تضاربت الآراء وتعددت الأعذار وتباينت الحجج من طرف لآخر حول أسعار الخضر والفواكه وكفتي ميزانها التي لم تصل بعد الى عتبة التوازن بدءا من الفلاح فالوكيل ثم تجار أسواق الجملة والتجزئة وصولا الى المستهلك الذي وجد نفسه محصورا رغما عنه في حلقة يسيرها قانون الربح لا غير تحت إشراف أشخاص همّهم الوحيد التحكم في وتيرة الأسعار وفرض أرقام لا تخرج عن المسار الذي حدّدت معالمه من قبل وفق مبادلات تجارية متفق عليها سابقا وطبقا لقواعد مضبوطة ومعلومة من طرف هاته الفئة. فكل المعايير والبرامج المسطرة لم تشفع في الحدّ من ظاهرة إرتفاع أسعار الخضر والفواكه من جهة ومن شجع التجار من جهة أخرى، ففي كل مرة تنخفض فيها نوعاما بعض المنتوجات الإستهلاكية، تقابلها في الجهة المقابلة إرتفاع مفاجئ لسلع أخرى أكثر إستهلاكها بالنسبة للنوع الأول دون سابق إنذار وعليك أنت المستهلك أن تضغط على أعصابك وترفع من ميزانيتك الشهرية لحين تسجيل ظرف مغاير يكسر الأسعار من جديد ويخلط موازين المتحكمين في سوق الخضر والفواكه. هو إذن حال أسواقنا اليوم التي تحولت هي الأخرى الى مزاد علني تعرض فيه مختلف المواد وبأثمان متفاوتة من منتوج لآخر ومن نوعية لأخرى، أو الى بورصة مفتوحة تحرّكها أطراف لها كل القدرة في ضبط موازينها وتعيين حدودها وتحديد أسعارها حسب نوعية كل واحدة وحسب درجة الإقبال عليها ومهما كانت هذه المستجدات ظرفية أو طويلة المدى، فإن ربّ العائلة لا حول ولا قوة له مضطر لحمل قفته والتوجه يوميا الى السوق القريب من مقر سكناه أو السوق الذي تعرض فيه السلع بأثمان أقل، مقارنة مع نقاط البيع المتواجدة بالولاية لإقتناء ما يحتاجه من مواد إستهلاكية بالكميات المطلوبة لتغطية وتلبية طلبات أفراد عائلته، دون تعدي الخطوط الحمراء التي طبقها على نفسه، إعتمادا على عمليات حسابية تتماشى وراتبه الشهري وما يستطيع توفيره طيلة هذه الفترة. - عروض لا تتجاوز القائمة المضبوطة كل هذه المؤشرات وكل هذه الإستثناءات دفعتنا للقيام بجولة إستطلاعية عبر أسواق الولاية انطلاقا من سوق الجملة للخضر والفواكه الذي أصبح قبلة حتى لأرباب العائلات لعلهم يوفرون نسبة معتبرة من ميزانيتهم الموجهة لإقتناء المواد الإستهلاكية كبديل عن الأسواق المغطاة التي باتت تفرض أرقاما لا تخدم مصلحة الزبون ولا تتماشى وقدرته الشرائية. وأنت تدخل سوق »كفيلي« يتضح لك التغيير المسجل والفارق الكبير في المعاملات التجارية المبرمة بين البائع والمشتري بدرجات متفاوتة من منتوج لآخر وهو ما يدفع العديد من الأسر الى تعبير وجهتهم وإختيار الأفضل والأحسن من حيث الأسعار والنوعية حتى وان كانت كل السلع نفرض في ظروف غير صحية. وانطلاقا من هذا العامل، فإن ترمومتر أسعار الخضر والفواكه يبدأ في الصعود والنزول فترات متباعدة والقائمة طويلة يتعدد وتنوع المواد المعروضة للبيع، فبالنسبة للخضر فإن أسعارها تراوحت ما بين 15 و70دج للكلغ الواحد، حيث بلغ ثمن السلع التي يكثر عليها الطلب بسوق الجملة كالبطاطا مثلا 30دج للكلغ الواحد نسبة للنوعية الجيدة لتنخفض الى 20دج للنوعية الثانية، نفس الشيء بالنسبة للبصل الذي لم يتجاوز 15دج و20دج لشمندر السكري والجزر وبإستثناء