الشيخ ناصر العمر رفقة صحفي الشروق الشيخ ناصر العمر من ابرز دعاة التيار السلفي في المملكة العربية السعودية، يتحدث بلغة صريحة دون لف أو دوران، سبق له أن زار الجزائر ونصح الإسلاميين قبل وقوع الأحداث الدامية التي شهدتها بلادنا في تسعينيات القرن الماضي، بعدم الاصطدام مع السلطة. * ويأسف أن هؤلاء لم يأخذوا بنصيحته، ويعتبر إهدار دم المسلم فسادا في الأرض، كما تناولنا في حديثنا معه العديد من القضايا. * * س: كيف يقيم الشيخ ناصر العمر، حالة المسلمين في عالمنا اليوم؟ * ج: إذا أراد إنسان أن يقيم أي شيء يقيمه بناء على مقياس الزمان والمكان والحال، النظرة المجردة لأهل المسلمين دون مراعاة الظروف، يقول الحالة سيئة، لكن في الحقيقة وفي ظل كل الظروف الدولية والاوضاع العالمية، انا اعتقد ان المسلمين الآن في حالة ايجابية، ما مرت في الزمن المتأخر، قد تقول لي كيف؟، اعتقد ان مجرد انشغال العالم بالمسلمين في كل خبر على أنهم موجودون، أيضا الآن الأمة مقبلة، لما نقول في الولاياتالمتحدةالأمريكية اكثر من سبعة ملايين مسلم، وفي بريطانيا أربعة ملايين مسلم، في فرنسا وإيطاليا كذا كذا مسلم، هل دخل بالسيف الإسلام؟ ابدا، معناه ان الاسلام ينتشر، حتى في الاتحاد السوفياتي الذي عاش في ظل الشيوعية الآن الاسلام يتقدم، لكن المشكلة لا تزال في رأس الامة، على مستوى الشعوب، الحقيقة الشعوب مقبلة على دين الله عز وجل، لكن لا يزال على مستوى رأس الأمة، الرأس الهرمي يحتاج الى مزيد من النظر واستثمار كل الطاقات المتاحة، أيضا هناك مشكلة تعاني منها الأمة في ظل هذا الوضع مما ينكد على تقييمها، الخلافات الموجودة، سواء داخل الشعوب او داخل الجماعات الإسلامية او غيرها، فإذا وجد دور وبخاصة دور العلماء، بإذن الله ستصل الأمة إلى مجد، ويحسب للامة حساب كبير، ويكفي ان اشير في هذا اللقاء الى ان التقارير العالمية، الاستخبارات ومراكز الدراسات ان أقوى قوة قادمة في القرن القادم هي الإسلام، هذا اجماع تقارير الاعداء، قدموها لمخابراتهم وليس لنا. * * س: في تقديركم، ما هو سبب هذه الخلافات التي تعصف بالأمة، وخاصة بين الحركات الاسلامية، هل تجدون مبررات لذلك؟ * ج: بعض الاسباب حقيقية، هناك خلافات منهجية واقعية، وفي بعضها الحقيقة اسمح لي اقول لك، وهمية، مضخمة، بعبارة ادق المشكلة بدل ان نأتي بالأسباب الحقيقية لسبب الخلافات ونعالجها استخدمناها وسيلة لمزيد من التشرذم والخلافات، هذه قضية جوهرية، بدل أن نأتي، مثلا جار مع جاره،عنده مشكلة بسبب الجوار، ان يحلوا المشكلة جعلوها سببا لتفرقة العائلتين والجارين، هذا واقع بين كثير من الجماعات الاسلامية، وإلا المشكلة موجودة، لكن ضخمت واستثمرها لمزيد من العداوة والتمكين والتفرقة. * * س: ما رأيكم في بعض الجماعات التي ترفع شعار المغالبة؟ * ج: هذا يختلف، الذي أراه، هو منهج التدرج، وأرى ان بالنسبة لحالتنا، وقد ناقشنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في هذا الامر، ان عصرنا قريب من العصر المكي، فقط ان بعض الاحكام الشرعية كالصلاة، والزكاة والصيام والحج اتت احكاما محكمة، لكن مراحل الدعوة، ارى ان يؤخذ بعضها من العصر المكي من حالة الضعف وعدم الدخول في نزاعات ومشكلات لا طائل من ورائها، ولذلك انا اقسّم البلاد الى ثلاثة اقسام: * اقول بلاد محتلة، يجب الجهاد فيها، مثل فلسطين، افغانستان والصومال، هذه بلاد محتلة، فيها عدو اجنبي يجب الجهاد، وهو فرض... * * س: (مقاطعا) بالرغم من ان الرئيس الحالي للصومال، هو الشيخ شريف، وهو اسلامي، ورئيس المحاكم الاسلامية التي قادت مرحلة سابقة تحرير الصومال من القوات الاجنبية؟؟ * ج: الى الآن لا استطيع الحكم، وليست عندي خلفية عن الموضوع الصومالي، اتحدث عن وجود القوات الاثيوبية والامريكية. * النوع الثاني من البلاد، هي بلاد مسلمين، ويحكمها حكام قد يكونوا علمانيين، فأرى ان ينظر في أسلوب التغيير، لأن المصالح والمفاسد قد لا تراعى هنا، الذين يذهبون ضحايا لهذا هم المسلمون انفسهم، الحكام لا يطالهم شيء كما هو في كثير من البلاد الاسلامية، فالذي أراه ان الكثير من الجماعات الاسلامية اقول لك، وحتى اكون دقيقا في كلامي معك، لم توفق في هذا الموضوع، ودخلت في صراعات لم تأت بنتائج ايجابية، مثلا في سوريا كنموذج الحكم في سوريا حكم بعثي.. ولا نشك في هذا، لكن اسلوب المغالبة لم يكن موفقا ولم يأت بنتائج، وهذا الذي حدث، ضربت الدعوة، وضرب المسلمون، وتأخروا، وبقي الحكم كما هو، وهذا خطأ. * النوع الثالث، بلاد فيها مسلمون وفيها نصارى، والحكام نصارى، او كفار، اقول فهؤلاء اهل البلد والعلماء هم الذين يقررون ماذا يفعلوا بالتشاور مع العلماء المسلمين المعتبرين، ليقرروا ماذا يناسب هذا البلد، وكيف يفعلون معه. * * س: البعض من المراقبين لشؤون الحركات الإسلامية، يذهبون الى الاعتقاد بأن جماعة الإخوان فرخت في وقت من الأوقات جماعة الجهاد، ثم جاء الدور على السلفية مع الالفية الجديدة لتفرخ هي بدورها جماعة الهجرة والتكفير والسلفية الجهادية، ما هو تعلقيكم؟ * ج: هذا حكم عام، ولا يجوز ان يكون مطلقا، ثانيا، اعتقد ان الجهاد لا يحتاج الى احد كي يفرخه، يفرخه الاسلام، الجهاد الحقيقي في مواطنه الصحيحة هو ذروة سنام الاسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين يقاتلون حتى يأتي أمر الله"، فالجهاد قائم بعز عزيز او بذل ذليل، ولكن ما يقصدونه شيء آخر، يقصدون مظاهر الغلو التي حدثت، ومظاهر تكفير للمسلمين ولبعض علماء المسلمين، وإن المسؤول عنها هي سجون بعض الحكام في بعض البلاد العربية، مثلا زمان ايام جمال عبد الناصر، هي التي أخرجت التكفير والهجرة، وسجون عدد من الدول العربية بل امريكا واتباعها هي التي أخرجت هؤلاء، لما يجري في السجون من ظلم وطغيان، وبعد عن العدالة، هو الذي اخرجهم، اما الجهاد الحقيقي فهو امتداد للإسلام ولا يعتبر هو الذي فرخه فلان او علان، او الجماعة الفلانية. * * س: هناك مؤخذات حقيقية على بعض علماء السعودية كما نعتقد نحن في الجزائر، عندما كانت تواجه جماعات العنف سكت العلماء وبعضهم حرض على العنف، وعندما اهتزت المملكة على ضربات هؤلاء تحرك العلماء بتحريم اهدار دم المسلم، لماذا التمييز بين دماء المسلمين، وتردد العلماء دائما في إبراز الموقف الشرعي؟ * ج: جئت الى الجزائر سنة 1986 وألقيت محاضرة "العلم ضرورة شرعية"، وحذرت علانية مما يقع في الجزائر، وقلت اذا سارت الامور بالجزائر بمثل هذا الوضع فإن المآل لا يحمد. * ثم ألفت كتابا وأعطيك نسخة منه "العلم ضرورة شرعية"، وقلت انني زرت عددا من البلدان وكنت اقصد الجزائر وحذرت من هذا الامر، وبعد ان وقعت الاحداث تكلمت أيضا. * * س: هل توقعت حدوث تلك الاحداث؟ * ج: نعم توقعت ذلك، لأني رأيت ان الوضع يسير الى الاصطدام، سواء في تعامل السلطة، او تعامل الناس، او المدارس الدعوية، وأعرف ان عددا من المشايخ تكلموا في هذا بوضوح، وقد ارسل لي بعض الجزائريين مثل هذا الكلام ورددت عليهم، وبينت لهم مواقفي، ولي بيان منشور موجود في موقع المسلم، اما أنهم يقولون انكم لم تتكلموا الا بعد ان سالت الدماء في بلدكم فهذا كذب، الدليل على ذلك انني حدثت السوريين بسبب احداث ما وقع في سوريا عام 1979 ونصحتهم وبينت لهم خطأ هذا المنهج، وألفت كتابا سميته "حقيقة الانتصار" مؤلف في عام 1992 وبينت خطأ هذه المناهج. فكيف يقال لنا هذا الكلام، هذه تهمة باطلة، اما كون ان بعض الاشخاص لم يتكلموا في الموضوع، فهذا فرض كفاية اذا قام به البعض سقط عن الباقين. * * س: ما هو موقفكم من العمل المسلح الذي يعصف ببعض الدول ومنها الجزائر خاصة؟ * ج: عندي بيان ارى الرجوع اليه، وكنت قد اصدرت منذ عدة سنوات رسالة الى اهل الجزائر، وبينت فيها موقفي، ومن جهتي انصح الجميع بالعودة الى دين الله، ومن عندهم بعض الافكار، والآراء، اقول لهم تعالوا الى كلمة سواء، هذا الذي انصح به، ان يجلسوا ويتناقشوا، أليس كلهم مسلمون، وكلهم يقول انا مسلم، ما داموا مسلمين، فالكتاب واضح والسنة واضحة ولا اشكال. * كما أوجه كلمتي الى الحكومة الجزائرية، وللشعب الجزائري وللدعاة، ولكل من يحمل هما، اقول لهم اتقوا الله جل وعلا، المسؤولية مسؤولية الجميع، وعليهم ان يحتكموا الى الكتاب والسنة، وإذا كان الله امرنا ان نقول لأهل الكتاب: "قل يا اهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله"، فأحسن باب هو أن ندعو بعضنا بعضا، ونتحاور ونتقاش، أليسوا كلهم مسلمون، الاسلام واضح، اما استمرار هذه الدماء واستمرار هذه الحالة وبطش البعض بالبعض الآخر والظلم، وكل واحد يتبنى رأيه وأنه هو الرأي الصحيح، فسيزيد المشكلة ويعقدها، فلنتق الله في هذا الشعب المؤمن الصابر الذي خسر الآلاف في قتاله مع الفرنسيين، فما ذنبه أن يخسر مزيدا من الدماء بلا ثمن؟ * * س: فضيلة الشيخ.. سمعنا فتاوى متناقضة حيث ان البعض حرم المسيرات للتعبير عن دعم الشعوب للمقاومة الفلسطينية في غزة، وبعضهم افتى بضرورة دعم المقاومة والجهاد ضد الاحتلال، مما اخلط الامور على عامة الناس، لماذا هذا التناقض الصارخ في الفتاوى؟ * ج: طرحت عدة قضايا، سبب الاختلاف بين العلماء كبير، "ولا يزالون مختلفين الا ما رحم ربك"، وهذا قضاء قدري، لا استطيع أن أحله انا او غيري، حتى الاختلاف حدث وإن كان في بعض الفروع بين الصحابة رضوان الله عنهم. اما ان كنت تسألني عن رأي في المقاومة، فأرى ان هذا الجهاد واجب دعمه، وكل يهودي في فلسطين هو محتل ويستحق القتل، لأنه ظالم ومجرم، وفي ارض ليست ارضه، اما عن المظاهرات فهي على نوعين، اذا كانت مظاهرات فيها فساد وفيها افساد في الممتلكات وفيها فوضى اثارة الفراق فلا تجوز، اما ان كانت مظاهرات سلمية ومجرد ان تعبر عن رأي اصحابها لنشر فكرة او مدافعة باطل فلا ارى حرجا في ذلك. * * س: ولكن لماذا تحفظتم على فتوى الشيخ عوض القرني الذي افتى باستهداف المصالح الاسرائيلية؟ * ج: انا لم اناقش فتوى عوض القرني ولم اتحفظ عليها، فقط انا قلت ارى ان في الازمات ان تكون الفتاوى جماعية، اذا لم توجد هذه الفتاوى الجماعية، فيمكن للفرد ان يصدر فتوى فردية، اما الفتوى فلم اناقاشها اطلاقا، لكني تحدثت عن طريقة اصدار الفتاوى في الازمات، فأقول ان الفتاوى يجب ان تصدر بطريقة مؤسسية وبطريقة جماعية وبمشاركة مجموعة من العلماء، وبالذات مع اهل البلد، فمثلا أي فتوى تتعلق بفلسطين ان يناقش فيها اهل فلسطين، لأن الموضوع يمسهم سلبا او ايجابا. * * س: هناك شد وجذب بخصوص منع التهريب عبر الأنفاق في قطاع غزة، ما هو الموقف الشرعي من هذه المسألة؟ * ج: التهريب يتعلق بالمخدرات والحشيش، اما الأسلحة فمن حق المقاومة والمجاهدين، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب، وانا أقول، ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب، يجب دعم الفلسطينيين، ويجب ايصال الاسلحة لهم، والذي يقف دون وصول الأسلحة الى المقاومة فهو خائن ومفرط، فلا يسمى تهريب اطلاقا لأنه يدافع عن دينه وعن بلده، فهو لا يعتبر مهربا إطلاقا. * * س: ماذا يقول فضيلة الشيخ الى القراء في الجزائر؟ * ج: حقيقة اقول ان الشعب الجزائري شعب ابي ومضح، وشعب بطل، فيكفي انه في سنوات طويلة اخرج الاستعمار الفرنسي وقدم تضحيات ضخمة هائلة، اصبحت مضرب المثل في التاريخ المعاصر، فمن الخطأ ان يفرط في هذا الانجاز، وتضيع حقوق الامة، وما حارب الجزائريون الا بالاسلام، ويجب ان يظل الاسلام هو الحاكم في الجزائر، وأن يبتعد الجميع عما يثير أي قلاقل في حياة الشعب الجزائري، الدولة مسؤولة عن تأمين البلد وتحقيق المعيشة ورغد العيش. كما أنصح العلماء، وصارت مضرب المثل "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" في العالم، اصبحت امنية ان يحقق كل بلد ما حقق في الجزائر، اقول ليعود دور جمعية العلماء المسلمين التي كانت في الجزائر وعلى يد البشير الابراهيمي وغيره، ان تعود الآن بقوة لتوجه الناس، ان يكون لها التأثير في الناس لأن الناس يتبعون علماءهم، وأعتقد أن سبب المشكلات الموجودة في الجزائر لغياب العلماء وتقصير الكثير من العلماء عن أداء دورهم، لأن الناس لو وجدوا العلماء الصادقين المخلصين ما حدثت هذه المشكلات والاضطرابات، فبقدر تقصير العلماء تقع الفتن في أي بلد، في الجزائر او في غيرها.