تتمثل الهيمنة الأمريكية اليوم من خلال تحويل اللغة الإنجليزية باللهجة الأمريكية إلى لغة وحيدة لعولمة وسائل الاتصال والتبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية، وهو ما أشار إليه كتاب البريطاني «كريستال» "اللغة الإنكليزية لغة العولمة" وكتابه "موت اللغات"، حيث أشار إلى أنه في الوقت نفسه الذي يتسع فيه استخدام اللغة الإنكليزية تنقرض كل أسبوعين لغة من اللغات النادرة في العالم، وأشار بعض المتخصصين إلى أن أكثر اللغات جماهيرية على الكرة الأرضية ليست اللغة الإنجليزية بل اللغة الصينية التي يتحدث بها أكثر من 1.4 مليار إنسان، ولكنهم جميعاً خلف سور الصين العظيم وفي جنوب شرق آسيا وفي الأحياء الصينية المنتشرة في بعض بلدان العالم، عكس اللغة الإنجليزية التي يتحدث بها الجميع في كل مكان حتى أن الصين ألزمت مدارسها الابتدائية بتعليم اللغة الإنجليزية، ويتعلمها هناك في الوقت الحاضر عشرات الملايين من الصينيين الصغار والشباب والكبار، مما دفع بالكثيرين في الولاياتالمتحدةالأمريكية لاعتبار العولمة على الطريقة الأمريكية الطريق لوضع البشرية في خدمة المصالح الأمريكية والشعب الأمريكي الذي اختاره الله؟ أما خطر تعميق الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة في العالم فيتمثل بالتفاعل الذي لا يؤدي إلى تسوية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للإنسانية، بل على العكس يؤدي إلى تعميق الهوة بين الأغنياء والفقراء، والهوة تلك موجودة فعلاً داخل أكثر دول العالم وحتى داخل الدول الغنية ففي الوقت الذي يعاني فيه أكثر من 3 مليار إنسان من سوء التغذية، نرى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تنفق أكثر من 100 مليار دولار أمريكي في السنة لمكافحة أمراض التخمة التي يعاني منها مواطنيها، في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من 1.3 مليار إنسان على أقل من دولار واحد في اليوم، ووجود أكثر من مليار إنسان متعطلين عن العمل، وهو ما يعمق الآثار السلبية للعولمة وأشار إليها حتى التقرير الذي تعده منظمة الأممالمتحدة عن "تأثير العولمة على التطور الاجتماعي"، حيث قدر المتخصصين العاملين على إعداده بأنه لا أمل خلال السنوات ال50 القادمة للتقريب بين الدول الفقيرة والغنية من حيث مستوى الدخل وهو ما ينذر باشتداد المواجهة بينهما، أما خطر اتساع ظاهرة إضعاف دور الدولة القومية وعولمة الإرهاب والتضييق على الثقافات واللغات القومية ومحاولة القضاء عليها وغيرها من الظواهر فيتمثل بنمو وانتشار الجريمة المنظمة متعددة القوميات والتي تنمو سنوياً بمعدل 5 % في الوقت الذي يبلغ فيه معدل نمو سكان العالم 1 %، وأشارت بعض المصادر إلى نمو الجريمة المنظمة الدولية بمعدل 4 مرات خلال السنوات العشر الأخيرة، وأن 450 مليون جريمة سجلت في عام 2001، وأدت العولمة إلى فتح الحدود أمام تدفق الأموال والمعلومات وملايين الناس، مما ساعد على نمو الجريمة متعددة القوميات وأدت بدورها إلى تسارع نمو نوعين من الجريمة وهي: التجارة العالمية للمخدرات ليزيد عدد المدمنين على المخدرات في العالم حتى ال180 مليون مدمناً وليبلغ حجم تجارة المخدرات 800 مليار دولار أمريكي مع اتساع جرائم أخرى كغسيل الأموال، حيث أشارت معطيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى غسل 1.5 تريليون دولار