رئيس مجلس الأمة : التكوين المهني فضاء لبناء الكفاءات وصناعة المستقبل    رئيس مجلس الأمة : الابراهيمي نفحة من الأعلام السياسيين الخالدين    التوقيع على اتفاقية بين المديرية العامة لإدارة السجون والهلال الأحمر الجزائري    الوادي : إنتاج أزيد من 110 آلاف قنطار من الفول السوداني    في طبعته ال 13..عرقاب يشرف اليوم على افتتاح "ناباك 2025" بوهران    مقاومة عالمية لدعم الشعب الفلسطيني    غليزان.. عملية لتحسين التموين بالمياه الصالحة للشرب بثلاث بلديات    محمد صغير سعداوي : مواصلة تحسين الظروف المهنية والاجتماعية للأستاذ    ملتقى وطني نوفمبر المقبل : طوفان الأقصى في القصيدة الجزائرية بين جذور القضية والتمثلات الفنية    المدية : تظاهرة "القراءة للجميع" لتعزيز فعل المطالعة العمومية    فتاوى : إنشاء صور لذوات الأرواح بالذكاء الاصطناعي    سر عظيم لاستجابة الدعاء الخارق    فيبدا 2025 يجسد صمود الشعب الفلسطيني ويوثق لذاكرته    فلسطين : 8 شهداء بينهم طفلان بغزة وخان يونس    خديعة سياسية ونصر إسرائيلي مزيف ج/2    الفاف تُحذّر    دعما لفلسطين.. إيقاف مباراة في إسبانيا    سعداوي ضيف ساعة حوار    قفزة نوعية مُنتظرة بالعاصمة    أم البواقي : توقيف 3 أشخاص وحجز 499 قرصا مهلوسا    وفاة 14 شخصا وإصابة 439 آخرين    سطيف : حجز بضاعة أجنبية متحصل عليها عن طريق التهريب    استعراض جهود الجزائر في اعتماد مرونة تشريعية جاذبة للاستثمارات    مهدي وليد يشدّد على عصرنة القطاع الفلاحي    رئيس الجمهورية يهنئ أسرة التكوين والتعليم المهنيين    إبراز أهمية إدارة وثائق البنوك والمؤسسات المالية    المسابقات أصبحت مُرقمنة بالكامل    محطة مشتركة لتعزيز الأخوة بين الجزائر وليبيا    مسيرات مليونية بالمغرب لإنهاء الفساد واسترجاع الحقوق المهضومة    تكفل رئاسي تام للوصول بالاقتصاد الوطني لبرّ الأمان    672 ألف متربص.. وتخصّصات تكوينية جديدة رافعة للتنمية    فرص عمل للشباب ضمن مفوضية الاتحاد الإفريقي    برنامج تنموي طموح لتحسين التمدرس    500 مشارك في الصالونات الجهوية للتشغيل    "يما خيرة".. أنامل من صوف وقلب لا يشيخ بالعطاء    تكفل نفسي وبيداغوجي بالأطفال المعاقين ذهنيا    لطرش يسقط في أوّل اختبار    الريادة لاتحاد بسكرة وشباب باتنة    أنا خلف المنتخب الوطني مهما حدث    تسريع ورشات رقمنة قطاع الأشغال العمومية    "بريد الجزائر" يطلق النظام التجريبي لتوقيت العمل الجديد    3 باحثين ضمن أفضل 2% من علماء العالم    الخصوصية الجزائرية بصمة في الفن التاسع    إبداع.. تكنولوجيا.. ورسائل إنسانية    كمال بناني يُوقّع لحظة وفاء بمسرح "مجوبي"    إيلان قبال يوجه رسالة حماسية للحارس لوكا زيدان    تحسبا لمباراتي الصومال وأوغندا.. مفاجآت وأسماء جديدة في قائمة "الخضر"    قائمة المنتخب الوطني للاعبين المحليين : غياب مبولحي ومحيوص وعودة سعيود وبولبينة    إدانة دولية لاعتراض الكيان الصهيوني "أسطول الصمود"    عرض تجربة "كناص" في الابتكار بمنتدى كوالالمبور    هذه مخاطر داء الغيبة..    إلتزام الجزائر بترسيخ البعد الإفريقي في سياستها الصحية    ضبط نشاط شركات التنظيف في المستشفيات    أم البواقي : تنصيب أزيد من 100 مستخدم شبه طبي بالمؤسسات الصحية العمومية    بوعمامة يترأس اجتماعاً    الحكمة بين اللين والشدة    فتح التسجيلات في القوائم الاحتياطية للتكوين شبه الطبي    التعارف في سورة الحجرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ)
نشر في الحياة العربية يوم 28 - 09 - 2025

خلق الله الخلق وهو أعلم بحالهم، وعلم فيما علم أنهم يذنبون ويخطئون، وأنه لا يخلو أحد من ذنب كما جاء في الحديث: (كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ) [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه]، وفي الحديث الآخر في صحيح مسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ).
