تعتبر ظاهرة العنف ضد المرأة أبشع طريقة لإنتهاك حقوق الإنسان عامة وحقوقها خاصة، الأمر الذي يتطلب إنصافها فبدونها ينقرض العالم بأسره، إذ ومع مطلع القرن الواحد والعشرين ومع كلّ ما حققه الإنسان من التقدم الهائل على مستوى كافة الأصعدة والمجالات الحياتية، ومع ما يعيشه إنسان اليوم في عصر الحداثة والعولمة، لم يستطع هذا التقدم أن يهدي إلى البشرية جمعاء السلام والمحبة والألفة، وتبقى هناك الكثير من مظاهر الهمجية والجاهلية الحاكمة في العصور الغابرة عالقة ومترسخة في النفس البشرية، وظاهرة العنف عامة من هذا النوع الذي يحمل هذا الطابع، ويهدد المنجزات التي حققها الإنسان خلال السنوات الماضية، والأسوأ من ذلك كلّه عندما يتعدى ويمتد هذا العنف إلى الفئات الضعيفة في المجتمع كالمرأة مثلا. فهذا النّوع من العنف يشمل السب، الشتم، الضرب وكذا القتل فضلا عن الإعتداء الذي يأتي من طرف رجل أو مؤسسة أو نظام أو حتّى من طرف إمرأة من أجل إخضاعها والتسلط عليها. وهذا المصطلح يستخدم بشكل عام للإشارة إلى أي أفعال عنيفة تمارس بشكل متعمد أو بشكل إستثنائي اتجاه النساء. وهناك من يعتقد أن العنف هو لغة التخاطب الأخيرة الممكن إستعمالها مع الآخرين حين يحس المرء بالعجز عن إيصال صوته بوسائل الحوار العادي، ولكنه يأتي مع المرأة اللّغة الأولى للتخاطب معها، كما يستخدمه البعض وكأنّ الآخر لا يملك لغة أخرى لإستعمالها، ليجعل من هذا العنف كابوسا يخيّم على وجودها، ليشل حركتها، وطاقاتها ويجعلها أطلالا من الكآبة والحزن والخضوع. وفي ذات السياق يعتقد بعض الخبراء أن تاريخ العنف ضد المرأة يرتبط بتاريخ النساء، حيث كان يتم إعتبارهن كتابع أو ملكية للرجال. أسباب الظاهرة ومن العوامل المساهمة في تنامي ظاهرة العنف ضد المرأة نذكر أوّلا الجهل، وعدم معرفة كيفية التعامل مع الآخر وعدم احترامه، وهذا الجهل قد يكون من الطرفين المرأة والشخص المعنف لها، فجهل المرأة بحقوقها وواجباتها من جهة وجهل الآخر بهذه الحقوق من جهة أخرى قد يؤدي الى التجاوز والتعدي على الحدود. أما ثاني سبب فيتمثل في أنّ المرأة تعتبر نفسها أحد العوامل الرئيسية لبعض أنواع العنف والإضطهاد، وذلك لتقبلها له واعتبار التسامح والخضوع أو السكوت عليه كرد فعل ذلك، مما يجعل الآخر يأخذ في التمادي والتجرأ أكثر فأكثر، وقد تتجلى هذه الحالة أكثر عند فقدان المرأة للإنسان الذي تلجأ إليه ومن يقوم بحمايتها، أما السبب الثالث فيتجلى في العامل التربوي فقد تكون أسس التربية العنيفة التي نشأ عليها الفرد هي التي تولد لديه العنف وتجعله ضحية له، حيث تشكل لديه شخصية ضعيفة وتائهة وغير واثقة، وهذا ما يؤدي إلى تحوّل هذا الضعف في المستقبل إلى العنف، ويستقوي صاحبه على الأضعف منه وهي المرأة، وكما هو معروف أنّ العنف يولد العنف، وقد يكون الفرد كذلك شاهد عيان للعنف كالذي يوجه للأمهات من قبل الآباء، بحيث ينشأ على عدم احترام المرأة وتقديرها واستصغارها. أما السبب الرابع فيتمثل في العادات والتقاليد حيث هناك أفكار وتقاليد متجذرة في ثقافات الكثيرين التي تحمل في طياتها الرؤية الجاهلية لتمييز الذكر عن الأنثى، مما يؤدي ذلك إلى تصغير الأنثى ودورها، وفي المقابل تكبير الذكر ودوره، حيث يعطى الحق دائما للمجتمع الذكوري، للهيمنة وممارسة