يعتبر البصر نعمة من عند اللّه سبحانه وتعالى، يستطيع الإنسان من خلاله أن يرى كلّ شيء من حوله، فالعين البشرية هي جوهرة وأداة للنظر لا يمكن تقديرها بثمن، لكنها معرضة أكثر للأمراض كونها عضوا حساسا جدا في جسم الإنسان، بحيث تسبب العوامل البيئية وأساليب وأنماط الحياة والسلوك والممارسات اليومية للفرد أضرارا للعين، ومن بين الأمراض التي تصيب العين نذكر مرض الرّمد الذي هو عبارة عن إلتهابات في الملتحمة التي تبطن الجفون ثم تنعكس على سطح العين، هذا بالإضافة الى مرض التراخوما الذي يعتبر مرضا شديد العدوى، وهو عبارة عن إلتهاب مزمن للغشاء المخاطي الذي يغطي مقلة العين ويسبب حرقان وينتج عنه إنتفاخ في الجفون وإلتصاقها ببعضها، هذا ناهيك عن مرض إلتهاب العصب البصري أين تصبح الأنسجة متورّمة ولا تعمل الألياف البصرية بصورة سليمة، زيادة على مرض القرنية الذي تتسبب فيه عدة عوامل إذ تعتبر السكاكين والأقلام وغيرها من الأغراض الحادة، الوسائل المحدثة لإصابة القرنية فهناك أشياء أخرى يمكن أن تصيب القرنية بندبات خطيرة مثل الألغام النارية وإنفجار البطاريات والمواد الكيمياوية السامة، فيما تعتبر العدوى سواء كانت بكتيرية أو فطرية أو فيروسية هي أكثر الأسباب شيوعا لإصابة القرنية وتقرحها، فيما هناك عوامل وراثية قد تؤدي الى عتمة القرنية أو حتى فقدان البصر. وموضوعنا اليوم يقتصر على القرنية والطريقة الشائعة لعلاجها ألاّ وهي زرعها، هذه العملية التي عرفت رواجا كبيرا في السنوات الأخيرة في الجزائر، وقد كانت الإنطلاقة تحديدا إبتداء من عام 2004، أين كان الإعتماد عليها محتشما نوعا ما خلال هذه الفترة لا سيما بولاية وهران. ماهي القرنية؟ وللعلم أنّ القرنية هي ذلك الجزء الشفاف الأمامي من العين الذي تمر من خلاله الأشعة الضوئية لتصل الى العين، إذ تقوم القرنية بدور كبير في تركيز هذه الأشعة على الشبكية أي الطبقة العصبية الحساسة في العين، ومن الشبكية تنتقل موجات كهربائية عبر العصب البصري الى منطقة محدودة من الدماغ، حيث يتم ترجمة هذه الموجات الى صور مرئية، وفي حال فقدان القرنية شفافيتها فالحل الوحيد لإستعادة البصر هو إستبدال جزء من القرنية المعتمة بجزء سليم مماثل يؤخذ من قرنية شخص آخر بعد وفاته (المتبرع) ولكي يعود النظر الى العين المزروعة فيها القرنية يجب أن تكون باقي أجزاء العين سليمة تماما وتؤدي وظيفتها بصورة طبيعية جدا، فإذا كان هناك مرض في الشبكية أو العصب البصري فإنّ زراعة قرنية جديدة لن تؤدي الى تحسن في البصر، علما أن اللجوء لإجراء هذه العملية يهدف الى تحسين الإبصار حينما تتلف القرنية أو لتخفيف الألم في العين حينما يكون سبب الألم هو القرنية. ومن بين كل أنواع زراعة الأعضاء بما فيها القلب، الرئة والكلى، فإن زراعة القرنية هي أكثر تلك العمليات إنتشارا ونجاحا وفي ذات السياق تجدر الإشارة الى أنّ ولاية وهران تعتبر نموذجا لإجراء مثل هذا