في حقل العروض المسرحية المسطّرة لصالح الكبار من لدنّ المسرح الجهوي لسيدي بلعباس ، انفتح جمهور المكرّة على العرض ما قبل الأوّل الذي نشّطته ورشة الخشبة الذهبية للمسرح الجامعي بالتّنسيق مع التعاونية الفنية الوئام من سيدي بلعباس والذي حمل عنوان" أمني زيا". العرض الذي عرف جمهورا واسعا ، شدّ إليه الأنظار بفعل بساطة السينوغرافيا وحسن اختيار الموسيقى التي تماشت واللّوحات المرسومة ، ناهيك عن الحضور المميّز للممثلين الذين فيهم من خاضوا بعض التجارب المسرحية ، ومنهم من تلقّى تكوينا على يد الفنان " بوعجاج غالم" صاحب لمسة " أمني زيا" التي فتح المعهد البلدي للموسيقى أبوابه لاحتضان التدريبات التي خاضها "بوعجاج" مع كوكبة الممثلين الذين كشفوا عن بعض المزايا في الحضور على الرّكح وتقمّص الشخصية المسندة إليهم ، ليكون العرض في الإجمال ثمرة تكوين مسرحيّ ما يزال في درجاته الأولى للمضيّ قدما وإتقان اللّعبة ، الأمر الذي لا ينفي المجهودات المبذولة ولا يلغي حبّ الفنّ الرّابع . إنّ " أمني زيا" كان كتلة من الأماني المتناثرة في عالم الحريّات الموقّعة بقافلة من الضحايا ، كما كان حمّى صراع أبديّ في سلّم المطالبة بالحقوق المشروعة في بورصة المزايدة على الطّموحات والآفاق ، مع إقرار بحرية تعبير جرّت في ذنبها المآسي وتلاعبت بأماني العباد في جنح الإعلام المزيّف والإعلانات البرّاقة لمساومة المقبول والمرفوض بلغة المنافسة غير الشريفة. جمع الممثلين الذي وقّع لمسة المسرح الاستعجالي ، راح بذلك يقف وقفة رجل واحد عند عتبة الأوضاع الرّاهنة التي التقطتها عدسات الإعلام العالمي وراحت تروّج لها حسب مصالحها بخاصّة إن كان كبش الفداء في ذلك الوطن العربيّ بأعلامه ، قادته ورجالاته ، تاريخه ووقفاته لاسيّما من تلكم الأخيرة الوقفات البطولية التي لا نعرف منها الأصيل من الزّائف . " أمني زيا" بلمسة المخرج " بوعجاج غالم" الاحترافية وأداء جمع الممثلين سلاحا ذو حدّين ، بين صحوة الضّمير واستحضار الوقائع ، وقائع أمّة عربية ذات تاريخ حافل ومواقف إنسانية ، لتتحوّل بين الفينة والأخرى الى صراع داخلي وانفجار سياسي جرّ معه الأخضر واليابس ، ليكون الاحتقان السياسي ذاك بمثابة القشّة التي فسمت ظهر البعير ، كيف لا و" أمني زيا" كانت أماني وأحلام كلّ وطن عربي في لحظة ما فقد السّيطرة ، وتلاشت في جغرافيته كلّ الحدود لتكون جدارا صلبا في وجه المضيّ قدما والسّعي نحو الأفضل والأرقى . " أمني زيا" كانت لسان كلّ مثقف وعالم ، إنسان عاديّ وحالم ، فقير وغني ، صاحب ضمير ومن باع ضميره ، صاحب موقف وبائع وطن ، بريء وظالم ، ضحية وهدف ، ليكون شعار كلّ منهم حسب مبادئه الإقرار بالظّلم وتحمّل العواقب ، أين أصحاب الضمائر الحية يساومون بأغلى ما عندهم الشرف، مستعملا فيها المخرج تقنية تصوير الأحداث واستحداثها على الشاشة الكبيرة مستعرضا ما آل إليه الشارع العربي بفعل فاعل. العرض المسرحي في مجمله عرف بعض الجماليات ، ليكون عرضا واقعيا استمدّ مدلوله من الوقائع والأحداث الرّاهنة التي تدور بالسّاحة العربية ، مركّزا على أهميّة التّواصل وتبادل الرؤى ، وإلزامية إتقان لغة الإصغاء الى الآخر مهما كانت مطالبه صغيرة ، لأن لغة الإصغاء فنّ في حدّ ذاته وبرّ أمان لتفادي الأسوأ والأخطر. " أمني زيا" كانت لغة حوار متبادل وطرح جرئ للواقع المعيش في ظلّ التضليل والتلاعب بأماني الآخر ، مع مدلول جمالي يوحي بمكانة الوعي السّياسي والحضاريّ منه ، لاسيّما في زمن طغت فيه المادّة والمصلحة الذاتية على حساب القيم والمبادئ ، لأنّ " أمني زيا" كانت بمثابة الذاكرة المنسية في أرشيف العالم العربي الذي لم يتّعظ بعد ولم يتقن الدّرس ولم يتعلّم من الماضي الذي أسره سنين عدّة، وحتّى لا يعدّ الحالمين فيه بالمجانين . إن العرض المسرحي توصّل على مدار ساعة من الزّمن لخّص التاريخ ، استحضر الحاضر بأمانيه وآلامه ، ورسم لوحة مزينة بألوان الأمل الواعد وشموع الغد المشرق الذي يتطّلع إليه كل إنسان على وجه الأرض لاسيّما العربيّ منه الذي ذاق الأمرّين ويسعى للأفضل ويطمح للأجود في عصر لابدّ فيه من تضافر الجهود واتّحاد القوى لانتصار الخير ورسم جدارية لوطن بحدود كلّها أمل وغد أفضل من توقيع الشرفاء وأهل المسؤولية والأحقّ بها.