تغنى بها الفنانون فقالوا عنها "مالي ومال الشمعة ما ضواتلي ليام" .. وقالوا "أنتي يا الشمعة واحد ما ادرالك بالقراح" .. واعتبرها الأجداد من السلف ضرورية في إحياء العديد من المواسم والأفراح و يأتي على رأسها أعراس الزواج وحفلات الختان ... كما اعتمدها البعض الآخر بمثابة رمز للرومانسية عند الرغبة في التقرب من الخليلة أو الزوجة .. وإذا كان حضورها مطلوبا بشدة في الأفراح فإنها أيضا تعكس وتعبر بصدق عن الشعور بالحزن والألم وتعد وسيلة للتعبير عن التضامن والتآزر من خلال إشعالها وسط الظلام للدلالة على فسحة الأمل ... هذه هي الشمعة التي شهدت في الآونة الأخيرة تطورا ملحوظا حيث باتت تعرض بأشكال وألوان متعددة ومختلفة ناهيك عن كونها أضحت اليوم تحمل العديد من العطور بما في ذلك البخور. ولكن ما الذي يمكن أن يعنيه إشعال الشموع عند الجزائريين؟ حملنا هذا التساؤل وتجولنا في بعض أسواق علنا نعرف إن كان لإشعال شمعة معنى معينا. فكانت الانطلاقة من سوق أين يكثر تجمع النسوة من أماكن عديدة وجئنا بردود مختلفة. "الشمعة هي عنوان الفرح والبهجة والسرور"، وهي "دلالة عن بداية حياة جديدة مشرقة ومنيرة كنور الشمعة" هي "بمثابة الفأل الجيد" وغيرها من العبارة تبرر استعمال الشموع في الأفراح الجزائرية وحتى في المواسم كالمولد النبوي الشريف، وتقول في هذا الخصوص السيدة سعدية "لا يمكننا إحياء حفلات الزواج أو ختان الأطفال وربط حنة العروس دون إشعال الشموع التي ينبغي أن تكون حاضرة في لوازم الحنة كشرط أساسي، فعندما نضع الحنة مثلا بيد العروسة نشعل الشموع أولا وبعد ربط الحنة تلزم واحدة من أقارب العروسة بالرقص بالشموع حتى تنطفئ أو نقوم بتركها مشتعلة حتى تنطفئ وحدها ونتمنى عند إشعال الشموع أن يكون ضوء الشمعة بمثابة النور الذي يضيء مستقبل العروسين، ويجعل حياتهما مشرقة" وإذا كان هذا رأي سعدية فإن السيدة جميلة تضيف قائلة "إن الغرض من إشعال الشمعة هو إضفاء الفأل الحسن على العروسين بحيث ينبغي بعد الانتهاء من ربط حنة العريس أن لا يتم إطفاء شمعته بل ينبغي تركها مشتعلة إلى أن تنطفئ لوحدها وذلك لأن إطفاءها ينعكس سلبا على الزوج الذي لا يستطيع أن يقوم بواجبه ليلة الزفاف".أما الآنسة عائشة بائعة لوازم العروس فتقول " لا تستغني العائلات الجزائرية عند إحياء أفراحها عن الشموع حيث لا وجود ل"طبق العروسة" أو"طبق ختان" دون شموع. وتختلف ألوان الشموع حسب المناسبة، فإذا كان الأمر يتعلق بحفل زفاف فالطلب يكون على الشموع الذهبية أو البيضاء أو الوردية، أما إذا كان من يشتري اللوازم هم عائلة العريس فينبغي أن يكون لون الشمعة أزرق أو أبيض، وفيما يخص حفلات ختان الأطفال فإن ما يتم التركيز عليه عند الشراء هي الشموع قصيرة الحجم والزرقاء الفاتحة عادة ." وعلقت المتحدثة بأن الهدف من وراء إشعال هذه الشموع هو بث التفاؤل حتى تكون حياتهم المستقبلية منيرة ومشعة كإشعاع نور الشمعة". وإذا كانت الشمعة تدل على الفرح فإنها تسهم إلى حد كبير في إحداث جور رومنسي بين الحبيبين أو الزوجين، وفي هذا الإطار تحدثنا السيدة أشواق من بسكرة والتي التقيناها بالسوق قائلة "من عاداتنا لدى المتزوجين حديثا، وعند اقتراب موعد العشاء تعد الزوجة أو العروس طاولة للعشاء لزوجها على أضواء الشموع من أجل إحداث جو مفعم بالحب والشاعرية