النوع من العمليات، إلا أنّ القيام بها مؤخرا بات مستحيلا هذه الأيام لغياب التزويد بالقرنيات من الولاياتالمتحدةالأمريكية عبر معهد باستور الكائن بالجزائر العاصمة إذ يقوم هذا الأخير بإستيراد القرنيات وتوزيعها على كلّ المؤسسات الإستشفائية المتخصصة في طب العيون المتواجدة عبر التراب الوطني هذا زيادة على تخصيص حصة صغيرة للعيادات الخاصة. وما تجدر الإشارة إليه أنه ومنذ سنة 2004 أجرت كل من المؤسسة الإستشفائية المتخصصة في طب العيون المتواجدة بواجهة البحر المعروفة كنية بعيادة البروفيسور لزرق وكذا عيادة حمو بوتليليس 256 عملية لزرع القرنية، إذ تم إجراء خلال عام 2005، 6 عمليات و10 أخرى في 2006، فضلا عن 70 عملية خلال سنة2007 و99 أخرى خلال سنة 2008، فيما تمّ إجراء 52 عملية في سنة 2009، و16 أخرى في أواخر 2010، أما خلال السنة الجارية 2011 فلم يقم كلا الفضاءين الصحيين بأي عملية من هذا النوع وذلك لغياب التزويد بالقرنية، وللعلم أنّ الإنطلاق في هذه التجربة كان محتشما نوعا ما، لكنه وخلال سنتي 2007 و2008 عرف رواجا كبيرا. فيما أفاد مصدر طبي من المؤسسة الإستشفائية المتخصصة في طب العيون الكائنة بشاع جبهة البحر بأنّ عدد المرضى المتواجدين في قائمة الانتظار منذ عام 2008 وصل الى أكثر من 300 مريض، علما أنّه يتم سنويا برمجة 100 عملية أو أكثر، وذلك حسب محدثنا مرهون بعدد القرنيات التي تتوفر عليها هذه المحاجر الصحية، مضيفا بأنّ العتاد الطبي متوفر واليد العاملة الطبية المتخصصة موجودة إلاّ أنّ عدد القرنيات ضئيل مقارنة بالطّلب هذا وأفاد محدثنا بأنّ أولوية زرع القرنية تكون للطلبة الجامعيين والمتمدرسين فضلا عن العمال خصوصا منهم المسؤولين عن الأسر، ليتم في الأخير الإهتمام بالفئات الأخرى علما أنّ العملية الواحدة تستغرق ما بين 30 و40دقيقة. - 200 فحص عادي يوميا وفي ذات السياق صرّح مصدرنا بأن مؤسسته تقوم يوميا بإجراء أكثر من 200 فحص عاد خاص بالعيون والتي تتقاسمها بدورها مع عيادة حمو بوتليليس، هذا بغض النظر عن الفحوصات الإستعجالية، التي تتجاوز 120 فحص إستعجالي يوميا والتي تكون أغلب أسبابها الحوادث المنزلية وكذلك المهنية وللعلم أنّه وابتداء من الفاتح من كلّ شهر الى غاية الخامس عشر منه تتكفل عيادة حمو بوتليليس بالإستعجالات على مدار 24 ساعة على 24 فيما تتكفل عيادة »بلزرڤ« ابتداء من السادس عشر الى آخر الشهر بالإستعجالات أي تعمل ذات المؤسستين بنظام التناوب. وفي ذات الشأن كانت لنا زيارة إستطلاعية لإحدى العيادات الخاصة والمتخصصة في طب العيونبوهران والتي تعتبر أكثر شهرة في علاج أمراض العيون، إذ يقصدها المرضى من مختلف ربوع الوطن، بحيث تجري هذه الأخيرة سنويا ما بين 10 الى 15 عملية زرع للقرنية وهو ما يكلّف 32 مليون سنتيم بالنسبة للتخدير الجزئي و34 مليون سنتيم بالنسبة للتخذير الكلّي، وقد أوضح مصدر لا يرقى إليه الشك بذات العيادة أنّ فضاءه في الوقت الراهن يعاني من غياب القرنية، والتي لم تتحصل عليها مصالحه منذ أواخر 2010 إلى غاية يومنا هذا فيما أفاد محدثنا بأنّ عيادته وضعت هي الاخرى قائمة انتظار خاصة بالمرضى الذين سيزرعون القرنية، وذلك إلى حين وصول كمية القرنيات المطلوبة. - 100 عملية زرع مبرمجة هذا ويجدر التنبيه الى أنّ عيادة »بلزرڤ« برمجت هذا العام 100 عملية خاصة بزرع القرنية وهذا بطبيعة الحال لدى وصول هذه الأعضاء. فزراعة القرنية هي إذن عملية جراحية يتم من خلالها إزالة القرنية المريضة لدى الشخص واستبدالها بأخرى سليمة مأخوذة من شخص متوفى، إذ وبعد قرار الطبيب بعد فحصه للمريض وموافقة هذا الأخير على إجراء عملية زرع للقرنية، وتوفير قرنية سليمة من شخص سليم لا يعاني أي أمراض معدية كالإلتهاب الكبدي والإيدز يتم تركيب هذا العضو وعادة ما يطلب الطبيب من المريض إجراء اختبارات وفحوصات معينة. ففي حالة إصابة القرنية يمكن أن تتورم أو تتعرج ويصبح سطحها غير أملس أو يفقد شفافيته وفي هذه الحالة يتشتت الضوء السّاقط على القرنية مسببا عدم وضوح الرؤية. وعلى الرغم من أنّ العملية أمنة في العموم فإنّ مضاعفاتها تبقى دائما محتملة والتي تنحصر في حدوث التهابات ميكروبية في العين، فضلا عن زيادة تراكم الماء الأبيض (CATARAD) في عدسة العين، رفض الجسم للقرنية الدخيلة ....النزيف إلى غير ذلك من المضاعفات ومن أهم بوادر فشل العملية شكوى المريض من ألم في العين أو تدهور الابصار، وكذا إحمرار العين والحساسية من مواجهة الضوء هذا وتجدر الإشارة أنّه على المريض بعد إجراء هذا النّوع من العمليات أن يقوم باستعمال العلاج المتمثل في قطرات خاصة حسب وصف الطبيب، وكذا عدم ترك العين أو الضغط عليها، ناهيك عن تناول مسكّن للألم عند الحاجة، كما يمكن له ممارسة كلّ نشاط طبيعي ماعدا الحركات العنيفة زيادة على إرتداء نظارة أو غطاء للعين، حسب وصف الطبيب الذي يقرر موعد إزالة الغرز الجراحية حسب حالة العين وسرعة إلتئام الجرح، وعادة ما يستغرق ذلك عدة أشهر. وتاريخيا فقد بدأ التفكير في زراعة القرنية في القرن الثامن عشر في فرنسا، وكانت أوّل عملية لزراعة القرنية في تشيكوسلوفاكيا وذلك خلال عام 1945 أما عربيا فقد أجريت عمليات زرع القرنية بكل من الأردن ومصر في ستينيات القرن الماضي، فيما صدر مرسوم رئاسي عام 1972 بسوريا يسمح بأخذ القرنيات من المتبرعين وزرعها بعد موافقة الأهل. وفي الأخير تبقى قائمة المرضى الذين يترقبون زرع القرنية تتضاعف في ظل ندرة هذا العضو الذي يبعثه معهد باستور بعد أن يستورده من الولاياتالمتحدةالأمريكية مع العلم أن تكلفة إستيراد القرنية الواحدة والتي تموّلها الوزارة المعنية تقدر بأكثر من 17 مليون سنتيم ولا تزال المصادر الطبية المتواجدة بولاية وهران والمتخصصة في إجراءعمليات زرع القرنية تتجاهل التاريخ المحدد لوصول هذه الأعضاء التي قد تعيد البصر والأمل في الحياة مجدّدا.