العنف على الأنثى منذ الصغر، وتعويد الأنثى على تحمل ذلك وتقبله. كما تعتبر المشكلات البينية هي الأخرى دافعا لإستخدام العنف ضد المرأة والمتمثلة في الإزدحام، ضعف الخدمات، معضلة السكن وارتفاع عدد السكان.. إلى غير ذلك بحيث تساهم هذه العوامل في احباط الفرد كونها تقف أمامه كحجر العثرة لتحقيق ذاته والنجاح فيها. فذلك يدفعه دفعا نحو العنف ليؤدي الى إنفجاره إلى من هو أضعف منه كالمرأة مثلا. أما السبب السادس فهو اقتصادي محض فالخلل المادي الذي يواجهه الفرد أو الأسرة، والتضخم الإقتصادي الذي ينعكس على المستوى المعيشي يجعل الفرد عنيفا ويصب كلّ غضبه على المرأة. بالإضافة الى ذلك يعتبر الرجل في غالب الأحيان هو المتكلف بالنفقة الإقتصادية على المرأة، فهنا يلجأ الى تعنيفها وذلك عبر إذلالها وتصغيرها، وبالتالي وفي هذه الحالة تقبل المرأة بهذا السلوك إتجاهها كونها لا تستطيع إعانة نفسها وأولادها. فالمرأة هي الأم التي تستحق أن تكون كلّ أيامها أعيادا، وهي الزوجة التي بدونها لا تكون الأسرة، ولا يكون المجتمع، وهي الأخت الحنون والإبنة التي تزين البيت، وهي كذلك زميلة العمل، التي تشارك الرجل في بناء المؤسسات وبناء الوطن، والمرأة هي نصف المجتمع العالمي، وإننا نؤمن بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وجاء الدين ليعطي للمرأة التكريم اللائق لها كشريك كامل للرجل، فاللّه لا يفرق بين الرجال والنساء لأنّه الحق والعدل. أرقام مخيفة وفي الوقت الذي تحتفل به المرأة بعيدها العالمي المصادف ل 08 مارس من كل سنة، لا تزال هناك فئة من النساء تعانين من ظاهرة العنف ضدهن سواء من طرف آبائهن أزواجهن، أشقائهنّ، إخوتهن، أو في فضاء العمل .. إلى غير ذلك من الأطراف التي تساعد على إضطهاد وقهر المرأة في زمن الديمقراطية. وولاية وهران وكنموذج عن إستفحال ظاهرة العنف ضد المرأة عبر العالم، تجمع أرقاما مقلقة جدا حول هذه الواقعة المخيفة، التي تنخر أركان المجتمع وفي ذات الشأن أكدت مصادر مسؤولة من مديرية النشاط الإجتماعي أنّه منذ سنة 2009 وإلى غاية يومنا هذا تمّ تسجيل أرقام مذهلة فيما يخص اضطهاد المرأة سواء تعلّق الأمر بالنساء المعنقات، المطلقات، الأرامل أو حتى الأمهات العازبات وكذا المتشردات ويبلغ هذا الرقم (19.002) حالة، وفي هذا الشأن إستقبلت الهيئات المختصة منذ الفاتح جانفي 2011، إلى غاية يومنا هذا 999 إمرأة سواء من طرف الإسعاف الإجتماعي، مكتب الإدماج الإجتماعي ومتابعة الشباب في الوسط المفتوح، فضلا عن الخليتين الإستعجالية الإجتماعية وكذا الصحية أما عن النساء المطلقات المتواجدات في حالة إجتماعية صعبة فقد أحصت مصادرنا 27 حالة منذ الفاتح جانفي إلى غاية 28 فيفري الفارط، كما تم تسجيل 14.527 إمرأة أرملة تكفلت بهنّ مديرية النشاط الإجتماعي منذ سنة 2009 إلى غاية يومنا هذا. فيما قدر عدد النساء المتشردات اللواتي خرجن من بيتهن العائلي أو تمّ طردهن من طرف الأهل 362 إمرأة منذ عام 2009 كذلك سجلت ولاية وهران 2980 أما عازبة حسبما تمّ إستقاؤه من الحركة الجمعوية، مديرية الصحة للولاية، فضلا عن مديرية النشاط الإجتماعي، فالأمهات العازبات ظاهرة تؤرق المجتمع، فهنّ أمهات لهّن أبناء بدون آباء، وإن صحّ القول أمهات بدون زواج نتيجة لإغتصاب أو ربط علاقة