يبدو أن الفن التشكيلي بالجزائر في المدة الأخيرة بعد من الحيز الضيق الذي طالما إنحصر فيه بعد أن عجز أغلب الرسامين عن التشبت بخيوط الشهرة والوصول إلى العالمية بإستثناء عدد قليل منهم يعدون على الأصابع وأولئك الرسامين القدامى الذين غادروا الحياة مبكرا مخلفين من ورائهم موروثا فنيا جميلا لا زالت تتوارثه الأجيال وتتزين به أروقة المتاحف والمعارض الجزائرية في الوقت الذي تغيب فيه المشاركات المحلية لرسامي الجزائر ضمن المعارض والصالونات الدولية على غرار صالون الخريف بباريس الذي نظم هذه السنة في دورته 110 بمشاركة 24 فنانا تشكيليا عربيا لأول مرة في تاريخه وذلك بدعم خاص من رئيس الصالون الناقد الفرنسي »نويل كوريه«. وقد تعزز هذا الصالون بمشاركة مغاربية جميلة أغلبها من المغرب وتونس جاء في مقدمتها كل من الرسام التشكيلي المعروف سعيد العفاسي والفنانة بشرى الأزهر اللذان تم إختيارهما إعتمادا على ملفهما الفكري وحضورهما المتميز في مخلف الأنشطة التشكيلية عرضا وتنشيطا ومشاركة في حين لم يمثل الجزائر سوى مشاركة واحدة بدت يتيمة في ظل هذا العدد الهائل من المشاركين العرب والتي تمثلت في الفنانة التشكيلية الشابة آسيا كيانا التي فرضت نفسها في هذه التظاهرة المتميزة أما عن بقية الفنانين الجزائريين فلم توجه أي دعوة لهم مفضلين بذلك الوقوف وراء الستار منتظرين قدوم قطار مجهول ينتشلهم من هذه الدائرة المغلقة ليأخذهم إلي بر الأمان ويبث في نفوسهم الأمل من جديد . ويعتبر صالون الخريف الفرنسي من أشهر الصالونات الدولية المختص في عالم الفنون التشكيلة حيث أنه يستقطب سنويا الآلاف من الرسامين العالميين وكذا الشباب الذين صاروا اليوم من خيرة الأخيار وصار لهم شأن كبير في فضاء الريشة والإبداع علما أن هذا الصالون قد تأسس في بداياته بإسم صالون الموفوضون وكان تأسيسه بمثابة إعلان قوي في وجه مؤسسات الدولة المنحازة لبعض الفنانين الأمر الذي زاد في أهميته واعتبره معظم الفنانين التشكيليين على أنه من أهم المراحل الفنية الجادة التي ينبغي على الرسام الناجح أن يمر به ليفيم درجة إبداعه وينهل من الخيرات المتدفقة ضمن شلالات أروقته فمن المؤسف أن تختفي المشاركة الجزائرية من هذا الصالون وهذا إن دل فإنما يدل على غياب الإرادة لدى المختصين في هذا المجال المطالبين بتعزيز جميع الطرق والوسائل لإشراك الجزائر ضمن هذا النوع من الصالونات لأنها تزيد في نجاح المكتبة الفنية الجزائرية وتفتح الأبواب أمام الجيل الجديد ليكشف هذا العالم المتطور في الرسم والنحت كما سيكون إسم الجزائر حاضرا في جميع الوسائل الإعلامية الدولية ويتعرف الزائرون والضيوف على جماليات الثقافة الوطنية والعربية من خلال لوحات إبداعية راقية منمقة بالحضارة الجزائرية الأصلية وليس هذا فحسب بل تبين أن الجزائر هذا الموسم لم تغب فقط عن هذا الصالون الدولي بل مشاركاتها تعد على الأصابع في جل المعارض العالمية للفن التشكيلي حتى يخيل للبلدان الأخرى أنه لا يوجد فنانين ببلادنا أو ربما لا يوجد إهتمام حتى بهذا النوع من الفنون الجميلة والإشكال المطروح اليوم هو ما أسباب ذلك الحضور المحتشم للجزائر في الفترة الأخيرة زخم هذه المعارض الدولية رغم أن بلادنا ثرية بطاقات مبدعة ذاع صيتها داخل وخارج الوطن مع العلم أن صالون الخريف في طبعته الماضية وبالأمس القريب سجل مشاركة متميزة للجزائر وقعتها أسماء معروفة في هذا المجال، ولكن مع الأسف تم مؤخرا تسجيل تراجع كبير في المشاركات الجزائرية في العديد من الصالونات الدولية والمغاربية في الوقت التي تفتح بلادنا أحضانها لإستقبال أكثر من سبع دول أوروبية وعربية وكذا مغاربية في إطار الصالون المتوسطي للفنون التشكيلية المزمع تنظيمه بوهران نهاية هذا الشهر، ففرنسا وحدها حاضرة بأربعة أروقة ناهيك عن المشاركات الأخرى ويتساءل الجميع عن سبب غياب الفنانين التشكليين الجزائريين عن التظاهرات الكبرى مثل صالون الخريف بفرنسا، في حين أن الدول الشقيقة كالمغرب وتونس كانت من السباقين لحضور هذا الصالون بعدد كبير من الفنانين التشكليين وقد أرجع البعض هذا الغياب المقلق لإنعدام هيئات تمثل نخبة الرسامين ببلادنا وتعمل على إقحامهم في هذا النوع من الصالونات الدولية، لأن أغلب هؤلاء الفنانين التشكليين يعتمدون على مؤهلاتهم الخاصة لا سيما المادية لتنظيم عروضهم وتقديم لوحاتهم الإبداعية للجمهور سواء داخل الجزائر أو خارجها وهذا يدفع لطرح تساؤلات كثيرة من شأنها أن تقيم واقع الفن التشكيلي بالجزائر وترهن مستقبله في ظل المواهب الإبداعية الكثيرة التي هي في غنى عن التعريف والتي تحتاج فعلا لمن يشد بيدها وينير دربها حتى تصل إلى العالمية وتشارك في هذه الصالونات الدولية.