أمريكي سنوياً في العالم وهذا يعادل 5 % من الدخل العالمي، ولا أحد ينكر أن العولمة ساعدت على انتشار الإرهاب الدولي الذي تحول بالتدريج إلى ظاهرة عالمية يحاول البعض وبإصرار ربطها بالعالم الإسلامي قبل وبعد الأعمال الإرهابية التي جرت في الولاياتالمتحدةالأمريكية في 11 سبتمبر2001 وأعقبتها أعمالاً إرهابية شملت الكثير من دول العالم كإسبانيا وبريطانيا وروسيا ومصر والمملكة العربية السعودية وتركيا وإندونيسيا وباكستان والهند وسورية والأردن وغيرها من دول العالم وكلها تثبت العلاقة بين الإرهاب والعولمة، مما دفع بالملتقى الدولي الذي عقد في كرواتيا خلال شهر نوفمبر عام 2002 لمناقشة مشاكل الدبلوماسية العلنية ووسائل الإعلام الجماهيرية والإرهاب وتكرار ذلك من خلال المناقشات التي دارت أكثر من مرة وأظهرت حقيقة جديدة مفادها أنه لو لا عولمة البث التلفزيوني لما كان الإرهاب، لأن الهدف الرئيسي للإرهاب كما أشار البعض ليس قتل بضع مئات أو حتى آلاف الناس، بل إخافة ملايين البشر ولنكون أكثر دقة دب الخوف في قلوب 2 مليار مشاهد تلفزيوني تقريباً في كل دول العالم يشاهدون عادة الأخبار الرئيسية التي يبثها التلفزيون، هذا إن لم نشر إلى دخول المنظمات الإرهابية والجريمة المنظمة نفسها عالم استخدام وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية لتصعيد مشكلة الإرهاب في عالم اليوم أي عولمة هذا الشر عبر وسائل الاتصال الجماهيرية الإلكترونية الحديثة. الثورة المعلوماتية تعتبر ثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية التي بدأت أولى خطواتها مع غزو الإنسان للفضاء الكوني بعد إطلاق الاتحاد السوفييتي السابق لأول قمر صناعي تابع للأرض عام 1957 لتصبح تلك الخطوة من القوى الرئيسية الدافعة للعولمة، تتمة لمراحل النجاحات الاقتصادية في تاريخ البشرية منذ الثورة الصناعية التي لم نزل نعيش نجاحاتها كل يوم، إلى أن أحدثت اكتشافات ثورية في مجال الاتصالات والمعلوماتية فاقت بقدراتها اختراع التلغراف في أواسط القرن ال19 واختراع التلفون السلكي والراديو والسينماغراف في نهاية القرن ال19، ليجيء بعدها اختراع التلفزيون الذي أصبح شعار القرن ال20 للعمل على التطوير النوعي والكمي لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وهكذا تمكنت البشرية مع نهاية القرن ال20 من امتلاك أكثر من 2.5 مليار جهاز استقبال إذاعي وأكثر من 2 مليار جهاز استقبال تلفزيوني وأكثر من 10 آلاف صحيفة يومية، وأخذ العالم بالفعل بالتحول حسبما توقع «ماكلوهين» إلى "قرية عالمية"، وأصبح كل سكان العالم تقريباً يتلقونً في الوقت نفسه المعلومة نفسها، حتى تمكن 3.6 مليار مشاهد في الوقت نفسه من مشاهدة افتتاح الألعاب الأولمبية في سيدني عام 2000 والهجمات الإرهابية على الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 2001 عبر شاشات التلفزيون، وهذا الرقم يمثل عملياً كل البالغين من سكان الأرض، وحتى أن حوالي 2 مليار مشاهد من محبي كرة القدم أصبح بإمكانهم متابعة نهائيات كأس العالم بكرة القدم من مختلف عواصم العالم. وتدريجياً تحسنت نوعية المصادر المعلوماتية ووسائل نقل المعلومات وحفظها واسترجاعها، وشهدت الحقبة الأخيرة من القرن ال20 ولادة عشرات شبكات البث التلفزيوني الدولية كشبكة «سي إن إن» العالمية وغيرها، وشهدت ولوج شبكة الانترنيت العالمية