هذه المواد فإن الأنواع المتبقية تلهب جيوب المستهلكين كالطماطم التي لم تنزل عن سقف 50دج للكلغ الواحد الى جانب مادة التوم المحددة ب 100دج للكلغ الواحد، الفاصولياء ب 70دج الخس ب 40دج الفلفل ب 70دج و»الدنجال« ب 60دج وغير بعيد عن سلم أسعار هذه المواد التي قفزت الى الأعلى نجد الفواكه الموسمية وغير الموسمية التي لم تشهد بعد عروض في متناول المواطن البسيط فالخوخ على سبيل المثال تباينت أثمانه بسوق الجملة مابين70 و140دج للكلغ الواحد فيما تجاوز سعر الكلغ الواحد من فاكهة المشمش 200دج أما عن الكرز فالحديث مختلف تماما مادامت كفة ميزانه توقفت عند عتبة 480دج للكلغ الواحد، بالمقابل فقد شهدت الفواكه المستوردة هي الأخرى إرتفاعا محسوسا في الفترة الأخيرة كالفراولة التي لم تعرض بأسعار أقل من 150دج الى جانب الموز الذي قفز الى 120دج والتفاح الى 150دج فيما بلغ الكلغ الواحد من الثمر 350دج ويرجع الوكلاء الأسباب الحقيقية في إرتفاع أسعار الخضر والفواكه الى الوسطاء الذين يتحكمون في السوق ويفرضون مضاربة حقيقية، لأن الوكيل حسبهم ليس له دخل في العملية، مادام يستفيد من نسبة 5٪ من ثمن الحمولة الإجمالية للمادة الممونة وهذا بإتفاق مسبق مع الفلاح الذي يلتزم بدوره بالشرط المعلن عنه من قبل إما »المعاودية« فحاولون بإستمرار على حد تعبيرهم الرفع من قيمة المواد التي يجلبونها من سوق الجملة بهوامش ربح معتبرة بغض النظر عن الكمية التي يسوقونها أو الفارق الكبير المسجل بين العملية الأولى والثانية. - هوامش ربح ما بين 10 و50دج واذا ما حاولنا مقارنة الأرقام المسجلة بسوق الجملة للخضر والفواكه مع تلك التي يعتمد عليها تجار سوق التجزئة نجد الفارق كبير وملموس لا يمكن لأحد أن يتجاهله، لأن الضربية المفروضة على المستهلك ثقيلة جدا وتحتسب من الميزانية الشهرية، خاصة اذا قلنا أنه رب عائلة تتكون من عدة أفراد. ويمكن حصر القيمة المقتطعة ما بين 10 و50دج في الكلغ الواحد، لترتفع الى أصفاف أصفاف الهامش المعلن عنه كلما ارتفعت الكميات المسوقة والأمر ينطبق هنا على المنتوجات الأكثر استهلاكا كالبطاطا التي تراوح سعرها بسوق »لاباستي« ما بين 35 الى 45دج للكلغ الواحد حسب نوعية المادة المعروضة للبيع إضافة الى الطماطم التي لم تستفد بعد تخفيضات محسوسة حيث لاتزال لحد الان غالية الثمن، بدليل أنّها لم تنزل عن 60دج للكلغ الواحد. أما الخضر الأخرى المتبقية فهي تنطبق عليها نفس العملية الحسابية كالفلفل مثلا الذي سوق ما بين 70 و80دج والشمندر السكري ما بين 30 و40دج كذلك الجزر ما بين 50 و60دج، أما مادة اللفت فقد بلغ ثمنها 60دج مقابل 80دج للخس 160دج »للقرنوع« و80دج للفاصولياء. ويتعمد تجار التجزئة لعرض سلم أسعار متابين حسب نوعية المادة لإيهام الزبون وتشجيعه على إقتناء المنتوج الغالي الثمن للحصول على نوعية جيدة في حين أنه يصطدم بسلعة رديئة بمجرد وصوله الى منزله أو بمجرد الشروع في عملية الفرز وبطرق احتيالية وبدون أن يتفطن المشتري يعمل التاجر جاهدا للتخلص من الخضر الفاسدة وجمدها مع النوعية الجيدة. نفس القاعدة تسجلها بالنسبة للفواكه سواء من حيث الأسعار أو النوعية، حيث تباين ثمن الخوخ ما بين 80 و200دج