إطلاق عملية رقابية وطنية حول النشاطات الطبية وشبه الطبية    يجسد إرادة الدولة في تحقيق تنمية متكاملة في جنوب البلاد    ملك النرويج يتسلم أوراق اعتماد سفير فلسطين    ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على غزة    مقتل مسؤول سامي في هيئة الأركان العامة    الجزائر حاضرة في موعد القاهرة    بالذكرى ال63 لتأسيس المحكمة الدستورية التركية، بلحاج:    بيع أضاحي العيد ابتداء من الفاتح مايو المقبل, بالولايات ال58    المرأة تزاحم الرجل في أسواق مواد البناء    الدبلوماسية الجزائرية أعادت بناء الثقة مع الشركاء الدوليين    الاستفادة من التكنولوجيا الصينية في تصنيع الخلايا الشمسية    النخبة الوطنية تراهن على التاج القاري    15 بلدا عربيا حاضرا في موعد ألعاب القوى بوهران    التوقيع بإسطنبول على مذكرة تفاهم بين المحكمة الدستورية الجزائرية ونظيرتها التركية    مزيان يدعو إلى الارتقاء بالمحتوى واعتماد لغة إعلامية هادئة    مداخيل الخزينة ترتفع ب 17 بالمائة في 2024    وزير الاتصال يفتتح اليوم لقاء جهويا للإعلاميين بورقلة    رئيسة المرصد الوطني للمجتمع المدني تستقبل ممثلين عن المنظمة الوطنية للطلبة الجزائريين    إبراهيم مازة يستعد للانضمام إلى بايرن ليفركوزن    اجتماع لجنة تحضير معرض التجارة البينية الإفريقية    متابعة التحضيرات لإحياء اليوم الوطني للذاكرة    رئيسة مرصد المجتمع المدني تستقبل ممثلي الجمعيات    الكسكسي غذاء صحي متكامل صديق الرياضيين والرجيم    60 طفلًا من 5 ولايات في احتفالية بقسنطينة    وكالات سياحية وصفحات فايسبوكية تطلق عروضا ترويجية    انطلاق فعاليات الطبعة الخامسة لحملة التنظيف الكبرى لأحياء وبلديات الجزائر العاصمة    الجزائر وبراغ تعزّزان التعاون السينمائي    ختام سيمفوني على أوتار النمسا وإيطاليا    لابدّ من قراءة الآخر لمجابهة الثقافة الغربية وهيمنتها    قانون جديد للتكوين المهني    استقبال حاشد للرئيس    المجلس الشعبي الوطني : تدشين معرض تكريما لصديق الجزائر اليوغسلافي زدرافكو بيكار    رئيس الجمهورية يدشن ويعاين مشاريع استراتيجية ببشار : "ممنوع علينا رهن السيادة الوطنية.. "    تنصيب اللجنة المكلفة بمراجعة قانون الإجراءات المدنية والإدارية    توقيع عقدين مع شركة سعودية لتصدير منتجات فلاحية وغذائية جزائرية    عطاف يوقع باسم الحكومة الجزائرية على سجل التعازي إثر وفاة البابا فرنسيس    الأغواط : الدعوة إلى إنشاء فرق بحث متخصصة في تحقيق ونشر المخطوطات الصوفية    سيدي بلعباس : توعية مرضى السكري بأهمية إتباع نمط حياة صحي    عبد الحميد بورايو, مسيرة في خدمة التراث الأمازيغي    انتفاضة ريغة: صفحة منسية من سجل المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي    الرابطة الثانية هواة: نجم بن عكنون لترسيم الصعود, اتحاد الحراش للحفاظ على الصدارة    النرويج تنتقد صمت الدول الغربية تجاه جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة    نشطاء أوروبيون يتظاهرون في بروكسل تنديدا بالإبادة الصهيونية في غزة    تصفيات كأس العالم للإناث لأقل من 17 سنة: فتيات الخضر من اجل التدارك ورد الاعتبار    جمباز (كأس العالم): الجزائر حاضرة في موعد القاهرة بخمسة رياضيين    الصناعة العسكرية.. آفاق واعدة    وزير الثقافة يُعزّي أسرة بادي لالة    250 شركة أوروبية مهتمة بالاستثمار في الجزائر    بلمهدي يحثّ على التجنّد    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    هدّاف بالفطرة..أمين شياخة يخطف الأنظار ويريح بيتكوفيتش    رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية    تحدي "البراسيتامول" خطر قاتل    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفوائد العقدية من قصة موسى مع فرعون، وفضل صيام عاشوراء
نشر في الحياة العربية يوم 26 - 08 - 2020

أيها الناسُ اتقوا الله تعالى واذكروا أيامَهُ لعلَّكم تتذكَّرُون وتعتبرون، اذكروا أيامَ اللهِ بنصرِ أنبيائهِ وأتباعهم لعلَّكُم تشكرون، واذكروا أيامَ اللهِ بخذلِ أعدائهِ ومَن والاهم لعلَّكُم تتقون وتحذرون، واعلموا أن شهرَكُم هذا هو أولُ الأشهُرِ الحُرُمِ، وهو الذي نجَّى اللهُ فيهِ موسى وقومَهُ، وأهلَكَ فرعونَ وقومَهُ، ولأهمية قصَّة موسى عليه السلام وما فيها من العِبَر، فقد ذكرَهُ الله في القرآن في مائة وتسعة وعشرين موضعاً، حيثُ لاقَى عليه السلام ما لم يُلاقِهِ غيرُه من الأنبياءِ، فقد اجتَمَعت عليه المصائبُ منذ كان في الْمَهْدِ حتى الْمَمَات، حتى قال القرطبيُّ: (ورُويَ عن ابنِ عباسٍ أن موسى وهارون ماتا في التِّيه) انتهى، قال الله تعالى: ﴿ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ﴾ [طه: 40]، قال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: (ابتُليتَ بَلاءً) رواه الطبري.
