وهذا يعني انها ليست قضية عربية تهم العرب فقط, او الفلسطينيين فقط, وانما تهم كل مسلم في كل بقاع الارض. ومن هنا فانه لايجوز اختزالها بجعلها مجرد قضية فلسطينية. فمسئولية تحريرها تقع علي عاتق كل مسلم. وقد كان ذلك هو ماحدث في الماضي ايضا. وقد كانت لي وجهة نظر ذكرتها في ندوة بنقابة الصحفيين منذ نحو ثلاثة عشر عاما تتلخص في اننا يجب ان نتعامل مع قضية القدس علي انها قضية اسلامية, ليس فقط علي المستوي النظري, وانما علي المستوي العلمي ايضا, فكما يحج المسلمون الي المسجد الحرام في مكة ويحرصون علي زيارة المسجد النبوي, عليهم ان يكثروا من زيارة بيت المقدس حتي يشعروا العالم بان هذه القضية قضية اسلامية لايمكن التهاون او التنازل عنها مهما طال الزمن. وعندما طالبت بذلك اتهمت بانني ادعو الي التطبيع والي ترويج اقتصاد العدو, علي الرغم من ان المستفيدين سيكونون من المسلمين المحيطين بالمسجد الاقصي, ولو حدث هذا التدفق الاسلامي لزيارة القدس لكان في ذلك إيجاد واقع جديد يؤكد الحق الاسلامي في القدس. وقد رحب بهذه الدعوة العديد من الاخوة الفلسطينيين علي المستويين الرسمي والشعبي, ولايزالون يرحبون. ولكن المزايدات والشعارات الرنانة الفارغة لاتدع للمنطق العقلي مكانا, ولانعلم ماتخبئه الايام للقدس الشريف من مستقبل. والاسس الدينية التي نستند اليها في الدعوة لزيارة القدس تتمثل فيما يلي: 1 وردت الاشارة الي المسجد الاقصي المبارك في اول سورة الاسراء في قوله تعالي: سبحان الذي اسري بعبده ليلا من المسجد الحرام الي المسجد الاقصي الذي باركنا حوله.. والمسلمون في كل مكان في العالم يتعبدون بهذه الآية وغيرها من آيات القرآن, فالمسجد الاقصي احد المقدسات الاسلامية. وله في حياتهم الدينية مكانة كبيرة لاجدال فيها. 2 ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم قوله: لاتشد الرحال الا الي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الاقصي. وهذا يوضح لنا بجلاء مكانة المسجد الاقصي بين المقدسات الاسلامية التي تشد الرحال اليها, ويطلب من المسلمين زيارتها. 3 كان من عادة المسلمين في السابق ان يزور الحجاج الي بيت الله الحرام في مكة المسجد الاقصي في القدس في طريق رحلتهم الي الحج تلبية لما جاء في الحديث النبوي المشار اليه. 4 في السنة السادسة للهجرة اراد النبي عليه الصلاة والسلام ان يعتمر ومعه عشرة آلاف من المسلمين, علي الرغم من ان مكة كانت حينذاك في يد كفار قريش, وان الاصنام كانت منصوبة حول الكعبة فهل كان النبي صلي الله عليه وسلم يريد ان يعترف بسيطرة المشركين علي المسجد الحرام وبشرعية الاصنام المنصوبة حول الكعبة؟ لقد اراد فقط ان يؤكد الحق الاسلامي في زيارة المسجد الحرام والطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة, وفي ذلك ابلغ رد علي من يعارضون زيارة المسجد الاقصي اليوم بحجة انه تحت الاحتلال الصهيوني. وكما رفض مشركو مكة السماح للمسلمين بأداء العمرة في السنة السادسة للهجرة, فان من المتوقع ايضا ان ترفض اسرائيل السماح بزيارة المسجد الاقصي لعشرات الآلاف من المسلمين سنويا. وعندئذ يحق للمسلمين ان يتوجهوا الي المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان الدولية مسجلين موافقهم واحتجاجهم علي منعهم من اداء شعيرة دينية, وعلي المسلمين الا يكتفوا بمجرد الاحتجاج, بل عليهم ان يعملوا علي إبقاء هذه القضية مطروحة للنقاش, والحصول علي دعم دولي للتوصل الي قرارات تؤكد الحق الاسلامي في القدس. لقد مرت قضية القدس بحقب مختلفة كان اصعبها اثناء الاحتلال الصليبي للقدس قبل ان يستردها صلاح الدين الايوبي بعد احتلال استمر قرابة قرن من الزمان, ويروي التاريخ ان الصليبيين قد قتلوا كل من كان فيها من المسلمين, وكان عددهم يبلغ سبعين الفا, حتي سالت الدماء انهارا في الطرقات وغاصت فيها الخيول. وقد حث بعض المسلمين السلطان صلاح الدين بعد ان استرد القدس ان يفعل بالصليبيين مثلما فعلوا بالمسلمين, ولكنه اقتدي برسول الله صلي الله عليه وسلم الذي قال لكفار مكة بعد فتحها اذهبوا فأنتم الطلقاء, وعفا القائد صلاح الدين عنهم, وارسل طبيبه الخاص ليعالج اعدي اعدائه وفك اسر من لم يستطع دفع الفدية, فما دامت الحقوق قد استردت فلا حاجة الي القتل او التنكيل, فالانتقام ليس من شيم الاسلام. وتمر الايام ويعاد احتلال ارض فلسطين حتي اليوم وهي قضية تنفرد بطول امدها, وهي القضية الوحيدة في عالم اليوم التي ظلت اكثر من ستة عقود كاملة دون حل علي الرغم من حماس المجتمع الدولي لحل الكثير من القضايا الاخري في فترات قصيرة. وكلما اقترب الامل في ايجاد حل لهذه القضية تتعقد الامور وتبرز المشكلات سواء من خلال اطراف داخلية او اطراف بعيدة عنا. وقد اتاح الرئيس الراحل انور السادات فرصة ذهبية للفلسطينيين ايام المفاوضات مع اسرائيل التي انتهت بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد ودعاهم للمشاركة في هذه المفاوضات, ولكن جبهة الرفض التي كانت تسمي نفسها جبهة الصمود والتصدي انذاك عطلت الجهود للتوصل الي الحل واصبحت الارض الفلسطينية مرتعا خصبا لاسرائيل لتقطيع اوصالها جزءا جزءا, حتي اذا جاء الحل لم يجد الفلسطينيون ارضا يتفاوضون عليها, وقد تحولت جبهة الرفض في السنوات الاخيرة الي جبهة الممانعة, ولله الامر من قبل ومن بعد, ولا حول ولاقوة الا بالله. وهكذا تم اختزال قضية القدس وجعلناها مجرد قضية فلسطينية, يتم التعامل معها مثل اي مدينة اخري كغزة او الخليل او خان يونس, وهذا الاختزال سحب عنها المدد الاسلامي الذي كان يمكن ان يكون اقوي سند وامضي سلاح في مواجهة العدو المغتصب. اما الاخوة الفلسطينيون اصحاب القضية, الذين كان ينتظر منهم ان يلتفوا جميعا حول هدف واحد وهو انقاذ القدس وبقية الاراضي الفلسطينية, فانهم مشغولون بخلافاتهم السياسية والايديولوجية والصراعات حول السلطة. والعقل والمنطق يحتمان تأجيل هذه الصراعات الي مابعد تحرير القدس وسائر الاراضي الفلسطينية. لقد آن الاوان لان نكف عن ترديد الشعارات الجوفاء والمتاجرة بمقدسات الامة, فقضية القدس بصفة خاصة, والقضية الفلسطينية بصفة عامة اصبحت للأسف الشديد قضية الفرص الضائعة.