والتفاح ما بين 160 و220دج الى جانب الإجاص الذي بلغ سعره 260دج والمشمش ب 120دج فيما كلع الكرز أرقاما قياسية بعد أن تعدى 600دج للكلغ الواحد. - قفة الحشائش ب 1090دج ونظر للغلاء الفاحش والأسعار الملتهبة للخضر والفواكه فإن ربّ العائلة يضطر لإقتناء كميات محدودة حسب عدد أفراد عائلته وإذا ما حاولنا تحديد قيمة القفة التي يجلبها المستهلك نجدها تساوي 1090دج بإستثناء مادة اللحم والفواكه وأكثر تفصيلا فإن هذه القيمة تجمع الخضر فقط أو كما يطلق عليها قفة »الحشيش« وهذا بإقتناء كلغ من البطاطا ب 270دج 3 كلغ من البصل ب 60دج وكلغ من الجزر ب 60دج و2 كلغ واحد من اللفت ب 60دج 4 كلغ من الطماطم ب 180دج كلغ واحد من البدنجال ب 80دج وكلغ واحد من الشمندر السكري ب 40دج 1كلغ من الخس ب 80دج نفس الكمية بالنسبة للقرنوع ب 160دج و»الشوفرول« ب 100دج اذا كان عدد أفراد أسرته لا يتعدى الخمسة أما إذا تجاوزت هذا العدد فالحصيلة مرجحة للزيادة لكل الخضر لأنها لن تغطي حتما احتياجاتهم ولن تكفي ربة البيت لإعداد أطباقها اليومية. وقائمة المصاريف مفتوحة لأن الأمر لن يقتصر عند هذا الحدّ بل يحتاج المستهلك لإقتناء المواد الأخرى المكلمة كالزيت، الطماطم المصبرة، التوابل وغيرها من المنتوجات التي تكلفه ضريبة حقيقية وله حرية الإختيار بين اللحوم الحمراء والبيضاء لتنويع مائدته حسب قدرته الشرائية لأنّه كما هو معلوم الأسعار بالنسبة لهذه الأخيرة لن ترحم جيدا الموظف وستكلفه أعباء اضافية اذا ما حاول تجاوز الحدود لعدة مرات في الشهر. - تسجيل نقص فادح في الفواكه الموسمية وبغض النظر عن الأسعار المتداولة حاليا يتوقع الفلاحون موسم كارثي نظرا للجفاف الذي ميز المنطقة وتأخر المغياثية ومازاد تنبؤات هذه الفئة تأكيدا الأمطار التي شهدتها الولاية الشهر الفارط والتي ستؤثر حتما على الفواكه الموسمية حسبما أشار إليه أحد الفلاحين بسوق الجملة، حيث ينتظر أن تسجل السوق المحلية نقص فادح في هذه المادة بعدما أفسدت المغياثية المنتوج. ويرى هذا الأخير أن الظاهرة قد إنعكست بشكل سلبي على الأشجار المثمرة بإختلاف أنواعها بدليل ما تشهده المحاصيل من شح كبيرة في الكميات المنتجة وهو ما يجسد حتمية ارتفاع الطلب على العرض وبنسب كبيرة جدا على خلاف المواسم السابقة ومنه إرتفاع الأسعار بالرغم من أنها فواكه موسمية فبإسثناء العنب الذي سيغرق السوق هذه المرة وبمنتوج وفير فإن المواد الأخرى ستعرف تدبدبا ملحوظا خلال نفس الفترة أما مادة »الدلاع« سيتأخر انتاجها هذا الموسم بعد أن أتلفت المياه مساحات كبيرة من المنتوج ومنه سيضطر الفلاحون لإعادة زرعه من جديد وتسويقه لاحقا. واذ كان لكل طرف في هذه المعادلة رأيه الخاص به في الأسباب الحقيقية لإرتفاع أسعار الخضر والفواكه فإن الفلاح كذلك له عذره الخاص به، حيث يحصر هذا الأخير السبب في تكاليف البذور التي لاتزال باهظة فبالنسبة لفاكهة »البطيخ« فإن المنتوج يكلفه تركيبة مالية تساوي 3 ملايين سنتيم من البذور فقط مقابل 6000دج للبطاطا والطماطم ناهيك عن مصاريف إضافية كذلك المرتبطة بالعتاد، السقي واليد العاملة والنقل ومنه فإن تعويض الخسارة أمرا ضروريا حتى وإن كان على حساب المستهلك.