وأُوذيَ عليه السلام من قومِه بمثل أو أكثر مما أُوذيَ من فرعون وقومهِ، قال نبيُّنا صلى الله عليه وسلم: (يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، لقدْ أُوذِيَ بأكثَرَ من هذا فَصَبَرَ) متفقٌ عليه.
أيها المسلمون: لقد امتنَّ اللهُ على قوم موسى عليه السلام في ثلاث آيات في سُوَرِ البقرة والأعراف وإبراهيم عليه السلام بإنجائهم من فرعون وقومه الذين ابتُلُوا منهم بلاءً عظيماً، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 49]، فقد كانوا يُذيقونهم أشدَّ العذاب، ويُذبِّحون أبنائهم كما تُذبح الحيوانات، ويُبالغون في ذبحهم أمام أعين آبائهم، بل بلغ بفرعون في قتله لأبناء بني إسرائيل كما قال مُجاهدٌ: (لقدْ ذُكرَ أنهُ كانَ ليأْمُر بالقَصَبِ فيُشَقُّ حتى يُجعَلَ أَمثالَ الشِّفَارِ، ثمَّ يُصَفُّ بعضُهُ إلى بعضٍ، ثمَّ يُؤتى بالْحَبَالَى – أي النساء الحوامل – من بني إسرائيلَ، فيُوقَفْنَ عليهِ فيَحُزَّ أقدامَهُنَّ، حتى إنَّ المرأةَ منهُنَّ لَتَمْصَعُ بوَلَدِها فيَقَعُ منْ بينِ رِجْلَيْها، فتَظَلُّ تَطَؤُهُ تَتَّقي بهِ حَدَّ القَصَبِ عن رِجْلِها لِمَا بَلَغَ من جَهْدِهَا) رواه الطبري، وكان يَغْمسُ الأطفالَ في القِدْرِ الْمليءِ بالزيتِ الحارِّ أمامَ أُمَّهاتهم حتى يُخرجون عظاماً ثم يَغمسُهُنَّ معهم، كما في قصة ماشطة بنت فرعون التي آمنت بالله تعالى، وقد رواها الإمام أحمد وصحَّحَها ابنُ حبان.
ولَمَّا أذن اللهُ تعالى بهلاكِ فرعونَ وقومهِ، أَمَرَ نبيَّه موسى أن يسريَ ببني إسرائيل خارجاً بهم عن مِصْرَ، فتبعَهُم فرعونُ بجنودِه أجمعين، فلما أقبلَ موسى وقومُه على البحرِ الأحمرِ أمَرَهُ الله أن يَضربه بعصاه، فضربه فانفلقَ اثني عشرَ طريقاً، والماءُ بينها كالجبال، قد استمسكَ بقدرةِ العظيمِ المتعالِ، فلما تكامَلَ موسى وقومُه خارجين، وفرعونُ وقومُه داخلين، أوحى الله إلى البحرِ أن يَنطبقَ عليهم فأغرقَهُم أجمعين، ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 45].
نستفيدُ من قصة كليم الله موسى عليه السلام فوائدَ عَقَديةَ، منها:
أولاً: لقد كان كُفرُ فرعونَ بوجودِ اللهِ تعالى كُفرَ عنادٍ وجُحودٍ واستكبار، قال موسى عليه السلام مُخاطباً فرعون: ﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ﴾ [الإسراء: 102]، وقال تعالى: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [النمل: 14].
