اتهم الشاعر بغداد السايح وزارة الثقافة بحصر مفهوم حقّ المبدع بالصدقة والعمل الخيري تمنحه ل"مساكين الفن والثقافة" أو بهرجة تصرف فيها الملايير بلا رؤى مستقبلية، أما المبدع عندها هو "الراقص والمغنّي المبتذل" ولن يكون بأي حال صاحب فكر وكتابة. ويرى الشاعر أن هناك متطفّلين على الإبداع الشعريّ استطاعوا أن ينشروا رداءتهم بوجود ناشرين تهمّهم الأموال لا القيمة المعنوية لما يُطبع متهما في ذلك الإعلام بتكريسه للرداءة ونفخ الأسماء الفارغة. وقال السايح أن الشاعر يبقى صوت الأمة لكن هذا لا يعني من إهمال الرسالة ولو أنه محبط بسياسات الأنظمة العربية المستبدة التي جعلت الشاعر يبدو في زماننا مهرجا أو مجنونا.. مشيرا إلى أن العرب اليوم أعداء الجمال يتهمون حامل الوردة بالسذاجة ويتهمون قائل الحقيقة بالغباء. حاورته : نايلة باشا كيف تصف لنا لحظة الخلق الشعري وولادة القصيدة عندك؟ أرى أن الخلق الشعريّ سابق للخلق البشريّ فالقصائد مولودة قبل الشاعر بقرون وما كتابتها إلا لحظة انسكاب لها في بياض الورق، غير أن القصيدة التي تتحوّل من الكتاب المنشور الذي هو الكون بما فيه من أحداث نختزلها في الابتسامة والدمعة إلى الكتاب المسطور الذي هو الوجه النهائي للقصيدة في ديوان تبقى عمليّة إبداعيّة تُبنى على اشتغال فكري وآخر لغويّ بحيث يتّسع كل وعاء منهما على حساب الآخر في سبيل نضج القريحة.. من هنا أخلص إلى القول بأن القصيدة تولد بصفة مباغتة وفي لحظات هاربة من الزمن تسمو فيها الروح مراوغة الجسد. هل بنية الخطاب الشعري المعاصر فيه انقطاع عن التراث والأساطير؟ لا أعتقد أن الخطاب الشعري المعاصر حتى لو اصطبغ بالحداثية سينقطع عن التراث والأساطير إنما هو يمتّن الحبال الممتدة إلى الماضي من خلال النظر إلى التراث في جوانب غير نمطية بحثا عن أمور خفيّة لم تفسّر بالطريقة الصحيحة ولم تحفر فيها أدوات الفكر لعلاج النظرة السلبية التي تشوبها كما أن استحضار الأسطورة لا يكون عملا سرديا خاليا من الأدوات الفنية أو لمجرد إحداث نص تثاقفيّ بل نجد الخطاب الشعريّ المعاصر يوظّفها بما يخدمه ويستغني عنها في حال وجودها كومضة لا تشي بالغرض الداعي إلى استحضارها. الكاتب أو الشاعر العربي متهمٌ اليوم أنه لا يقول الحقيقة، ما تعليقك؟ الشاعر العربي يقف دائما أمام نص مفخخ لا يدري متى تنفجر ألغامه وحين نتهمه بعدم قول الحقيقة فإننا نتّهم ذواتنا أو بالأحرى هو أشبه بالمرآة التي تعكس مشاهدنا اليومية المتناقضة.. يبقى الشاعر صوت الأمة لكن هذا لا يعني من إهمال الرسالة ولو أنه محبط بسياسات الأنظمة العربية المستبدة التي جعلت الشاعر يبدو في زماننا مهرجا أو مجنونا.. العرب اليوم أعداء الجمال يتهمون حامل الوردة بالسذاجة ويتهمون قائل الحقيقة بالغباء والكثير منهم يكذب في مجتمعه وينتظر من الله حاكما صادقا.. شعوب غير صادقة مع قضاياها لا تستحق شاعرا يقول الحقيقة. هل منحت وزارة الثقافة حق المبدع؟ وزارة الثقافة عليها أن تحدّد مفهوميْ الحقّ والمبدع أوّلا فهي ترى الحقّ مجرّد عمل خيري تقدّمه لمساكين الفن والثقافة أو بهرجة تصرف فيها الملايير بلا رؤى مستقبلية أما المبدع في نظرها فهو الراقص البارع والمغنّي المبتذل ولن يكون بأي حال صاحب فكر وكتابة.. أتمنى أن تراجع هذه الوزارة أمورها وتعمل على إعطاء المبدع الحقيقي منحة تقيه ذلّ السؤال وتساعده على التفرّغ لإعطاء الثقافة الأصيلة استمراريتها فالمبدع الآن يضحّي بالكثير من أجل همّه الثقافي مستحضرا قول المتنبي: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله * وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم. ما هي أقصى أنواع الظلم التي تراها تمارس في حق الشعر بصفة عامة، والشاعر الجزائري بصفة خاصة؟ رغم كل أنواع الظلم التي تمارس ضد الشعر والشعراء سأكتفي بالقول أن أقصاها وأقساها وجود متطفّلين على الإبداع الشعريّ استطاعوا أن ينشروا رداءتهم بوجود ناشرين تهمّهم الأموال لا القيمة المعنوية لما يُطبع وكذلك وجود إعلام يكرّس الرداءة ويعمل على نفخ الأسماء الفارغة.. الأغرب أن هناك أسماء تصدر دواوين شعرية عبر سرقة قصيدة من كل شاعر دون وجود رقابة على مستوى دور النشر.. يبقى للمتطفّلين على عالم الشعر حريّة التصرف بإبداع الآخرين وهذا أكبر ظلم تقف وراءه مافيا الثقافة فقط من أجل إضعاف وهج الشعر الحقيقي وهدم اللغة. يشكك الكثير من الأدباء والشعراء الجزائريين القائمين على المسابقات العربية مثل البوكر وجائزة الشيخ آل زايد بأنها غير نزيهة، ما هو رأيك؟ هو ليس تشكيك بل حقيقة، فالمسابقات لا تعتمد على مقياس الإبداع والكتابة، بل تقيم حسب الكاتب الأكثر بروز إعلامياً بحثا عن الشهرة للمسابقة، كما أن القائمين على مسابقات يعانون من عقدة المشرق، ويمكن القول أن أغلب المسابقات لها هدف تجاري أكثر من أدبي وثقافي إذ مثلا يمكن القول عن مسابقة " أمير الشعراء" يجب الإطلاق عليها " أمير أس أم أس " بهدف تدعيم المنظمين، ورغم ذلك فإن المسابقات لا تعتبر إلا ترويجاً إعلاميا إذ أن أهم الجهات التي يمكنها أن تقيم العمل الأدبي هي الدراسات الأكاديمية للباحثين المختصين والنقاد. وللأسف فإن الجزائر بإمكانها إقامة مسابقة "قيصر الشعراء" ولكنها مازالت تهتم بالأسابيع الثقافية. ما هي الرسالة التي توجهها أنت والشعراء من جيلك للمجتمع؟ أعتقد أن الرسالة التي أوجّهها أنا وغيري من الشعراء هي نفسها الرسالة التي أفشى بها جبريل ذات وحي "اقرأ" وهنا لا أقصد القراءة السطحية الفارغة بل هي قراءة عميقة في تاريخنا وما يدور حولنا من أحداث، فلا خير في أمّة لا تقرأ لشعرائها ومفكّريها وعلمائها وأدبائها.. مجتمعنا مطالب برفع مستوى القراءة التأملية وبزيادة وتيرة الاطلاع على الثقافات الأخرى دون الانسلاخ من الهوية كما أنه ملزم بتحدّي تلك الظروف التي جعلته ينسحب من المشهد الثقافي ومن عالم الكتابة، رغم أنني ألوم هنا الأنظمة المستبدة حين جعلت الشعب يطارد خبز اليوم بعيدا عن الكتاب.