كرس كل من حسين آيت أحمد وعبان رمضان وفرحات عباس، الذين كانت تجمعهم روح الاتحاد والتمسك بالوحدة الوطنية وميلهم الطبيعي للحوار البناء في كل ظرف وزمان، حياتهم من اجل جزائر موحدة تاركين إرثا لا يقدر بثمن للشعب الجزائري. وقد تركت هاته الشخصيات البارزة، التي واجهت الشدائد في سن مبكر وانتقلت كلها إلى رحمة الله في شهر ديسمبر، بصمتها خالدة في تاريخ الجزائر من التزام وكفاح دائم من اجل جزائر مستقلة ودولة قانون. إلى آخر رمق، سجل آيت احمد الرجل المتعدد الكفاحات اسمه بحروف من ذهب في الحياة السياسية الوطنية حيث انضم شابا الى الحركة الوطنية متقلدا العديد من المناصب المهمة وترأس وهو في الثاني والعشرين من عمره، المنظمة الخاصة التي تعتبر الأرض الخصبة التي برزت منها القيادات المستقبلية لجبهة التحرير الوطني . وفي كتابه بعنوان "جذور 1 نوفمبر 1954″، قال بن يوسف بن خدة بخصوص آيت أحمد "انا على دراية انه ناضل منذ شبابه في حزب الشعب الجزائري وانه كان ضمن الذين نشروا في منطقة القبائل فكرة الاستقلال والتنظيم، مبدأين أساسيين بالنسبة للحزب (حزب الشعب الجزائري-حركة انتصار الحريات الديمقراطية) خلال السنوات الصعاب 1945 و1946. ولم يتردد على التضحية بدراساته والالتحاق بالكفاح المسلح في الجبال". ومن جهته، قال رئيس الحكومة السابق، مولود حمروش، ان القائد التاريخي كان "رجلا بارعا ذو نظرة إستراتيجية ومسار وكفاح استثنائي متعدد الابعاد من اجل غاية واحدة الا وهي الاستقلال وحرية بلده ومواطنيه". ويعتبر حسين آيت أحمد احد الوجوه البارزة للنزعة الوطنية الجزائرية واحد اعضاء مجموعة التسعة مفجري الثورة ومؤسس حزب جبهة القوى الاشتراكية كما كان من دون منازع رجل الكفاحات المتعددة. أما فرحات عباس الذي كان احد مؤيدي فكرة الاندماج في بداية نضاله السياسي، فقد التحق فيما بعد بمسيرة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم. وفي مطلع أربعينيات القرن الماضي، كان فرحات عباس احد العناصر الأساسية الداعية إلى الوحدة مع حزب الشعب الجزائري والعلماء. وفي كتابه "جذور 1 نوفمبر 1954″، كتب الرئيس السابق للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، بن يوسف بن خدة، "بعد تجربة القمة الاسلامية، مثلت أحباب البيان والحرية ثاني محاولة تجمع سياسي للقوى الحية للبلد". بعد انضمامه لجبهة التحرير الوطني سنة 1955 وأمام تخوفه من انتقادات بعض الشخصيات كونه التحق بركب الجبهة متأخرا خاطبه عبان رمضان قائلا "جبهة التحرير الوطني ليست ملكا لأحد سوى للشعب الذي يكافح (…) إذا لم يلتف الجميع حول الثورة فإنها ستجهض لا محال"، وفقا لما جاء في مؤلف خالفة معمري "عبان رمضان" بطل حرب الجزائر". واختير بعدها لترأس أول حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية حيث كتب سعد دحلب وزير الشؤون الخارجية الأسبق في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في كتابه "مهمة منجزة"، "نحن لن نغفل المفاوضات التي كنا سنصل اليها يوما ما واعتقدنا عن جهل منا بأن رئيس الحكومة المؤقتة هوالذي كان سيلتقي في نهاية المطاف بالجنرال ديغول، لكن هل كان هناك أفضل من عباس لمحاورة ديغول". غداة الاستقلال ناضل بقلمه وإسهاماته في النقاش من أجل جزائر مزدهرة تضم في كنفها جميع أبنائها حيث كان يرى في التفكير والحوار الحل لكل الخلافات. بالمقابل نجح عبان رمضان الذي لقب "بجان مولان الجزائري" والعربي بن مهيدي في جمع كافة توجهات الحركة الوطنية لجعلها تنضوي تحت لواء جبهة التحرير الوطني لمواجهة فرنسا. "قد تكون من المبالغة ربط كل الأمور بشخص عبان رمضان لكنه سيكون من المُجحف أيضا عدم الاعتراف بدوره التحفيزي في مختلف المجالات" برأي خالفة معمري. في حديثه عن عبان رمضان وصف بن يوسف بن خدة الرجل ب "المناضل الذي بذل النفس والنفيس من أجل استقلال الجزائر ليبقى بذلك رمزا للوحدة الوطنية ابان حرب التحرير الوطنية". وتجدر الإشارة إلى أن هذه الشخصيات الفذة التي اقترن اسمها بتاريخ الجزائر المجيد قد تركت بصمتها الثابتة وأثرها البالغ، إذ تجسدت فيها كل ما تحمله مصطلحات الوحدة والحوار وروح التوحيد من معان حتى في الأوقات الحرجة من تاريخ الجزائر. وانطلاقا من نفس القناعة ما فتئ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يدعو منذ انتخابه إلى إطلاق حوار وطني دون تهميش أو اقصاء وبمشاركة كل فعاليات المجتمع، حوار سيمكن من بناء جبهة داخلية "متينة ومنسجمة" تسمح بتجنيد الطاقات والكفاءات الوطنية وتدارك الوقت الضائع تحسبا لبناء "دولة المؤسسات" التي تُكرس فيها الديمقراطية والتي تقي البلاد مغبات الوقوع في "أي انحراف استبدادي"، دولة ينعم فيها المواطنون بالأمن والاستقرار والحريات.