ثانياً: استخدمَ فرعونُ كُلَّ الوسائل لصرف الناس عن عبادة الله إلى عبادة نفسه، فسأل عمَّن سَبَقهُ من القرون الفانية، ثم السخرية من موسى ورميِهِ بالجُنون، ثمَّ الْمَن على موسى بإحسانهِ إليه في صِباه، ثمَّ اتهامه بأنه ساحر، ثمَّ نفَى علْمَه بأُلوهيةِ غيره وأثبتها لنفسهِ، ثم استخفافه بقومه بأنه لك مُلْكَ مِصْر، ثم تهديده لموسى بالسجن، ثم توعُّدُه بقتله، وبقتل السَّحَرةِ لَمَّا آمنوا بربِّ العالمين.
ثالثاً: إثباتُ صفةِ الكلامِ لله تعالى: وقد دلَّت الآيات والأحاديث على إثبات ذلك، قال تعالى: ﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ﴾ [الأعراف: 144]، وقال تعالى: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164]، قال ابن أبي العزِّ رحمه الله: (ولقدْ قالَ بعضُهُم لأبي عَمْرِو بنِ الْعَلاءِ أَحَدِ القُرَّاءِ السَّبعةِ: أُرِيدُ أنْ تقرأَ: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى ﴾ [النساء: 164]، بنَصْبِ اسمِ اللهِ، ليَكُونَ مُوسَى هُوَ الْمُتكَلِّمَ لا اللهُ! فقالَ أبو عَمْرٍو: هَبْ أنِّي قرأْتُ هذهِ الآيَةَ كذا، فكيفَ تَصْنَعُ بقولهِ تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾ [الأعراف: 143]؟! فَبُهِتَ الْمُعْتَزِلِيُّ!) انتهى، قال الشوكاني: (أَسْمَعَهُ كَلامَهُ من غَيْرِ واسِطَةٍ).
رابعاً: إثباتُ صفة الرؤية، وأن الله لا يُرى في الدنيا لعدم تحمُّل النفس البشرية ذلك، فالجبل مع قوته لا يتحمَّل ذلك، قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ﴾ [الأعراف: 143]، وأما في الآخرة فالمؤمنون يرون ربَّهُم بأبصارهم، قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنكُم سَتَرَونَ ربَّكُم كمَا تَرَونَ هذا القَمَرَ لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ) رواه البخاري ومسلم.
خامساً: إثباتُ صفةِ الْمَعِيَّة، والْمَعِيَّةُ مَعِيَّتانِ: عامَّةٌ وخاصَّةٌ، فالأُولى كقولهِ تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4]، فهي معيَّةُ علمٍ واطِّلاعٍ وإحاطة، وقال تعالى: ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ ﴾ [المجادلة: 7]، قال ابنُ عبد البرِّ رحمه الله: (إنَّ علماءَ الصحابةِ والتابعينَ الذينَ حَمَلْتُ عنهُمُ التأويلَ في القُرآنِ قالُوا في تأويلِ هذهِ الآيةِ: هُوَ على العَرْشِ، وعِلْمُهُ في كُلِّ مكانٍ، وما خالَفَهُمْ في ذلكَ أحَدٌ يُحتَجُّ بقولِهِ) انتهى، والثانيةُ: كقولهِ تعالى: ﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 46]، وقوله: ﴿ قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ ﴾ [الشعراء: 15]، فهي معيَّةُ الحِفظِ والنُّصرةِ والتأييدِ والعِصْمةِ، وهي خاصَّةٌ بالرُّسلِ وأتباعهم.
سادساً: إثباتُ صفةِ النفسِ: قال تعالى في قصة موسى: ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ [طه: 41]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ [آل عمران: 28]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لَمَّا قضَى اللهُ الخَلْقَ كَتَبَ في كِتابهِ على نَفْسِهِ فهُوَ موضُوعٌ عندَهُ: إنَّ رَحْمَتي تَغْلِبُ غَضَبي) رواه مسلم.
سابعاً: إثبات صفة المحبَّة: قال تعالى: ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾ [طه: 39]، ومَحبَّةُ اللهِ لعبادهِ المؤمنين ثابتةٌ بالكتابِ والسنةِ.
ثامناً: إثباتُ صفةِ العَيْنِ: قال تعالى: ﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 39]، وقال تعالى لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ [الطور: 48]، فصفةُ العينِ من صفاتِ اللهِ الخبرية الثابتة بالكتاب والسنة.
