يعود عشرات المهاجرين السريين او الحراقة الذين رحلتهم السلطات المغربية مطلع سبتمبر إلى الحدود الجزائرية، للاختباء في ظروف لا إنسانية في مناطق متاخمة لمدينة وجدة، المحاذية للحدود خوفا من قوات الأمن المغربية وأملا في العبور الى أوروبا. ويستقر عشرات من هؤلاء المهاجرين من جنسيات مختلفة داخل غابة سيدي معافة المتاخمة لمدينة وجدة، للاختباء خوفا من السلطات الأمنية التي رحلت الكثير منهم الى الحدود الفاصلة مع الجارة الجزائر. وقال احد هؤلاء المهاجرين لوكالة فرانس برس في مكان غير بعيد غير بعيد عن مدخل غابة سيدي معافة "رمونا (أي المغاربة) في الحدود بطريقة مهينة بعد ان اعتدوا علينا بالضرب وعنفونا ونحن هنا في العراء ولا نعرف مصيرنا". وأضاف هذا المهاجر الغاني "قائدنا ليس هنا. فقد ذهب إلى المدينة للبحث عن الطعام فنحن لم نأكل طيلة النهار". وكان الرجل مع مجموعة من الغانيين الآخرين مختبئين في خيام بلاستيكية خضراء واغلبهم يمضون فترة القيلولة بانتظار عودة المسؤول عن المجموعة. قاصرون ومرضى وحوامل.. وكشف مهاجر آخر من هؤلاء عن جرح في ركبته، قال انه نتيجة سقوطه عن صخرة بينما كانت قوات الامن المغربية تطارده مع أصدقائه، بينما يلف زميل له رجله بقطعة قماش تظهر عليها بقع الدم. وكان جهاز الامن المغربي بدأ في الثاني من سبتمبر حملة في صفوف المهاجرين استمرت قرابة أسبوع رحل خلالها ما يفوق 500 مهاجر الى الحدود المغلقة مع الجزائر منذ 1994. وبين هؤلاء المرحلين قاصرون ومرضى وحوامل، حسب ما تقول منظمات حقوقية، مع ان القانون المغربي يمنع ترحيل القاصرين والنساء والمعوقين. لكن هذا لم يمنع السلطات، حسب تقارير حقوقية من خرق القانون. وتحاول السلطات ثني مواطني المنطقة عن تقديم المساعدة لهؤلاء المهاجرين خلال عودتهم، حسب مسؤول لجنة الهجرة في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الحسن عماري، "إلا ان اقتناعهم (سكان المنطقة) بفلسفة إكرام الضيف ومعونة عابر السبيل تمنعهم من الاستجابة". وتشهد الجهة الشرقية للمغرب حركة تهريب نشيطة تشمل خصوصا السلع والمحروقات الجزائرية الرخيصة. ويساعد بعض المهربين أيضا مقابل مبالغ بسيطة، المهاجرين في عبور الحدود. وعبرت منظمة أطباء بلا حدود في بيان عن قلقها "للعنف المتزايد تجاه المهاجرين غير النظاميين في الجهة الشرقية للمغرب". وقالت المنظمة الموجودة في المكان ان "نسبة المهاجرين الجرحى الذين تلقوا إسعافات في العيادات المتنقلة لأطباء بلا حدود، ارتفعت من 15 بالمئة الى 34 بالمئة" من مجموع الذين تم ترحيلهم. وواجه المهاجرون غير النظاميين أسوأ معاملة في المغرب نهاية 2005 عندما حاولوا عبور الحواجز الحدودية لمدينة مليلية الاسبانية على الاراضي المغربية. واسفر تدخل قوات الامن التي أطلقت الرصاص عن قتل 11 مهاجرا وجرح عشرات. خروق في الترحيل وفي تقرير مشترك، عددت "مجموعة مناهضة العنصرية والمصاحبة والدفاع عن المهاجرين والأجانب" و"مجلس أفارقة جنوب الصحراء في المغرب" خروق شابت الترحيل من بينها "التحرش" و"التهديد" و"الضرب" و"سرقة الأمتعة". كما تحدثت عن "تزايد الممارسات العنصرية". وتتمركز مجموعات أخرى من العائدين بعد ترحيلهم في ما يشبه مخيما آخر مخفيا وراء أسوار جامعة محمد الأول في مدينة وجدة حيث لا يلحظ من لا يعرف المكان المخيم بسبب الحركة العادية فيه واستقبال الجامعة منذ سنوات لطلبة قادمين من دول جنوب الصحراء للدراسة. ويطلق السكان والعاملون في ميدان الهجرة على هؤلاء اللاجئين اسم أفارقة الجامعة، بينما يصعب الدخول الى المخيم المحاط بسور اسمنتي خلف الجامعة دون مرافقة احد يعرف المكان جيدا. ويقول عماري مبررا هذه الصعوبة في دخول المخيم "لم تعد لديهم الثقة فيمن لا يعرفون من الناس خصوصا بعد العنف الشديد الذي تعامل به الأمن معهم". وداخل مخيم الجامعة تنتشر خيام بلاستيكية تأوي عشرات المهاجرين. وفي الساحة يلعب البعض الكرة بينما يبيع آخرون سجائر، بعضهم لفت أيديهم او أرجلهم بالجبس بعد كسور أصيبوا بها اثناء عملية الترحيل، كما ذكر مراسل فرانس برس. كاميرونية قطعت ثلاثة بلدان على كرسي متحرك وفي احد مقاهي الانترنت خارج المخيم، تجلس ماري على كرسي متنقل وتحاول العثور على جمعية لمساعدتها في الحصول على كرسي جديد. وفي مقهى بعيد عن اعين مسؤولي المخيم، قالت لنا انها قطعت ثلاثة بلدان قادمة من الكاميرون على كرسيها المتحرك لتصل إلى المغرب. وقالت لفرانس برس "تنكرت لي عائلتي بسبب إعاقتي. مات ابي وهرمت امي وأخبرتني اختي انها لن تستطيع احتضاني بسبب أطفالها الستة. لم يعد لي مكان للعيش فيها في الكاميرون لهذا قررت الهجرة". وأكدت باكية انها لا تريد العودة الى بلدها. مواطنها القاصر محمد كالي (16 سنة) هو الذي يعتني بها ويساعدها على قضاء حاجياتها. يدفع كرسيها المتحرك المتهالك العابر للبلدان الذي تحلم بتغييره منذ وصولها الى المغرب. هو أيضا لديه حلم رياضي، كما يقول. حلم اللعب في احدى المنتخبات الكروية خاصة بعد ان قبل فريق اشبال مولودية وهران ان يلعب في صفوفه، لكن بعد ان يعود الى الكاميرون لإحضار أوراقه. وهو ما لم يكن في إمكان كالي الذي فضل المغامرة عله يجد في المغرب منفذا يحقق عبره حلم اللعب لاحد الاندية الأوروبية. وبانتظار ان تتحقق احلام ماري وكالي، يتوقع المهاجرون في مدينة وجدة شتاء قارسا بينما يكثف المغرب تعاونه الأمني مع اسبانيا لمحاربة الهجرة، رغم اتهامات الحقوقيين المتكررة للرباط بلعب دور الدركي لصالح اوروبا.