تجمَع الحتمية بين المصالح الفرنسية و الأمريكية في إطار ما يعرف باستراتيجيات القوى الكبرى التي لا تزال فرنسا متشبثة بالانتماء إليها رغم التراجع النسبي في جيواستراتيجية باريس لصالح قوى أخرى ناشئة. و لكن رغم هذه الحتمية التي يفرضها التكتل العالمي و الانتماء إلى نفس المنظومات الدفاعية والإستراتيجية فإنّ التنافس بين الدولتين يصل حدّ الصراع في البؤر التي تجد كلُّ واحدة مصالحها فيها و يصل الصراع المحموم على القارة الإفريقية حدّ الحرب التي لم تعد باردة بل استراتيجية بامتياز لا تُدار بالأسلحة الفتّاكة بل بقواعد لعبة جديدة غالبا ما تستمد قوّتها في التقرب من الأنظمة الافريفية و غض الطرف عن الأنظمة الشمولية رغم الضوضاء الذي تحدثه هاتان الدولتان حول الديمقراطية و حقوق الانسان و ما إلى ذلك من الخطب الكلامية لأن مصالحهما أكبر من الاهتمام بمآسي افريقيا التي تذر الموارد الطبيعية و توفر أسواق تذقيق المواد المصنعة التي غالبا ما تخرج من أرض افريقيا في شكل مواد خام و تعود إليها في تعليب جديد. و رغم العامل التاريخي الذي تستعين به فرنسا في تحقيق المزيد من المكتسبات في افريقيا في جميع المجالات و استعانتها بالموروث الفركوفوني فالولاياتالمتحدة ترى في هذه العوامل أمرا تجاوزته الأحداث و تطلعات الشعوب الافريقية أو على الأقل أنظمتها و بالتالي فإنّ الولاياتالمتحدة تجادل بالبراغماتية في حين غالبا ما تنحاز فرنسا إلى الأنظمة و الامثلة في تاريخ علاقة باريس بأفريقيا كثيرة أو تتجه إلى سياسة النعامة بدفن رأسها في الرماد إلى حين ذهاب نظام و مجيء آخر تعمل على تحقيق النفوذ لديه أو تسهر على انقلابات و تواكب و ترافق الانقلابيين إلى حين وصولهم و تستحوذ معهم على الكعكة و هي ترى أن نفوذها يتراجع لصالح الولاياتالمتحدة و الصين . و ما انعقاد القمة الفرنكفونية في كل سنة حيث يجمع الرئيس الفرنسي حوله حوالي 50 حاكما افريقيا إلّا دليل فرنسي على احكام الشنزيليزي على افريقيا و هذا التجمع تفطنت له الولاياتالمتحدةالأمريكية التي صارت تعقد قمة سنوية مع افريقيا في كل مناسبة أو مرة في السنة من أجل محاولة ضرب النفوذ الفرنسي و توطيد السيطرة الأمريكية في القارة السمراء على جميع الأصعدة و ما وجود الأفريكوم إلّا دليل على الرغبة الأمريكية في التوغل حيث المصالح و المواد الطبيعية الخام و السوق الكبير و اليد العاملة التي لا تتطلب كثيرا . لقد كانت الجولة التي قام بها بيل كلينتون إلى افريقيا الأولى التي تقود رئيسا أمريكيا إلى القارة منذ عشرين سنة ، و تهدف السياسة الامريكية إلى الوصول إلى مناطق التعدين والمواد الخام وفتح الأسواق أمام حركة التجارة والاستثمارات الأميركية ومع ذلك ، فإن المتغيرات الدولية التي سارت باتجاه العولمة الأميركية أدت إلى إعادة توجيه السياسة الأميركية نحو أفريقيا عبر التركيز على دبلوماسية التجارة كأداة للاختراق ومنذ العام 1998 اتضحت ملامح هذه السياسة ، حيث سعت إدارة كلينتون آنذاك إلى تأسيس شراكة أميركية أفريقية جديدة ، على أن رفع شعار اندماج أفريقيا في الاقتصاد العالمي لن يكفي وحده لإنهاء عمليات تهميش القارة الإفريقية ولذلك فإن السياسة الأفريقية للولايات المتحدة تعتمد على التركيز على مناطق إقليمية معينة واختيار دولة أو أكثر تمارس دور القيادة و طرح قضايا معينة ووضعها على قائمة السياسة الأفريقية للولايات المتحدة مثل الإرهاب والتطرف وتدفق المخدرات والجريمة الدولية وحماية البيئة وحقوق المرأة الأفريقية. أضف إلى ذلك المحافظة على الأمن والاستقرار عن طريق إنشاء قوة أفريقية لمواجهة الأزمات والعمل على محاصرة النظم غير الموالية والتي تدعم التطرف والإرهاب من وجهة النظر الأميركية مثلما هو الحال مع السودان دون نسيان تأمين وتعزيز فرص الاستثمار والتجارة في المنطقة وهو ما يؤكد عليه مبدأ التجارة بدلا من المساعدات ومن الملاحظ أن الولاياتالمتحدة قد تركت لفرنسا ولعقود طويلة إبان الحرب الباردة المجال في أفريقيا للقيام بمهمة الشرطي. وتحاول فرنسا اليوم إيجاد صيغة جديدة للشراكة مع أفريقيا لكي تخرج من الموقف المعقد الذي وصفه وزير التعاون الدولي الفرنسي بأن "فرنسا توفر معظم المساعدات وتحصل أميركا على معظم الفوائد الاقتصادية " في المقابل تظهر فرنسا كمنافس قوي للولايات المتحدة في إفريقيا و أيا كان الأمر فإن السياسة الأفريقية لفرنسا شأنها شأن السياسة الأفريقية للولايات المتحدة قد شهدت تغيرات وتحولات راديكالية وهو ما أكده الرئيس جاك شيراك عام1997 حينما أشار إلى عزم بلاده على عدم التدخل عسكريا أو سياسيا في الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية و اشتمل التغير في توجهات السياسة الفرنسية تجاه أفريقيا على سعى فرنسا إلى توسيع دائرة علاقاتها السياسية والتجارية لتشمل باقي دول القارة أي أن حل مساعداتها المالية لن يقتصر على مستعمراتها السابقة إنما تستهدف باقي دول القارة و من أجل أن تظهر فرنسا نيتها في التخلي عن دورها العسكري أغلقت قاعدتين عسكريتين في جمهورية أفريقيا الوسطى والتي انطلقت فرنسا عن طريقهما للتدخل في العديد من المواقف والأزمات التي شهدتها مستعمراتها السابقة لكن ماذا عن التدخل في الشأن المالي بالعتاد و الذخيرة ؟؟ ويبدو أن التوجهات الجديدة لكل من الولاياتالمتحدةوفرنسا إزاء أفريقيا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة قد أبرزت ولو من طرف خفي تنافسا حقيقيا بين البلدين.. كما أن الدور الأميركي في إعادة رسم خريطة التوازن الإقليمي بمنطقة البحيرات العظمى لا يتفق مع المصالح الفرنسية ، ومع ذلك فإن ثمة قدرا من التعاون والتنسيق بين الأطراف الأوروبية والأميركية في مواقفها تجاه قضايا أفريقيا. ف ش
الدرس الأمريكي للقادة الأفارقة ( قمّة واشنطن-افريقيا)