الحدث الثقافي في بلادنا حدث استثنائي دائما، حضور فادح بين غيابين. ويحدث أن يكون حدث ما مفصليا يسجل المستجدات. فهل الصالون الدولي للكتاب حدث ثقافي؟ يراه البعض مناسبة تجارية ويراه آخرون موعدا للقاء وهو في جوهره عملية تسويقية. علمية تسويقية خاصة بمرحلة تشبع السوق في بلد لم يحقق الاكتفاء وما زال يعاني فيه جهاز الإنتاج من ضعف هيكلي متأصل. بعد نهاية صالون الكتاب وهدوء الضجيج الذي أثاره، ماذا يمكننا أن نستخلص في عجالة؟ عدة ظواهر تستحق الالتفات في حقل الكتاب والكتابة والتأليف والنشر والقراءة وسلوك القراء ينبغي التنويه بها بكل موضوعية،فالصالون بما هو حدث تسويقي يهدف إلى إبراز الملامح الجديدة في الصناعة أو السوق، وإلى تجديد العلاقات بالمحيط نرى أنه تجاوز هذا إلى أهداف أخرى، لا ندري الأهداف الخاصة التي أرادها المنظمون، لكن الذي تبين لنا بكل موضوعية ما يلي: 1 - تشكل جمهور جديد للكتاب في كل تنوعاته ودخول الكتاب إلى حياة الناس بوصفه قيمة إيجابية في حد ذاته. ظهر ذلك من خلال تصرفات أجيال جديدة من الزوار يجدون متعة الحياة في بيئة الثقافة. كل الكتب في كل المجالات كانت محل اهتمام الشباب والأسر والأطفال. 2 - زوال الحدود و التراتبات بين الأصناف الثقافية فلم يعد الكتاب الديني أهم من الكتاب الأدبي ولا الكتاب المدرسي أهم من كتب الطبخ. تلك مرحلة جديدة يبدو أن القارئ توصل إليها بحكم التعود والمتابعة. يظهر هذا من ملاحظة سلوك الزوار الذين توزعوا على كل الأجنحة ولم يعد الإقبال خاصا على بعض الأجنحة كما كان يحدث في دورات سابقة؛ 3 -نشأة دور نشر جزائرية جديدة كثيرة تمارس المهنة بروح احترافية عالية وتعبر عن طموح نوعي يتجاوز تلك النزعة التجارية الضيقة التي طبعت مسيرة بعض الناشرين الذين استولوا على المجال بالدعم من البيروقراطية والاستحواذ على الفضاءات المتميزة دون تقديم جديد يذكر. ناشرون جدد يجمعون المعرفة والثقافة والالتزام بالوعي والطموح إلى التميز؛ 4 - ظهور جيل جديد من المؤلفين كسر احتكار الأسماء المكرسة واقتحم فضاء التسويق بكل طاقة وطموح. مؤلفون شباب تجدهم في مواقع دور النشر يوقعون مؤلفاتهم بكل ثقة تماشيا مع لعبة الاتصال والإعلام الجديد لا فرق بين القنوات التلفزيونية والصحف مع تميز شبكات التواصل الاجتماعي التي أخذت زمام المبادرة كاسرة احتكار الصحفي المحترف الذي فقد وظيفته فأصبح المؤلف أيضا ناشرا لصوره ومروجا لمنتوجه ؛ 5 في ما يخص الكتابة بحصر المعنى زالت الحدود بين الأنواع الكتابية الأدبية والعلمية والمذكرات والتاريخ والمؤلفات المنوعة فكل منها تجتذب جمهورا خاصا بها رغم وجود أسماء حظيت بنوع من الاحتكار الإعلامي تقف وراءها مؤسسات نافذة في الصالون وخارجه؛ 6 -اقتحام الشباب والمرأة لعالم الكتابة والتأليف والنشر بوجود دور تتميز بحضور اهتمامات جديدة توزع بين الكتاب المتخصص والكتاب الأدبي والمنشورات الموجهة للطفل أو المرأة أو البيت والأسرة. فالكتابة تتوسع إلى فئات اجتماعية حاملة لقيم الحياة وملتزمة بالتطور ولا يقتصر هدفها على الربح التجاري. تلك حقائق ينبغي التنويه بها لكن هناك بعض العادات السيئة التي طبعت سلوك المنظمين طيلة الدورات السابقة وتكاد تصبح عاهة مستديمة مثل التركيز على أسماء بعينها وأنواع تعبيرية بعينها وتفضيل الأجانب والمهاجرين على الكتاب المقيمين بالجزائر. لعل نضج التنظيم في الدورات القادمة يكون كفيلا بعلاجها. كان لا بد لي أن أكون شبحا في مكان قصيّ.. لا تراني العيون.. وأرى كل شيّ.. أفتح القلب كي يقرأ الآخرون.. وتنطبق الصفحات عليّ..