تسيطر أجواء الخوف والقلق في حياة عائلات الأسرى في يوم الأسير الفلسطيني التي تتزامن ذكراه ، مع انتشار فيروس ” كورونا “، والعزلة وانقطاع الاتصال والتواصل مع كافة السجون وسط الأنباء عن الإهمال والتقصير المتعمد من إدارة السجون ورفضها تزويد الأسرى بتدابير الحماية والوقاية ، وتقول والدة الأسير الجريح يوسف نمر قنديل ” كنا نعتصم أمام الصليب الأحمر في يوم الأسير لإبراز قضايا أبنائنا ودعم صمودهم والمطالبة بحريتهم ، لكن حصار كورونا منعنا حتى من الاعتصام مثلما حرمنا زيارة أسرانا الذين نشعر بتوتر ورعب دائم على حياتهم في هذه السجون الظالمة “، وأضافت ” رغم أن كل العالم يحارب كورونا ويسعى لمنع تفشيه والحفاظ على حياة وسلامة البشرية ، لكن الاحتلال يستمر بحربه القاسية ضد شعبنا بزج أسرانا في بؤر الخطر التي تشكل بيئة خصبة للمرض ، أين العدالة ومنظمات حقوق الإنسان أم أن أسرانا لا ينتمون لعالم البشر ؟”، وتكمل ” حتى أمام هذا الوباء القاتل ، لا يوجد عدالة في التعامل مع شعبنا ومناضلي الحرية الذين يواجهون كل الأوبئة وما من أحد يتذكرهم .. نطالب كل ضمير حي بالعالم ، الشعور معنا وإعلاء الصوت منتصراً لابنائنا ومطالباً بحريتهم في ظل ازدياد الإصابات في (إسرائيل) وخاصة بين الجنود والسجانين الذين يحتكون يومياً بأسرانا. الصبر والدعاء .. في منزلها بمخيم جنين، الذي يتزين بصور الشهداء والأسرى من عائلتها، شقيقها الشهيد علاء الصباغ قائد كتائب شهداء الأقصى ونجلها الشهيد فداء،ونجلها الأسير يوسف ، لا تتوقف الوالدة ” فتحية “، التي عاشت تجربة الاعتقال عن متابعة الإخبار حول تطورات فيروس ” كورونا “، وما يجري في السجون خاصة ” جلبوع ” الذي يقبع فيه يوسف المحكوم بالسجن مدى الحياة ، وتقول ” نعيش على أعصابنا ولا نملك سوى الصبر والدعاء لرب العالمين ليحميه وكل الأسرى من هذا الوباء ، كل لحظة انتظر رنين الهاتف لأسمع صوت يوسف ونطمأن على صحته وكافة الأسرى “، وتضيف ” المناضل يوسف .. لعائلة مناضلة ، ولد الأسير يوسف في مخيم جنين قبل 30 عاماً ، نشأ وتعلم واختار طريق النضال ، فكان في مقدمة المقاومين بعد اندلاع انتفاضة الأقصى ، وتقول والدته ” تميز بالشجاعة والإقدام كأخواله محمد الصباغ الذي قضى ربع قرن خلف القضبان حتى تحرر في عملية التبادل ، وخاله علاء الصباغ قائد كتائب شهداء الأقصى الذي قاتل لجانبه وتتلمذ على يديه “، وتضيف ” تميز يوسف بالبطولة والتحدي والمعنويات العالية ، شارك في كافة المواجهات حتى أصيب بعيار ناري في الصدر خلال تصديه لهجوم إسرائيلي على المخيم ، في شهر تشرين الأول، عام 200 “، وتضيف “نجا من الموت بإعجوبة ، ففي البداية عانى من موت سريري مما اضطرنا لنقله للأردن للعلاج في حالة خطرة جداً ، فالرصاصة سببت لقسم كبده لجزأين ، كانت الرصاصة قريبة من القلب ، وحالياً مستقرة في الرئة ولم يتمكن الأطباء من إزالتها لأنها تؤدي للشلل الكامل ، نجا أبني لكنه أصيب بمضاعفات وأوجاع مستمرة حتى اليوم “. نضال وبطولة.. رغم الإصابة ،عاد يوسف لأزقة المخيم ، وإلتحق بكتائب الأقصى ،وتقول والدته ” كان يتمنى أن يكون مقاتلاً لجانب خاله القائد علاء الصباغ ، وتأثر كثيراً عندما أغتاله الاحتلال في 26-11-2002 ، فحمل بندقيته ، وتابع المشوار بعدما أرتبط بعلاقة وطيدة مع رفيق دربه خالد الحاوي الذي قاد الكتائب في تلك المرحلة ، وكان يوسف حريص على العمل بسرية تامة”،وتضيف ” في 5-7-2004، وصل يوسف مع رفيقه خالد الحاوي لمنزل الأخير بالحي الشرقي بجنين، لزيارة والدته التي لم يتمكن من مشاهدته منذ فترة بسبب اشتداد الهجمة الإسرائيلية بحقه والتهديد بتصفيته”، وتتابع ” خلال تواجدهما في المنزل، حاصرتهما الوحدات الخاصة ، بينما داهمت المدينة عشرات الدبابات، واندلعت معركة عنيفة ورفض خالد الاستسلام وقاوم بشراسة حتى أستشهد في حضن والدته”، وتستدرك ” إبني يوسف، أصيب خلال تصديه لجنود الاحتلال بعدة