبإتجاه مدن أخرى كتلمسان وبشار، وأمنيته التي ينوي تجسيدها في المستقبل القريب هو توسيع نشاطه في تربية البقر في حال إستفادته من إسطبلات جديدة بيد أن طموحه هذا يصطدم حسبه برفض الفلاحين المقيمين بجوار الإسطبل الكبير الكائن بنواحي سيدي لحسن، لكن مساعيه تبقى مستمرة لإقتناء أو إكتراء إسطبلات في أماكن أخرى يجلب إليها عشرات الأبقار. مستثمر آخر ينشط أيضا في صناعة الحليب بالمنطقة الصناعية لسيدي بلعباس شدّ إهتمامنا لما يتّصف به من مزايا فهو يمتلك وحدة فرومالي التي كان قد زارها في الأعوام الماضية فريق من الخبراء الهولنديين وأعجب بطريقة تسييرها وبالتجهيزات الحديثة التي تحتوي عليها وبخاصة النظافة التي تميّزها، يقول صاحب هذه الوحدة أنّ الحليب الذي يجري جمعه يوميا وبوسائله الخاصة من عند 96 مربّيا لأبقار تناهز كميته 7000 لتر لأجل مزجه مع حليب المسحوق المستورد ما يعطيه نكهة خاصة جعل الطلب يتزايد عليه سيّما في الولايات المجاورة كتلمسان وعين تموشنت ووهران كاشفا لنا عن دراسة يعكف على إنجازها الغرض منها جلب 500 بقرة في المجموع بهدف دعم إنتاج الحليب على مستوى وحدته وتوزيعها على مربي الأبقار الذين يتعاملون معه، الإتصالات جارية مع وزارة الفلاحة ومع ممونين من فرنسا للتوصل في مرحلة أولى الى إستيراد 100 بقرة تعزّز بحصة ثانية من (100) بقرة، في مرحلة ثانية الى غاية إكتمال العدد الإجمالي الذي يضمّه المشروع، والمستثمر لم يغفل جانب ستوظيف طبيبين بيطريين يتكفلان بالمتابعة والرعاية الصحية للأبقار، علما وأنه سيساهم في هذا المشروع بنصيب من أمواله على أن يتولّى بنك "بدر" منحه سلفة في إطار قرض الرفيق، والى جانب كل هذا فإنّه يودّ إنشاء مستثمرة نموذجية لإنتاج حليب البقر خاصة بوحدة فرومالي وفي هذا السياق يفكّر في جلب 200 بقرة أخرى لأجل دعم إنتاج الحليب على مستوى الولاية وهذا من شأنه خلق مناصب شغل. وفرة ولكن هذا ونورد في الأخير وجهة نظر مدير المصالح الفلاحية حميد زواني بخصوص ميدان إنتاج مادة حليب البقر الذي أوضح قائلا إن شغلنا الشاغل هو تغطية إحتياجات المواطن من حليب البقر الطازج والإسهام في تنمية الإقتصاد الوطني لما تتوفر عليه ولايتنا من آلاف الأبقار غير أن العائق الذي يعترض هذا القطاع وجود موالين يربّون قطعان البقر داخل إسطبلات بدون حيازتهم على أراضي فلاحية ومراعي بعدد إجمالي قدره 73٪ وهو رقم عال جدا، وسعيا لعلاج الإشكال نعمل في مسعى متواصل للتقريب بين المربي والفلاح لإقناع هذا الأخير على تحويل جزء من أرضه الى مرعى يستغله المربي وهي وسيلة لتخصيب التربة وجعلها غنية بالآزوت يمكنه في العام الموالي عند زرعها حبوبا أن تدرّ عليه محصولا وفيرا، مشيرا في ذات السياق الى عملية الجرد والإحصاء للإستطبلات غير المستغلة التي باشرتها مصالحه في الآونة الأخيرة بغرض ترميمها ووضعها تحت تصرف مربي الأبقار تطبيقا لتعليمات وزارة الفلاحة التي تصبّ في خانة تطوير الفلاحة بصفة عامة، وأنهى حديثه معنا بالتأكيد على أن المنطقة قادرة على تحقيق الإكتفاء الذاتي من حليب البقر بل وتموين العديد من الولايات في حال دعمها بآلاف الأبقار بل ذهب الى أبعد من ذلك، فهي في استطاعتها في المستقبل صناعة مسحوق الحليب بدل إستيراده من الخارج إذا ما توفرت الإمكانيات اللازمة لذلك، ولم لا؟.