بينهما لأن الشمعة وحدها كفيلة بتوفير هذا الفضاء العاطفي". وأخذت اليوم الشموع أشكالا متنوعة لمن يحتفلون بأعياد ميلادهم، بحيث يمكن شراء الشموع وفقا لعمر المعني بالاحتفال، ناهيك عن انتشار الشموع بأنواع وأشكال عديدة بعضها تظهر في شكل لوحات فنية بألوان وروائح وأحجام مختلفة جعلتها من بين أجمل الهدايا التي يمكن تقديمها للاصدقاء والاحباب في المناسبات. على صعيد متصل لا تزال العائلات الجزائرية تحرص على بعض الطقوس عند زيارة الأولياء الصالحين، وهي إشعال الشموع بعد زيارة الولي مباشرة، وهو ما شهدناه عقب زيارتنا لضريح سيدي بعض الأولياء الصالحين الموجود في عدة ولايات ، حيث لا حظنا أن النسوة اللواتي قصدن الضريح وبعد انتهائهن من الدعاء والتبرك بالضريح من خلال لمسه يقمن بذَرّ الحناء وإشعال الشمعة، وعندما سألنا عن سبب إشعال الشموع كانت الأجوبة مختلفة فهناك من قلن إن الهدف من إشعال الشمعة هو تحقق ما تم طلبه، في حين ذهبت أخريات للقول "إن كل من يزور الضريح لا بد أن يهديه شيئا معينا بالذات لنشعره بأن له قيمة لدينا، وعليه فالشمعة خير هدية نوقدها له في ضريحه، ومن لا ترغب في إشعالها بالضريح تترك شمعتها وتحمل شمعة من الشموع الموجودة بالقرب من الضريح وتشعلها ببيتها وهي بمثابة البركة من عند سيدي عبد الرحمان"، إلا أن بعض النسوة الأخريات فسرن ذلك بقولهن "حتى يأخذ الله الحق في من دعونا عليه أو لأجله"، إلا أن التفسير الأقرب إلى الحقيقة هو ذلك الذي قدمه لنا أحد الرقاة الذي كان موجودا عند باب الضريح، والذي كان يرقي لبعض السيدات بعد انتهائهن من الزيارة حيث قال " في الماضي لم تكن الكهرباء موجودة لذا كانت النسوة عندما تأتين لزيارة الضريح تشعلن الشموع وتتركنها بعد الانتهاء من الزيارة حتى يظل المكان مضاء، ومنذ ذلك اليوم اعتمدها الخلف مثل العادة عند زيارة الضريح وأعطوها تفاسير مختلفة". كما لوحظ في الآونة الاخيرة أن بعض العائلات الجزائرية تقوم بإشعال الشموع وتضعها أمام رأس المتوفى، وحتى بعد أن ينقل إلى مثواه الأخير يتم الإبقاء عليها مضاءة في مكانه حتى تذوب، وحسب الآنسة سعاد" فإن إشعال الشموع على الميت ليس من عاداتنا، بل إنها دخيلة على مجتمعنا كونها واحدة من الطقوس التي يعتمدها اليهود والمجوس والنصارى الذين عرف عليهم الإكثار من استخدام الشموع حول موتاهم وحتى في كنائسهم" . ولعل ما بات يعرف عن الشمعة أيضا أنها أحد رموز التضامن والتكافل لهيبها يحرق كل حزن ونورها يضيء عتمة الظلام ، يتم إشعالها عند اندلاع الحروب كنوع من التعبير عن الحزن لصالح الدولة المحتلة أو التي وقعت تحت القصف كما يحدث اليوم في فلسطين من عدوان عليها، إذ يلجأ البعض إلى اطفاء النور وإشعال الشموع للدلالة على الحزن والألم والتعبير في نفس الوقت من خلال الشمعة أنه لابد أن يأتي الوقت الذي تشرق شمس الحرية على الأرض المحتلة مثل نور الشمعة. وقد اعتمدت كذلك الشمعة كواحدة من المواضيع الأساسية في الغناء للتعبير عن حالة نفسية معينة فتفنن بذلك الفنانون وكتاب الكلمات في كتابة الأغاني ولعل أشهر من تغنى بها هو الفنان المرحوم كمال مسعودي الذي قال في إحدى أغانيه " أنتي يا الشمعة واحد ما ادرالك بالقراح ... وأنتي فانية بدموعك هطيلة هطيلة .... أو كما قال مالي ومال الشمعة ما ضواتلي في الظلام ...