أعيرة ناريه في يديه الاثنتين وقدميه ، وترك الاحتلال خالد جثة بعدما أصيب بعدة أعيرة نارية، وأختطف يوسف لنعيش أياماً عصيبة لعدم معرفتنا مصيره “. ذكريات لا تنسى .. في البداية ، فشلت جهود كافة المؤسسات بالكشف عن مصير يوسف،وبعد لحظات معاناة صعبة ، كشف الاحتلال عن حقيقة كونه “حي” ،وتقول والدته ” بعد فترة، وعندما انتهى التحقيق مع يوسف و تمكنا من زيارته،كانت حالته صعبه بسبب الإصابة التي أدت لشلل في يده اليسرى و تشوهات في أصابع يده اليمنى” ،وتضيف “رفض الاحتلال الإفراج عن يوسف رغم تدهور حالته الصحية ،وبقي تحت العمليات لفترة طويلة، ونقل بعدها لمستشفى الرملة، لكن النتيجة لم تتغير، ما زال يعاني من يده اليسرى و التشوهات بيده اليمنى، ورفضوا السماح له بالإقامة في المستشفى لمواصلة العلاج الذي توقف”. استهداف العائلة.. حوكم يوسف ، بالسجن مدى الحياة ،وبينما كانت عائلته تعاني لخوفها على حياته،أقتحم الاحتلال وبعد عشر أيام فقط منزلها،وفي هذه المرة، أعتقل أبنتها هنادي ، فجر 15/7/2،004 وحوكمت بالسجن عام ونصف بتهمة الانتماء لكتائب الأقصى ومساعدة مطلوبين ، لكن لم يتوقف الاستهداف الإسرائيلي للعائلة، وتقول الوالدة “صبرت عائلتي بمواجهة هذه الظروف العصيبة،وبينما كانت هنادي تقبع بسجن هشارون ، ويوسف يتنقل من سجن لآخر، اعتقلوا ابني سيف وحوكم 6 سنوات ،ومحمد أعتقل وقضى عامين وأفرج عنه ” . حياة السجون.. طوال السنوات الماضية، لم يمضي يوم بحياة عائلة قنديل دون معاناة ، وتقول والدتهم التي اعتقلت أيضاً عام 1993، وقضت 4 سنوات بالسجون :” منذ الانتفاضة الأولى ، ونحن نعيش ظلم الاحتلال، أخي محمد الصباغ، أعتقل بسن 15 عاماً، وحوكم مدى الحياة بتهمة الانتماء لمجموعات الفهد الأسود وتنفيذ عملية فدائية وقضى ربع قرن حتى تحرر “، وتضيف “خلال انتفاضة الأقصى ، طارد الاحتلال أخي علاء الذي قاد كتائب شهداء الأقصى حتى اغتالوه بريعان الشباب، تاركاً خلفه طفله الوحيد زياد “، وتكمل “بين حزننا على رحيله واغتيال إبني فداء ،فالمؤلم لي ، أنه في بعض السنوات كان الاحتلال يعتقل كل ابنائي، قضيت أيام طويلة على بوابات السجون لم تنتهي حتى اليوم لأن يوسف لا زال في السجون يتعرض للعقاب والحرمان من العلاج ومنع كل أشقاءه من زيارته ، فالاحتلال يرفض منحهم تصاريح لأنهم أسرى سابقين “. الشهيد فداء تتذكر الوالدة فتحية، توالي النكسات على عائلتها ،والتي كان أكثرها مأساوية اغتيال إبنها فداء في 4-7-2006 ، وتقول ” كان فداء تعرض للاعتقال خلال انتفاضة الأقصى ،وعقب الإفراج عنه إنخرط في كتائب الأقصى بشكل سري، وخلال عملية للاحتلال في المخيم ، أستشهد في كمين للوحدات الخاصة” ، وتضيف ” الاحتلال لم يتوقف عن رسم الحزن بحياة عائلتنا ، فخلال بيت عزاء إبني بمقر اللجنة الشعبية ، اقتحمت الوحدات الخاصة بيت العزاء، أطلقت النار على المعزين ،فاستشهد ثلاثة شبان وأصيب العشرات وأعتقل آخرين، كان بينهم إبني معين الذي قضى عام خلف القضبان ، وإبني أيمن الذي أصيب بعيار ناري في قدمه ، وأعتقل وقضى 26 شهراً “. في يوم الأسير رغم هذه الجراح ، تقول المحررة فتحية ” ما زلنا صامدين ، ونفخر بما نقدمه من تضحيات ، لكن نتأمل أن يبقى صوت الأسرى عالياً كل يوم ولا يقتصر على مناسبة ، فهم وخاصة الجرحى والمرضى بحاجة لدعمنا ومنع التفرد بهم “، وتضيف ” في هذا اليوم ، أناشد الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الدكتور محمد إشتية مواصلة العمل لتحرير الأسرى وخاصة في ظل انتشار فيروس كورونا الذي يهدد حياتهم “، وتكمل ” خلال اعتقال يوسف ، لم نفرح رغم زواج ابنائي وبناتي وحتى بعدما رزقت بالأحفاد ، فالفرحة أسيرة مع ابني الذي قضى 16 عاماً خلف القضبان ، ويعيش اليوم مع الأسرى أصعب واقسي مرحلة في زمن ” الكورونا “، واملنا بالله أن تنتهي وتعود الأفراح لكل عوائل الأسرى التي تعيش عذابات مستمرة، وأبنائنا يضيع عمرهم خلف القضبان.