فلما كان هذا حال العباد، رغبهم الله تعالى في التوبة، وفتح لهم بابها، ودعاهم إليها.. مهما عظم ذنبهم، وزاد خطؤهم، وكثرت مخالفاتهم، فرحمة الله واسعة لا تضيق عن ذنب، وعفو الله يشمل كل خطيئة مهما زادت وكثرت، أو جلت وعظمت فهو القائل سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:53]، وفي حديث أبي موسى الأشعري، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله – عزَّ وجلَّ – يَبسُط يدَه باللَّيل ليتوبَ مسيءُ النهار، ويَبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيءُ اللَّيل، حتَّى تطلع الشَّمسُ من مغرِبها)[رواه مسلم].
..كثرة الفتن
وزماننا هذا الذي نعيشه زمان فتن، تيسرت فيه أسبابها، وفتحت فيه أبوابها، وسهل على الناس الوصول إليها، مع تسلط أهل الباطل وأتباع إبليس وجند الشيطان على عباد الله، سعيا في إضلالهم عن الحق، وإغوائهم عن الأخلاق والفضائل، ودعوتهم للقبائح والرذائل. وزاد الطين بلة وجودُ وسائل التواصل التي فتحت الباب أما كل ساقط وفاجر وفاسق وداعر، لينشر فسقه وفجوره، بعد أن كان مخفيا عن الناس، فطغت وكثرت بسبب ذلك الفواحش، وانتشرت المقاطع، ودخلت على الناس بيوتهم ومخادعهم، واخترقت الأسماع والأبصار، ونفدت إلى القلوب، فلا يكاد أحد ينجو، وإنما الأمر يتفاوت بين مقل ومكثر، والمعصوم من عصم الله. والله سبحانه من رحمته بعباده، ولطفه بخلقه، وعلمه بضعفهم وعجزهم أزال عنهم كل حاجز يحجزهم عن التوبة حتى يغرغروا وتبلغ الروح الحلقوم، أو تطلع الشمس من مغربها.. (إنَّ اللَّهَ فتحَ بابًا قِبلَ المغربِ عرضُهُ سبعونَ عامًا للتَّوبةِ لا يُغلَقُ حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ منهُ)[رواه أحمد والترمذي وصححه أحمد شاكر].. فهي في الحقيقة دعوة مفتوحة للرحمة والعفو والتوبة.
..محبة الله للتائبين
ثم إنه سبحانه رفع عنهم وحشة البعد، وحاجب العصيان، فأخبرهم أنه يحب توبة التائبين إليه ويفرح بها كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}[البقرة:222]، وكما في الحديث في صحيح مسلم: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ).
..إياكم والقنوط
لقد نادى الله على عباده خاصة العاصين منهم المفرطين، وحذرهم من القنوط من رحمته، واليأس من عفوه ومغفرته، بل جعل هذا القنوط من الرحمة، واليأس من المغفرة أعظمَ من كل ذنب عملوه، فقال: {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا 0لضَّآلُّونَ}[الحجر:56]، وقال: {وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف:87]. فكأنه يقول لهم: إن رحمتى أوسع من كل ذنب فعلتموه، وأكبر من أي قبح ارتكبتموه.. وما عليكم إلا أن ترجعوا إلى وتتوبوا إلى وأنا أقبل توبتكم وأحمد رجعتكم.
لكل عاص أو مذنب استكثر ذنبه أو استعظمه، قد نادى عليك الله: (يا ابنَ آدمَ! إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ! لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا ثُمَّ لَقِيْتَني لا تُشْرِكْ بِيْ شَيْئَا لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً)[المسند، وصحيح الترمذي]. وفي الحديث القدسي الآخر: (يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ)[صحيح مسلم].
..العودة للذنب بعد التوبة
والعبد قد يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة مستلزمة لشروطها، ثم يستهويه الشيطان، ويغلبه الهوى فيعود لذنبه، فربما وسوس له الشيطان أن هذا تلاعب واستهزاء، وأن الله لا يقبل توبة مثل هذا، وإنما يريد أن يمنعه من العودة، ويقطع عليه طريق الرجوع، ويسد عليه باب التوبة فيهلك.. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع على الشيطان طريقه، وأوضح للعبد سبيله، ودعاه إلى مداومة التوبة مهما تاب وعاد، ومهما أقلع ورجع، فالباب مفتوح.. فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رب العزة قال: (أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي).
أي أن العبد الذي يرتكب المعصية ثم يتوب توبة نصوحا عازما على عدم العودة، لكنه تزل قدمه ويقع مرة أخرى في الذنب، عليه أن يجدد التوبة، والله يتقبل منه ويغفر له بشرط أن تكون التوبة صادقة، وألا تكون مجرد تظاهر بذلك.
وقد قيل للحسن: ألا يستحيي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود؟، فقال: "ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار".
فعلى العبد أن يحسن ظنه بربه، وأن يتضرع إليه سبحانه أن يغفر له، ويتقبل منه، ويتوب عليه.. اللهم اجعلنا من التوابين، واجعلنا من المتطهرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.