حيز الاستخدام الفعلي واسع النطاق، وتحول البث التلفزيوني إلى أداة من أدوات العولمة، وأصبحت شبكة الانترنيت العالمية أشد تأثيراً في عالم اليوم، وبعد أن كان عدد مستخدمي شبكة الإنترنيت في العالم عام 1993 حوالي 90 ألف مستخدم قفز هذا الرقم ليصبح 580 مليون مستخدم في عام 2004 ليتنبأ البعض بأن يصل هذا الرقم إلى مليار خلال العقد الأول من القرن ال21، وهذا النمو السريع لم تشهده أية وسيلة اتصال وإعلام جماهيرية في تاريخ الإنسانية أبداً، واتجه التفاؤل نحو وسائل الاتصال الجماهيرية بعد أن أصبح عدد الهواتف المحمولة يقدر بحوالي 800 مليون جهاز في العالم، إضافة لمئات ملايين الهواتف العادية وكلها متصلة بشبكة الانترنيت عملياً، ومع اتساع استخدام وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية لوسائل النشر الإلكترونية الحديثة، مثل شبكة الانترنيت زاد إلى حد كبير إشباع الإنسان أينما وجد بالمعلومات وهو ما أصطلح على تسميته بمجتمع المعلومات أي دخول المعلومات والمعرفة عصر العولمة، الأمر الذي ضاعف كمية المعارف الإنسانية في سبعينات القرن ال20، ولم تزل تلك الزيادة مستمرة حتى اليوم ويطالب البعض بالقيام بعمليات كثيرة من أجل تحقيق المهام المتعلقة بنشاطات الإنسانية، الاقتصادية، العلمية، الفضائية والطبية وغيرها، رغم أن الآلة في الوقت الحاضر أمست تكمل يد الإنسان، والكمبيوتر أمسى مكملاً لعقل الإنسان. ورغم أن العقل الإنساني هو أرقى مخلوقات الله، وحسب بعض المعطيات العلمية يتضمن 10 مليار نيرون، كل منها لها تقريباً ألف ارتباط مع غيرها من النيرونات ويمكنها القيام تقريباً بمأتي عملية في الثانية، ورغم أن المعادن نصف الناقلة لا تستطيع أن تسبق العقل البشري فقد ظهرت إمكانيات لصنع أنواع جديدة من الخلايا الخازنة للكمبيوتر تفوق مليون مرة العقل البشري من وجهة نظر التعامل والإمكانيات. وكان من المتوقع الانتهاء في عام 2003 من صنع كمبيوتر يفوق بحجمه حجم ثلاجتين منزليتين تبلغ سرعته ألف تريليون عملية في الثانية ويتفوق خمسة عشر مرة على 500 حاسب من أقوى الحاسبات الآلية لعام 2000. وفي الوقت الذي تجهز الدول المتقدمة في العالم نفسها للانتقال إلى المجتمع المعلوماتي، نرى أن الاتحاد الأوروبي أعد في عام 1999 إستراتيجية "الرابطة المعلوماتية الأوروبية" من أجل تجاوز التخلف عن الولاياتالمتحدةالأمريكية في هذا المجال إلى جانب النجاح الهائل الذي حققته اليابان في هذا المجال، مما مكنها من أن تصبح في الطليعة في هذا المجال لأن مصطلح "المجتمع المعلوماتي" ولد في اليابان أصلاً، وأنهت سنغافورة برنامجاً لتعميم استخدام الكمبيوتر في كل أنحاء البلاد لتتحول إلى "جزيرة المعرفة"، وهو ما نجده في السياسة القومية للصين والهند وجميع الدول المتقدمة، وحتى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وضعت أمامها مهمة الانتقال إلى مرحلة ما بعد المجتمع الصناعي إلى مرحلة المجتمع المعلوماتي حتى عام 2020، عند ذلك سيشتغل 17 % من سكانها فقط في مجال الإنتاج المادي والباقي في مجال المعلوماتية والتعليم والخدمات، وأن عمل 17 % من السكان سيؤمن الرخاء لكل الشعب الأمريكي لتتفوق الولاياتالمتحدةالأمريكية في العالم في كل المجالات، وفي الوقت نفسه يعتبر المجتمع المعلوماتي نقطة تحضيرية للانتقال إلى عصر جديد وهو مجتمع عصر الفضاء الكوني.