دفعت الأهمية البالغة للانتخابات التشريعية المقررة شهر ماي المقبل والرهانات المحاطة بها داخليا وخارجيا، السلطات العليا إلى طرح جملة من الإجراءات القانونية والسياسية لضمان نزاهة العملية الانتخابية برمتها وجعلها منطلقا لمسار التغيير السلمي المؤسساتي. يعتقد العديد من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين أن الانتخابات التشريعية المقبلة تشكل محطة مفصلية في مسار النظام السياسي القائم، على اعتبار أن الرهانات المحاطة بهذا الاستحقاق كبيرة وتقتضي جملة من الإجراءات الإدارية والقانونية والسياسية لإنجاحها سيما وأن أطرافا داخلية وخارجية تسعى لتحويل الاستحقاق الانتخابي إلى مشروع على شاكلة ما تعرفه بعض البلدان العربية. وفي هذا السياق، سارع رئيس الجمهورية إلى اتخاذ جملة من التدابير القانونية ضمن قانون الانتخابات والقوانين الأخرى التي لها علاقة بالعملية السياسية لقطع الطريق أمام أي انزلاقات محتملة توظف الثغرات التي قد تشهدها الانتخابات، وفي هذا الإطار تم اعتماد لأول مرة صناديق اقتراع شفافة، إذ تقول آخر الأخبار أن وزارة الداخلية قد انتهت من إعداد الصناديق الشفافة التي أوكلت مهمة صناعتها لشركة وطنية، كما تم اتخاذ لأول مرة استعمال نوع من الحبر الذي لا يمكن محوه أو التلاعب به أو الغش به في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الانتخابات التي عرفتها البلاد منذ عقدين من الزمن. وعلاوة على ما تم ذكره، أصبح بفضل قانون الانتخابات الجديد إلزامي على القائمين على مكاتب الاقتراع والفرز منح محاضر الفرز للمراقبين مباشرة عقب انتهاء العملية وفي مكاتب الفرو وليس في الدائرة أو الولاية، حيث كانت تمنح وتترك فرصة للتلاعب بالنتائج، وقد استحسن رؤساء الأحزاب والمهتمين هذا الإجراء لكونه ظل احد النقاط السوداء في العملية الانتخابية برمتها. إلا أن أهم إجراء على الإطلاق، يتمثل لأول مرة في إقرار الإشراف القضائي على العملية الانتخابية بدل الإدارة التي تواجه اتهامات بالتزوير والتلاعب بالنتائج لصالح أحزاب بعينها على حساب الإرادة الشعبية، ومن هنا سيكون للقاضي المسؤولية الكاملة في حماية أصوات الناخبين على مستوى لجان الفرز، وان أي محضر لا يؤشر عليه القضاة يصبح محل شبهة، ورغم كون مهمة إشراف القضاء على الانتخابات سابقة في تاريخ المسار السياسي الجزائري، إلا أن نقابة القضاة أعلنت قدرتها على القيام بالمهمة التي خولها إياها قانون الانتخابات الجديد، وعلاوة على الاستقلالية التي يتحلى بها القضاة مقارنة بالإدارة التي كانت تنظم وتشرف على الانتخابات من المنتظر يشكل هذا الإجراء قوة ردع لأي محاولة للمساس بأصوات الناخبين خاصة وان رئيس الجمهورية قد أكد في خطابه خلال افتتاح السنة القضائية على ضرورة امتثال الإدارة لسلطة القضاة دون مراوغة أو تحايل، فيما هدد الوزير ولد قابلية بفصل الولاة وعقوبة السجن لكل من يتورط في تزوير الانتخابات. ليس هذا فحسب، فالإجراءات التي نص عليها قانون الانتخابات دعمت بضمانات سياسية من قبل السلطة العليا في البلد منها إعادة النظر في تركيبة وطريقة عمل اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات، والسماح لممثلي الأحزاب بمراقبة صناديق الاقتراع بدون عراقيل، وفوق هذا استجابت السلطة إلى مطلب حضور مراقبين دوليين لمراقبة سير عملية الاقتراع، حيث تم توجيه الدعوات إلى الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الإفريقي، الجامعة العربية، منظمة التعاون الإسلامي، المؤتمر الإسلامي، الأممالمتحدة وغيرها من الاتحادات والمنظمات الإقليمية والدولية. ومن هذا المنظور، يعتقد مراقبون أن كل الأدوات القانونية والإجرائية لضمان نزاهة الانتخابات القادمة قد طرحت في سوق التداول السياسي، في انتظار إعلان الرئيس عن بعض الإجراءات الإضافية حسب مصادر مهتمة، وذلك في إطار البحث عن سبل التغيير السلمي عن طريق الصندوق وليس عن طريق الشارع كما يحلم به البعض.