العلاقة بين إفريقيا و فرنسا , علاقة نسيجية بامتياز , سداها القوة العسكرية و النفوذ السياسي و الهيمنة الاقتصادية و المالية و اللغوية الثقافية , و لحمتها العبودية فالاستعمار المباشر ثم غير المباشر . و لذا لا يمكن معرفة أي الطرفين يحتاج إلى المساعدة لفك هذه العلاقة التي اصبحت محل معارضة من طرف حركات عالمية مناهضة لما تسميه "فرانسأفريك" , و تسهر على تنظيم تظاهرات و قمم موازية للقمم الأفريقية الفرنسية الرسمية , كتلك المنعقدة في باماكو يومين قبل القمة الرسمية بمبادرة من تجمع لمنظمات إفريقية غير حكومية تنشط تحت شعار "لنقلب الصفحة" . و قد توجت التظاهرة ببيان ينتقد السياسية الفرنسية عامة وسياسة الرئيس فرانسوا هولاند تجاه إفريقيا بحجة منحه الأولوية للقضايا الأمنية على حساب تشجيع الديمقراطية في إفريقيا .و ترى الحركات المناهضة للسياسة الفرنسية في إفريقيا , أن القمة الأفريقية الفرنسية , تجاوزها الزمن لأنها لا تأخذ في الحسبان واقع الشعوب الأفريقية , و أن الكثير من بعض المشاركين فيها , يفتقدون إلى الشرعية و يستمرون في الحكم بتواطؤ من الشركات المتعددة الجنسيات في ظل انتشار الفساد و التهرب الجبائي الجماعي على حساب المواطن البسيط . و حسب تقرير نشرته ذات الحركة قبيل انعقاد القمة الفرنسية الإفريقية , فإن الأموال المحولة من دول إفريقيا جنوب الصحراء سنة 2013 دون إخضاعها للرسوم قدرت ب74 مليار دولار أي ما يعادل مجموع المساعدات الدولية لصالح الاستثمارات الأجنبية المقدمة لهذه الدول عبر القنوات الرسمية . و يكشف التقرير بشكل مباشر عدم نشر معظم العقود البترولية الموقعة بعدد من الدول الإفريقية و الضبابية التي تميز عقودا منجمية مبرمة مع شركات فرنسية . و يطالب التقرير الدول الإفريقية إلى المبادرة بالدعوة إلى مراجعة المعاهدات الجبائية السارية المفعول و الكف عن التوقيع التلقائي على النصوص المقترحة عليهم . و اوصى التقرير بضرورة تحديد التحفيزات الجبائية المعمول بها في كل بلد إفريقي و تقيدها في الموازنة السنوية و عرضها للمصادقة من طرف البرلمان ... و بباريس العاصمة الفرنسية , عقدت جمعية تسمى "سيرفي"لقاء في نفس الاتجاه يوم 12جانفي الجاري لاستعراض نقدي لحصيلة السياسة الفرنسية في إفريقيا و سياسية الهجرة , وتم بالمناسبة عرض تقرير الجمعية تحت عنوان "خمسة حروب من أجل أمبراطورية .التدخلات العسكرية الفرنسية في إفريقيا بين 2011 و 2016"و هو عنوان يكشف عن محتواه الممتد على 32 صفحة , كلها انتقاد للتدخلات العسكرية الفرنسية في ليبيا , و مالي و إفريقيا الوسطى و تواجدها العسكري في بوركينافاسو و النيجر و غيرها دون نتائج ملموسة في استعادة الأمن و الاستقرار . و قد جاء الاعتداء الدامي الذي تعرض له تجمع للجيش بمدينة غاو شمال مالي و أودى بحياة 80 جنديا و جرح أكثر من مائة آخرين أسبوعا بعد انعقاد القمة الإفريقية الفرنسية , ليعطي مصداقية لهذه الانتقادات المصوبة ضد الدور العسكري لفرنسا في القارة السمراء , مرشح للاستمرار , ليس لضمان أمن إفريقيا و شعوبها , وإنما لمنع وصول الإرهاب إلى فرنسا و الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين نحوها . من جهة أخرى عرفت عدة دول إفريقية غرب ووسط القارة , و حتى عواصم غربية يوم السابع جانفي الجاري , احتجاجات غاضبة لنقل رسالة إلى المشاركين في قمة باماكو , تعبر عن استيائهم من العملة التي ورثتها دولهم عن فرنسا الاستعمارية , المتمثل في الفرنك الإفريقي و التي يطالب الأفارقة المحتجين إلغاءها و استبدالها بعملات وطنية تحقق السيادة المالية و الاستقلالية النقدية . غير أن هذه القضية لا تدرج في جدول أعمال القمة الفرنسية الأفريقية , و يعلل المناوئون لهذه العملة من الأفارقة , بحرص فرنسا على مواصلة مراقبة اقتصاديات بعض الدول الإفريقية المعنية المرتبطة بفرنسا في هذا الشأن . و يتهم المناهضون للسياسة الفرنسية , الفرنك الافريقي الذي يعتبرونه عملة "الاستعمار الجديد " , بإفقار الدول الإفريقية (14) المتعاملة به , و ينعتون استمرار تداوله بالعار. و حتى على المستوى التنموي , يبقى دور فرنسا هامشيا مقارنة باحتياجات القارة , الأرقام المقدمة ما هي إلا المساعدات التي تتولى وكالات و بنوك و شركات فرنسية مقيمة في إفريقيا استثمارها , و التي يجني منافعها الاقتصاد الفرنسي , و بالنسبة لسنة 2015 على سبيل المثال , يذكر الخبراء , أن فرنسا أنفقت 650 مليون دولار على التدخلات العسكرية في القارة السمراء , مقابل 240 مليون دولار مخصصة للتنمية , أو بالأحرى لإنشاء المزيد من الأسواق لتصريف المنتجات والسلع الفرنسية المصنعة، والحصول على مواد أولية لتنمية الصناعات الفرنسية إذ ما زالت فرنسا المستورد الأول للمواد الخام والمصدر الأول للسلع المصنعة في بعض الدول الفرانكفونية. و تسعى فرنسا في جانب آخر من علاقاتها بإفريقيا إلى تحويل الفرانكفونية من تجمع ثقافي إلى حركة سياسية لإنشاء تجمع سياسي فرانكفوني في أفريقيا له صوت سياسي يؤخذ به في الساحة الدولية و ذلك. بالاعتماد على اللغة الفرنسية السائدة في دول غرب ووسط القارة، والمؤسسات التعليمية والمراكز الثقافية المنتشرة في الأرجاء المختلفة للقارة بالإضافة إلى إطار المنظمة الفرانكفونية التي تضم كل الدول الناطقة بالفرنسية ومنها الدول الأفريقية والتي توسعت لتضم دولاً غير فرانكفونية. غير أن كل هذه الأدوات , لم تمنع من توسع الحركات المناهضة للنفوذ الفرنسي في إفريقيا , مستغلة الفشل الذي منيت به السياسة الفرنسية في القارة الأفريقية , لا سيما بعد ظهور بدائل قادرة على المنافسة , مثل الصين و الهند و الولاياتالمتحدةالأمريكية . و تزايد وعي الأفارقة بأن ما لم يمنحه الاستعمار المباشر , لن يقدمه الاستعمار غير المباشر .