خارج الإطار المشروع أو غير ذلك.. علما أن الفقر يعد من الدوافع الأساسية التي تؤدي إلى هذه الظاهرة، زيادة الى غياب الوازع الديني وكذا انعدام ثقافة العيب والخجل وفي هذا الشأن تكفلت مديرية النشاط الإجتماعي ب 85 امرأة عازبة خلال سنتيم 2010 و2011 فضلا عن 22 أخرى في 2009. وعن النساء المعنفات فقد إستقبل مكتب الإدماج الإجتماعي ومتابعة الشباب في الوسط المفتوح التابع لمديرية النشاط الإجتماعي خلال شهر ديسمبر المنصرم، 03 نساء معنّفات من بينهن فتاة تعرضت للعنف من طرف أهلها الذين أجبروها على ضرورة التخلي عن إبنها غير الشرعي، فضلاعن أخرى تعرضت للضرب من طرف أخيها غير الشقيق وكذا زوجته. أما خلال شهر أكتوبر فقد تمّ إستقبال 5 معنفات من بينهن قاصر تعرضت للإغتصاب، فضلا عن تعرض أخرى تبلغ من العمر 14 سنة للضرب من طرف الخال المدمن على شرب الكحول، الذي أوقف هذه القاصر عن الدراسة زيادة على عنف آخر تعرّضت له فتاة تبلغ من العمر 24 سنة ما جعلها تفقد جنينها، وفي شهر جانفي استقبل ذات الهيكل 3 نساء معنّفات منهن سيدة تعرضت للعنف من طرف الزوج بمختلف أشكاله (الضرب، الشتم وكذا السب) وقد تمّ التكفل بهذه الأخيرة نفسيا لكونها تعاني من مرض عصبي وهي تحت المتابعة والعلاج الكيميائي حاليا، كما تعرّضت إمرأة أخرى لعنف جسدي من طرف الزوج. حلول ضرورية وللعلم أن هذه الفئة من المجتمع تتكفل بها 158 مختص تابعا لمديرية النشاط الإجتماعي بمن فيهم 37 مختصا في علم النفس، 06 مساعدين اجتماعيين، 08 حقوقيين، 03 مختصين في علم الإجتماع، فضلا عن 06 أطباء، ناهيك عن اطارات أخرى يقدر ب 98 إطارا. وبما أن ظاهرة العنف ضد المرأة قديمة وكبيرة الإتساع منذ أن كانت في العصر الجاهلي تباع وتشترى، وتوأد في التراب وهي حية، فبطبيعة الحال لا يكون حل هذه الظاهرة أو علاجها سهلا، وإنّما ينبغي القضاء عليها تدريجيا بالرجوع إلى القانون الإلاهي والشريعة الإسلامية التي تعطي للمرأة كامل حقوقها وعزتها وكرامتها، كما تنظر إليها كإنسانة لها ما للرّجل وعليها ما عليه بالإضافة إلى التوعية الإجتماعية سواء كان ذلك في المجتمع الأنثوي أو في المجتمع العام، ولابد من معرفة المرأة لحقوقها وكيفية الدفاع عنها، ومن جهة أخرى نشر هذه التوعية في الوسط الذكوري أيضا، من خلال نشر ثقافة احترام وتقدير المرأة التي تشكل غالبية المجتمع ناهيك عن ضرورة إنشاء المؤسسات التي تقوم بتعليم الأزواج الجدد على كيفية التعامل الصحيح مع بعضهما البعض ومراعاة حقوقهما المتبادلة تجاه الآخر. وبالتالي يبقى الإحتفال بعيد المرأة قائما عبر العالم منذ عام 1977، عندما أصدرت المنظمة الدولية قرارا يدعو دول العالم إلى إعتماد يوم من السنة يختارونه للإحتفال بالمرأة فقررت غالبية الدول الثامن من مارس، وتحوّل ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة، كما أنّ الأممالمتحدة أصدرت قرارا دوليا في سنة 1993 ينص على اعتبار حقوق المرأة جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان. وفي الأخير يبقى على الجهات الوصية النظر في الدوافع التي جعلت بعض النسوة تعشن الإضطهاد والقسوة، فضلاعن وضع حدّ لظاهرة العنف ضدها. وهذا ما يساعد على إعادة الإعتبار لها كونها هي الأم والأخت والإبنة التي لا حياة من دونها وبدونها.