صدر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت كتاب في مجلد واحد من ترجمة المقارن المغربي عبد النبي ذاكر وهو: «الفن الإسلامي – سوسيولوجيا الفنان الغُفْل». والكتاب في الأصل دراسة أكاديمية رصينة، أخذت سبع سنوات من عمر الباحث العراقي المغترب شاكر لعيبي، ذي الحضور القوي في مجال الشعر ونقده، وفي حقليْ التشكيل وتاريخ الفنون. تطرح معضلة «غُفول الفنان»، إشكالا حضاريا طال الفن العربي الإسلامي برُمته. وبما أن المسألة تتعلق بحضورٍ أو غياب من خلال حضور توقيع الفنان أو غيابه فقد جعلت الدراسة من أَوْلَى أولوياتها القيام بحفريات تلامس الدور الاجتماعي للفنان العربي المسلم من خلال التوقيع، الذي طالما كان محط تبخيس وإغفال وتعويم وسطحية. ولا شك في أن هذا الاختيار كان وراء تبني المقاربة السوسيولوجية بدون إغفال المظهر السيكولوجي، للإجابة عن سؤال حارق نادرا ما حظي بتعميق له صِلة بهوية حضارية، وكينونة ثقافية، قد لا تسعف المقاربة التاريخية المكرسَة للفن الغربي عموما، ولا المعالجة الجمالية، في الإجابة عنه الآن. ومن خلال هذا السؤال المركزي في أطروحة الباحث، تفرعت تساؤلات، حاول الباحث الإجابة عنها بما أوتي من موضوعية وحصافة ونقاش علمي هادئ ورصين، لن يخطئ القارئُ جِديتَه البُرهانية التحليلية: هل حَجَبَ الموقف الإسلامي الرسمي من الصورة، ظهورَ تُحَف فنية تصويرية موقعة في الفضيات، والخزفيات والرسم التصويري والزُجاجيات والنَحْت والمعمار؟ وبالتالي، هل الغُفول من ثوابت الفن العربي الإسلامي؟ وهل فعلا إن هذا الفن عمل جماعي، لا فردي، كما تدعي بعض الدراسات، التي غاصت في التمويه تارة، وفي عدم الوضوح طورا آخر؟ كيف يمكن التغلب على هشاشة التحفة التي لا تصمد أمام عوادي الزمن، وعلى ندرة تراجم الفنانين في الإسطوغرافية العربية الإسلامية؟ كيف يمكن تجنب إسقاطات المقارنة مع النهضات الأوروبية، كالنهضة الإيطالية؟ كيف يمكن التدليل على الوعي الفني بالتوقيع الواضح أحيانا والملغز أحيانا أخرى في سياق سوسيو ثقافي عربي إسلامي؟ كيف ربط الباحث بين المصادر المكتوبة والآثار الفنية الموقعة الموجودة؟ وبالتالي كيف تأتى له أن يبرهن بالحجج الدامغة وبدون ادعاء ولا تبجح على بطلان مُسلمة فن بدون فنانين أو فن غُفْل من مبدعيه؟ هل فعلا حالت هيمنة فن الخط على الفن الإسلامي بدون وجود فنانين تصويريين؟ وهل هناك تمييز بين الفنان والصانع؟ وهل الفن فئة مهنية؟ وبالتالي ما خصائص الفنان في ثقافة الإسلام؟ وهل هي الخصائص نفسها التي منحتها الثقافة الغربية للفنان، ولمفهوم الفردانية والحرية الفنية؟ كيف تحددَت مكانة الفنان في السلم الاجتماعي والتراتبية المهنية في دار الإسلام؟ وما هي حدود التأويلات الخِلافية لكيفية ظهور التوقيعات في الفن العربي الإسلامي؟ وهل منع تدين المجتمعات الإسلامية من إشراق الفردانية؟ وهل يمكن الحديث عن توقيعات الفنانين المسلمين باعتبارها كينونة الكائن، كما تم الحديث عنها في الأدبيات الغربية؟ ما العلاقة بين الغُفول والتوقيعات، باعتبارها فضاءات دلالية؟ وهل لفعل التوقيع واللاغُفول معنى واحد؟ كان الهاجس وراء طرح كل تلك التساؤلات هو التطرق إلى قضية الغُفول في تعقيدها الاجتماعي، ومجادلة مفاهيم وآراء تخص الاستشراق التقليدي في سياقه التاريخي، ومن ثمة وضع اللبنات الأولى لإعادة قراءة تاريخ الفن نفسه، من خارج المركزية الغربية. يقع الكتاب في 544 صفحة من القطع الكبير