تاسعاً: الإيمانُ بالقضاء والقدر، وهو من أركان الإيمان، قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلاَمِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله: (فَلامَهُ على الْمُصِيبةِ التي حصَلَتْ بسَبَبِ فِعْلِهِ لا لأَجْلِ كَوْنِها ذنباً.. لأنَّ آدَمَ عليهِ السلامُ كانَ قد تابَ من الذنبِ، والتائبُ من الذنبِ كَمَنْ لا ذنبَ لهُ، ولا يَجُوزُ لَوْمُ التائبِ باتفاقِ الناسِ) انتهى.
عاشراً: إثباتُ الأسبابِ، فأمرَ اللهُ أُمَّ موسى بفعل السبب: ﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ﴾ [طه: 39]، فالتوكُّل الحقيقي لا يُنافي مباشرة الأسباب، فاقتضت حكمةُ الله أن ترتبطَ الأُمورَ بمسبباتها، وترك مباشرة الأسباب قدحٌ في الشرع، كما أن الالتفاتَ إلى الأسباب فقط شركٌ في التوحيد.
فاعتبروا وتفكَّرُوا أيها المسلمون في قصَّة موسى مع فرعون فهي من أعظم القَصص لعلكم تذكرون، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فصارتْ قِصَّةُ مُوسى وفرعونَ أعظمَ القَصَصِ، وأعظَمُها اعتِباراً لأَهلِ الإيمانِ ولأَهلِ الكُفْرِ، ولهذا كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَقُصُّ على أُمَّتِهِ عامَّةَ لَيْلِهِ عن بني إسرائيلَ، وكان صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَتأَسَّى بموسى عليه السلام في أُمُورٍ كثيرةٍ) انتهى.
..صيام موسى ومحمد عليهما السلام
لقد صامَ موسى عليه السلام يومَ عاشوراءَ شُكراً لله على نجاتهِ وقومهِ فيه من فرعونَ وقومهِ، وصامَهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ورغَّبَ بصِيامِهِ، و(سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن صَوْمِ يومِ عاشُوراءَ؟ فقالَ: يُكَفِّرُ السَّنةَ الماضيَةَ) رواه مسلم، وفي رواية: (أَحتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكفِّرَ السنةَ التي قَبلَهُ) رواه مسلم.
وسُئل صلى الله عليه وسلم: (أرأَيْتَ رجُلاً يَصومُ يومَ عاشوراءَ؟ قال: ذاكَ صَوْمُ سَنَةٍ) رواه ابن حبان وصحَّحه الألباني.
ويُصوِّرُ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما حِرصَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على صيام يوم عاشوراء فيقول: (ما رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَتَحَرَّى صِيامَ يومٍ فضَّلَهُ على غيرِهِ إلاَّ هذا اليومَ، يومَ عاشوراءَ، وهذا الشهرَ، يَعني شهرَ رمضانَ) رواه البخاري.
وكان صلى الله عليه وسلم في ابتداء هجرته للمدينة يُفرد صيام يوم عاشوراء، فلا يصوم قبله ولا بعده، موافقة لأهل الكتاب من اليهود، فعنِ ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: (كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُحِبُّ مُوافَقَةَ أهلِ الكِتابِ فيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فيهِ) رواه البخاري.
ولَما أَمَرَهُ اللهُ بمخالفتهم، قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (لَئِنْ بَقِيتُ إلى قابلٍ لأَصُومَنَّ التاسِعَ) رواه مسلم، قالَ ابن عباس: (فلَمْ يَأْتِ العامُ الْمُقبلُ حتَّى تُوُفِّيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) رواه مسلم.
ولِمَا عُرفَ من فضل صيام يوم عاشوراء فقد كان للسلف حِرصٌ كبيرٌ على صيامهِ، حتى كان بعضهم يصومُه في السفر، قال ابن رجبٍ: (وكان طائفةٌ من السلف يصومون عاشوراء في السفر، منهم: ابنُ عبَّاسٍ وأبو إسحاق والزهري.. ونصَّ أحمدُ على أن يُصام عاشوراء في السفر) انتهى، بل كانت الصحابيات رضي الله عنهن يُصوِّمنَ صِبيانَهُنَّ الصغار يوم عاشوراء، فعنِ الرُّبيِّعِ بنتِ مُعوِّذِ ابنِ عَفْراءَ رضي الله عنها قالت: (فكُنَّا بعدَ ذلكَ نَصُومُهُ، ونُصَوِّمُ صِبيانَنا الصِّغارَ منهُم إن شاءَ اللهُ، ونذهَبُ إلى المسجِدِ فنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فإذا بَكَى أحَدُهُم على الطَّعامِ أعطَينَاها إيَّاهُ عندَ الإفطارِ) رواه البخاري ومسلمٌ واللفظُ لمسلم.
فصوموه رحمكم الله، وصَوِّمُوا فيه صبيانكم، فإن المحروم مَن حُرمَ صيامه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.