يرى علي خضر أستاذ بالجامعة الأوربية في بروكسل وصاحب مشروع متحف تاريخ الثقافة العربية وهو أحد مشاريع المركز الثقافي العربي، أن هذا المشروع الكبير يأتي في وقت تُدمر فيه الثقافة العربية ويمحى تاريخها وفي عدد من دول العالم العربي تُحرق، تُدمّر وتُسرق الآثار والمخطوطات والأعمال الفنية والأدبية. حوار: لمياء العالم قال خضر أن تأسيس المتحف في بروكسل، عاصمة أورُبا السياسية، هو رد حاسم وإنساني على الحرب القائمة ضد الثقافة العربية وصانعيها كما انه دخول من نوع آخر في قلب أورُبا. والجدير بالذكر أن علي خضر من مواليد بغداد عاصمة العراق تخرج في علوم الموسيقى في بلجيكا ويحمل شهادة المرحلة الثالثة من جامعة بروكسل الحرة. وهو اليوم أستاذ في الجامعة الأوروبية في بروج وعضوا في عدة مراكز للبحوث الجامعية في بلجيكا وفرنسا. نظم مئات الأمسيات الثقافية والفنية والمهرجانات والمعارض. وكتب العديد من البحوث في تاريخ العرب قبل الفترة المسيحية وكلها منشورة في مراكز الدراسات الجامعية. كيف جاءت فكرة انجاز متحف تاريخ الثقافة العربية ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ المتحف هو مبادرة شخصية مني ومن الكاتبة الجزائرية حواء جبلي في الوقت الحاضر، وفكرة المتحف تكونت مع تطور عدد ووضع العرب الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي والأكاديمي في أوربا. العرب لهم وجود حقيقي ومؤثر في المجتمع الأوربي. رغم ذلك فلا يوجد في أوربا أي مؤسسة أكاديمية عربية. الحكومات العربية، كلها وبدون استثناء، لم تخطط لا في موضوع العلاقات الأوربية ولا في مستقبل العرب وثقافتهم في أوربا. وأفضل ما عملته الحكومات العربية هو الدعم الجزئي لمعهد العالم العربي في باريس وهو مؤسسة تديرها وزارة الخارجية الفرنسية وهدفها ليس الثقافة العربية بل أهداف سياسية من خلال نشاطات ثقافية. هل يختلف نشاط المعهد الأوربي للثقافة العربية ببروكسل عن معهد العالم العربي في باريس؟ تأسس المركز الثقافي العربي في العاصمة السياسية لأوربا بروكسل في سنة 1988. ويُعتبر البيت الحقيقي لكل المنتمين للثقافة العربية. وهو مستقل وهدفه نشر الثقافة العربية وتاريخها والتعريف بكل المثقفين المنتمين للثقافة العربية. المركز لا يتدخل بالسياسة والمشاكل بين دولة وأخرى. لقد كان وما يزال مركزنا هذا رائدا في خلق وبناء جسور الصداقة الثقافية بين العالم العربي وأوربا. فهو أقدم مؤسسة ثقافية عربية وأول من قدم للجمهور في بلجيكا فنانين وأدباء ومفكرين من جميع أنحاء العالم العربي، من المشرق إلى المغرب. إنه مكسب مهم للثقافة العربية ولكل من يعتز بها. لقد نظم المركز عددا كبيرا من المهرجانات الفنية والأدبية ومئات الحفلات والمعارض والندوات التي عرَّفت بالثقافة العربية وكسبت الآلاف من الأوربيين الذين أصبحوا أصدقاء العرب. ويمتلك المركز بنايته الخاصة به والتي تحتوي على قاعة المعارض وقاعة الحفلات والندوات والاجتماعات. وللمركز مدرسة لتعليم اللغة العربية والموسيقى والخط العربي. بلغ عدد طلاب المدرسة في سنة 2011 أكثر من 350 طالب. وتجاوز عدد الأمسيات الفنية والأدبية التسعين أمسية في سنة 2011. ويعمل في المركز كموظفين وعمال عشرة أشخاص من عدة دول عربية. هيئته الإدارية أيضا مؤلفه من أعضاء من عدة دول عربية. يعتبر المركز احد مؤسسات بروكسل الثقافية المهمة. وهو يمتلك علاقات وطيدة مع عدد من أعضاء البرلمان الأوربي. حدثنا أكثر عن مشروع ؟ فكرة المتحف فريدة من نوعها في أوروبا لأن مضمونها لا يوجد شبيه له في مكان آخر. ففكرة المتحف هو التعريف بهذه الثقافة منذ بداية ظهور اسم العرب في التاريخ في زمن الدولة الآشورية ولغاية القرن العشرين مرورا بكل الأحداث المهمة بهذه الثقافة: دولة النبطيين، الدول العربية في جنوب شبه الجزيرة العربية، سوق عكاظ، مكةالمكرمة، الأمويين، العباسيين، الأندلس، الفترة المعاصرة. هدف المتحف إنساني، ثقافي وذات توجه عالمي. انه مشروع لتوعية الأورُبيين بالأهمية التاريخية والإنسانية لهذه الثقافة. للمتحف توجه خاص يرفض الانطواء لطائفة أو لهوية محلية أو لمجتمع محدد لأنه متحف للتآخي بين جميع الشعوب ومكان تعليمي عالي المستوى. سيكون متحفا من خلاله نرى مساهمة كل الشعوب والأمم والطوائف التي يتألف منها العالم العربي من المشرق إلى المغرب، والتي ساهمت في تكوين و إغناء الثقافة العربية، ويضاف إلى ذلك كل شعوب العالم الإسلامي. هذا المتحف سيكون في نفس الوقت مكان لتجميع وعرض أعمال الفنانين والحرفيين وسيحتوي على عناصر ومواد ونصوص تعرِّف بتاريخ ثقافة العرب وانجازاتها الكبيرة وفنها منذ فترة ما قبل المسيح ولغاية اليوم. إن الحاجة لهذا المتحف كبيرة على المستوى الأكاديمي، المعرفي والإعلامي. هل هناك مبادرات من المسؤولين في قطاع الثقافة بالعالم العربي وبالتحديد الجزائر؟ لا يوجد أي دعم فعلي للمشروع لا من قبل الجهات الرسمية ولا من جهات أخرى. وقد بدأنا فعليا في إنشاء المتحف وأملنا كبير أن يتم افتتاح القاعة الأولى في شهر أكتوبر من السنة القادمة. فيما يختلف هذا المتحف عن بقية المتاحف الأخرى الموجودة في العالم العربي؟ إن المتاحف الحالية الموجودة في كل العالم العربي هي متاحف محلية تعطي أهمية فقط لثقافة البلد الموجود فيه المتحف. كما أن هذه المتاحف ليست تعليمية وتربوية إنما أبنية لتجميع آثار وأعمال فنية وتاريخية والزائر الغير متخصص لا يستفاد منها. ولا تدعو هذه المتاحف إلى التعرف على كل الشعوب العربية والشعوب التي تعيش معها. كونكم تهتمون بالفعل الثقافي العربي بما تنصحون المسؤولين والمثقفين العرب للنهوض بحضاراتهم؟ إن ما يجري في العالم العربي من تدمير للتراث الثقافي شيء مرعب. الكل سمعوا بما حدث وما يزال يحدث في العراق (سرقة الآثار والمخطوطات الخ) وما يحدث حاليا في سوريا. وكل ذلك بعد تدمير فلسطين والسودان وأماكن أخرى كثيرة لا داعي لذكرها. أعود لموضوع إنشاء المتحف في بروكسل، العاصمة الأوربية ذات المستقبل الكبير. أنا متأكد ان الحكومات العربية لم تفكر بما سيحدث خلال السنين القادمة في موضوع الوحدة الأوربية وموضوع بروكسل كعاصمة للاتحاد الأوربي. وكذلك الحكومات لم تفكر بدور العرب وأصدقائهم المتزايد في هذا الاتحاد. ما هو الهدف الأساسي الذي يصبو إليه هذا المشروع؟ إن هدف المتحف هو ثقافي، تربوي وإنساني. فكرته هي تاريخ هذه الثقافة منذ ولادتها ولحد الآن. من هم العرب الأوائل ؟ من أين جاءت كلمة عرب؟ متى تم استعمالها وماذا تعني؟ ما هو الدور الذي لعبته كل الشعوب التي عاشت أو تعيش مع العرب في تكوين الثقافة العربية؟ الخ. الفكرة هي أن هذا المتحف سيكون مثل كتاب في تاريخ العرب، الذي يدخل فيه سيكتشف تاريخ العرب ويتعرف على حضاراته المختلفة والمتنوعة في الخليج وفي شمال إفريقيا ويتعرف أيضا على كل الشعوب التي ساهمت في إثراء الثقافة العربية. التجاوب من قبل المثقفين والفنانين العرب مع المشروع متواضع جدا وآمل أن يساهموا في المستقبل القريب في هذا المشروع الذي هو مكسب للثقافة الإنسانية التي يدافعون عنها.